منذ زيارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى المنطقة وإسرائيل تصعد باضطراد عمليات القتل والقمع والعقاب الجماعي للفلسطينيين ، وكأنما تترجم صلوات بوش للسلام بأنه التخلص من الفلسطينيين ورغم الحديث الإعلامي عن حل الدولتين وتنشيط مفاوضات الحل النهائي ، اشتد القصف والحصار ليحصد عشرات الأرواح الفلسطينية يوميا ويكتمل بخنق قطاع غزة بالكامل ويبدو أن التفسير الإسرائيلي للحل النهائي هو "إنهاء" مهمتها في فلسطين ، بالاستيلاء على الأرض عبر الاستيطان والقضاء على من لا يقبلون بها عبر الاغتيالات والقصف والاعتداءات وكتم الأصوات التي تصرخ من احتلالها وقمعها عبر الحصار الاقتصادي والتجويع التام . ويزيد من قتامة الصورة ذلك السجال السياسي المقيت بين السلطة وحماس، في وقت لا تفرق فيه قذائف الاحتلال بين عناصر شهداء الأقصى (حركة فتح) وكتائب القسام (حركة حماس)، تنساب دماء الفلسطينيين في نابلس وغزة في آن ولا يدري المرء ما معنى التفاوض على "الوضع النهائي" في ظل هذه الحرب ، التي لا توليها وسائل الإعلام اهتماما كافيا لأن وسائل إعلام الغرب لا تهتم بها في ظل وجود أخبار الانتخابات الأميركية واحتفالات عاشوراء وكأس الأمم الأفريقية ومما يثير السخرية والعجب أن تجد من لا يتوقف أمام القتل والقصف ويساوي بين إطلاق الصواريخ البدائية من غزة وعرقلة "مفاوضات التسوية" ، مع تجاهل حقيقة بسيطة هي أن الصواريخ انطلقت ردا على القصف والقتل المتواصل وخناق الحصار المستمر (ولم يرفع أحد صوته معترضا على ذلك) وكأنما أصبحنا "خواجات" نساوي بين الجلاد والضحية بل ونزايد عليهم بلوم الضحية على توفيرها المبرر للجلاد ليذبحها . الرئيس الأميركي قال : إنه عائد إلى المنطقة في مايو المقبل للمشاركة في احتفالات إسرائيل بمرور ستين عاما على إنشائها (على أرض فلسطين) وقد فهم الإسرائيليون أنه من هنا حتى الصيف عليهم أن يطهروا البلاد والعباد ، بالبناء الاستيطاني والقتل والخنق واستجابة لصلوات الرئيس بوش خلال حجه للأماكن المقدسة يقومون بذلك على قدم وساق . المثير حقا هو ذلك التقسيم للمهام على الجانب الإسرائيلي ، والسماجة المشينة على الجانب الفلسطيني فإسرائيل ، كما أعلن رئيس وزرائها من قبل ، تجد الفرصة دوليا مواتية بأفضل شكل لتفعل ما تريد وعدد إيهود أولمرت من هم في السلطة ليساعدوه : بوش وساركوزي ومبعوث الرباعية توني بلير وبمجيء الدموي إيهود باراك إلى وزارة الدفاع ، بدا واضحا أن السير على طريق "الحل النهائي" هو أقرب ما يكون للتعبير الإنجليزي عن الإبادة الجماعية التي يقال : إن النازيين نفذوها بحق اليهود في أوروبا، وتسمى في الأدبيات السياسية كذلك Final Solution أيضا وهكذا أوكلت إلى أولمرت مهمة التشريفة الإعلامية الدبلوماسية المسماة بالمفاوضات والقمم والمؤتمرات ، وأوكلت إلى باراك مهمة تنفيذ الحل على الطريقة الصهيونية : القتل والحصار . أما فلسطينيا ، فالسلطة والحكومة المقالة يتنازعان على نفوذ لا وجود له وسيادة خيالية ويتبادلان الاتهامات إلى حد الطعنات ، والناس يصرخون من الاحتلال والجوع والغثيان السياسي فلا المفاوض الفلسطيني يعترض لدى مفاوضيه الصهاينة على قتل إخوته ، ولا أهل غزة معنيون بما يفاوض عليه سكان رام الله من قضايا افتراضية مثل الحدود أو اللاجئين وقد نسفها بوش بالفعل في صلواته من أجل "حل الدولتين" حتى الدم الفلسطيني الذي كان يسفك في صراع ، أصبح اليوم يسفك بلا معنى ، ويروج الإسرائيليون للعالم أنهم يدافعون عن أنفسهم ضد "إرهاب" الفلسطينيين لهم ، بينما بعض الفلسطينيين يتهم البعض الآخر بمحاولات الاغتيال . وقريبا سيصبح علينا أن نخوض حربا أخرى لنبرئ أنفسنا من دم أهلنا ، حتى لا نتهم بمساندة الإرهاب وتشجيع المقاومين وها نحن تركنا أهلنا في غزة يعيشون في ظلام دامس وتتعطل أجهزة إنقاذ الحياة في مستشفياتهم بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل نتيجة انعدام الوقود الذي قطعته إسرائيل . وتكاد الشموع والبطاريات الجافة تنفد ، ومعها ما تبقى من طعام قليل مع أن الوقود الذي تورده إسرائيل لغزة بأغلى الأسعار هو وقود من مادة خام عربية، سواء حصل عليها الصهاينة