form id="MasterForm" onsubmit="var btn=window.document.getElementById("psbtn");if(this.s && btn){btn.click(); return false;}" action="/mail/InboxLight.aspx?n=1852494122" enctype="multipart/form-data" method="post" div class="ReadMsgBody" id="mps0_readMsgBodyContainer" onclick="return Control.invoke("MessagePartBody","_onBodyClick",event,event);"
الإنقلاب العسكري هو بالتعريف انقلاب على المؤسسات الشرعية سواء أكانت شرعية ثورية، كما كانت زمن ما بعد الإستقلالات العربية عن الإستعمار الأوروبي، أو كانت انقلابا على الشرعية الدستورية بعد ما استقرت الدول الحديثة على مجموعة من المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية، و على منظومة القيم و المبادئ و التوافقات العرفية و التوثيقية التي ارتقت إلى مسلمات أضحت تساعد على تحديد هوية المجتمع و طبيعة الدولة.
إنقلاب الجيش المصري الأخير هو بالتحديد و التعريف انقلاب على دولة القانون و على كافة مؤسساتها و جرّها إلى قبضة العساكر. الإنقلاب في التعريف الفرنسي هو ضرب الدولة في كل اسسها و مقوماتهاcoup d'Etat . و عليه فإن إقدام الجيش المصري على مصادرة الحياة السياسية، و الإستلاء بالقوة على السلطة الشرعية هو تحييد للشعب و المجتمع و مؤسسات الدولة و تعطيلها لفائدة تحقيق غرض الانقلابيين المتمثلة في خارطة الطريق التي لا تفضي في حقيقة الأمر إلى أي طريق بل تُضَيِّع الطريق أصلا. مسلك خارطة الطريق في الماهية و الغرض الجوهري هو إزالة الحالة الإسلامية بإعدام التيارات الإسلامية من الحياة العامة و استئصال تجربة حكم الإسلاميين في مصر و ابعاد شبحها من أن يصل إلى بعض بلدان الخليج العربي و خاصة المملكة العربية السعودية التي تتوجس من أي منافسة للإسلام الوهابي. مهمة الجيش الإنقلابي في جانب أساسي منها هو وأد تجربة نظام حكم يتلمّس المرجعية الإسلامية في مصر، لا بل الجيش المصري الذي طالما حاول أن يسخّر نفسه للاستثمار في الدفاع عن العربية السعودية و بعض بلدان الخليج، صارت له الفرصة اليوم مواتية، بعد سنة من تجربة حكم حزب الحرية و العدالة المصري، لكي يغامر و يسارع إلى تحقيق هذا الغرض بتجنيب النظام السعودي إمكانية من يزاحمه احتكار الله و المقدسات الإسلامية و المرجعية الدينية.
إدراج الحقيقة السعودية و الخليجية إلى تداعيات الإنقلاب العسكري مسألة محفوظة في خارطة الطريق و إن لم تفصح صراحة عن ذلك. أخذا بالمقاربة التي تقرأ اللاحق لتفسير السابق، فان الإنقلاب ما كان له ليتم لو الصفقة التي تمت بين الانقلابيين و النظام السعودي الذي سارع إلى التكفل بتغطية مصاريف إجراء سرقة مصر من المصريين. و هكذا، و في التحليل الأقصى لتداعيات الإنقلاب العسكري على الدولة المصرية هو، من جهة التيارات الإسلامية و حركاتها المناضلة، ضرب الإسلام الوهابي في أركانه الأساسية و السعي المتواصل إلى محاربة البلدان الخليجية المناهضة للإسلام السياسي. فقد بقيت تلك البلدان هي الأخيرة التي لم يهزها الربيع العربي, و آن لها اليوم أن تعرف نفس المصير. و هذا المصير أو المآل ليس ضربة تخمين بقدر ما هو حقيقة أرادها النظام السعودي عندما تواطأ مع الجيش المصري و كلفه بوأد التجربة الإسلامية في الحكم. هذا التكليف هو الذي سوف يبرر مواصلة استكمال إسقاط الأنظمة العربية التي التمست طريق محاربة الإسلام السياسي كأفضل ضمان للبقاء في الحكم و التمادي فيه.
و نحاول أن نشرح تداعيات الإنقلاب الجيش المصري على السعودية و من سايرها في محاربة الإسلام السياسي على النحو التالي : الربيع العربي ثورة معقولة و يمكن الوقوف على معناها و سياقها التاريخي. فقد جاء الربيع العربي في البلدان العربية الأوتوقراطية السلطوية التي غيَّبت الحريات الديمقراطية و قيم العدالة و القانون، ثم عمدت إلى محاربة الحركات و التيارات الدينية كأفضل سبيل إلى الاستمرار في السلطة و الحكم بعد أن بهتت الخطابات القومية و الوطنية و الإيديولوجيات النضالية المناهضة للاستعمار و الرجعية المحلية. و في الحالة المصرية و في غيرها من البلدان العربية التي وصل بها الأمر إلى إمكانية تمرير الحكم إلى الأبناء، فقد تبين إمكانية الإستثمار في مكافحة الإسلام الأصولي و المتطرف أو بالأحرى صنعه صنعا من أجل تبرير مهمة و وظيفة الجيش من مواجهة العدو الخارجي إلى استحداث عدو داخلي و تحويل كل الضربات القاتلة له. و قد كانت الخدمة الأساسية التي سخّرها النظام للجيش و الأمن هي تهيئة أجواء المواعيد الانتخابية بافتعال أحداث يضرب فيها التيار الإسلامي و تفكك تنظيماته و يُحْرَم بالتالي أعضاؤه من التَّرشح إلى الانتخابات. ففي التاريخ المصري المعاصر، زمن مبارك، هناك دائما حدث دموي يسبق الانتخابات، يقيد ضد الإسلاميين، و يحرمون بسببه من المشاركة في الانتخابات.
و الربيع بناء على هذه الخلفية هو اجتراح مرحلة جديدة تصل فيها المعارضة الحقيقية إلى الحكم كأفضل ضمان على مواصلة التعاطي مع حقائق العالم المعاصر، خاصة على مستوى بناء الدول، على ما فعلت المغرب بوصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم و كما حدث في مصر بعد وصول حزب الحرية و العدالة إلى الحكم، و ما يجري اليوم في تونس التي تتلمس فيها قيادة حزب النهضة الطريق السليم إلى الحكم مع قدر كبير من الوعي و سعة الصدر. لكن الخيبة و كل الخيبة جاءت من الجيش المصري الذي احتفظ بكل المؤسسة، في زمن التغيير، و تَمَرَّد على الوضع العام و استغلّ اطمئنان الجميع إلى الزمن الديمقراطي ليرتد بتلك العنجهية المدمرة و يسطو على الحكم في يوم 3 يوليو الفائت. و هكذا، يعود الجيش المصري إلى عادته القديمة و هي ملاحقة التيارات الإسلامية ليس لحماية الأمن المصري، لأن الربيع العربي فند تلك الأسطورة بدون رجعة و لكن لحماية النظام السعودي من الإسلام الإخواني كإسلام سياسي و من مؤسسة الأزهر كمرجع ديني. و من هنا تظهر الحاجة إلى ربيع عربي يمتد هذه المرة إلى بعض البلدان الخليجية الي راهنت على محاربة الإسلام الجهادي و السياسي كأفضل طريق إلى التمادي في الحكم. نريد أن نقول أن قيام الجيش المصري بإعدام الإسلاميين من المشهد العام هو في البداية والنهاية لحماية النظام السعودي الذي فاض عليه المال و لم يعرف أين يصرفه إلا في الاستثمار الديني الذي يتعَقَّب و يلاحق التيارات الدينية داخل المملكة و خارجها بتوظيف أموال النفط و استغلال القوى الخارجية ( الجيش المصري) للحيلولة دون مزاحمة الإسلام الوهابي و نظامه الأميري. و في كافة الأحوال و الوجوه و المظاهر، لأن الأمر يتعلق بنظام انقلابي مطلق،فقد قام هذا الأخير بخطف الدولة المصرية الناشئة في ظل الديمقراطية و الشرعية الانتخابية، والتحوّل بها إلى مسار آخر هو مسار الثورة المضادة بكل ما تعني الكلمة من معنى و دلالة، و إلى الاستحواذ على الفعل و رد الفعل في سيرورة جديدة هي أن السلطة الانقلابية تحصد نتائج فعلها لا غير، لأن كل ما يصدر من الغير هو بالأصل من فعل السلطة الإنقلابية بالذات، و هو الوجه الإطلاقي في طبيعة الإنقلاب العسكري على الحياة الديموقرطية الجديدة في مصر. الصراع، و ليس المسار السلمي، هو الذي سيخوضه الإنقلابيون، صراع حاد و مضني لأنه يتم في صلب السلطة الحيوية، بين المجتمع و السلطة الإنقلابية عندما تكون هذه الأخيرة قد أجهزت بالكامل على المقدرات الحيوية و النشاط الحيوي للمواطن المصري . و بهذا المعنى، و ليس بغيره تدشّن الثورة المضادة في مصر مسارها الاستثنائي بنفس القوة العسكرية التي أدارت نظام الطوارئ زمن مبارك، لتضيف اليوم على نفس التجربة استثناءا آخرا يجب أن يعبّر عن دموية أكثر، مقدماته مجازر متوالية، ليس أفدحها ما جرى يوم فض اعتصام تحالف الشرعية بالقوة في ساحتي رابعة العدوية و النهضة، و ما أسفر عن ذلك من فرض حالة طوارئ و حظر التجوال بالليل و الترخيص باستعمال السلاح الحي و اعتقال و اغتيال كل من يريد من قريب أو بعيد أن يعترض مسعى مسار الثورة المضادة إلى استئصال الإسلاميين من المشهد السياسي العام.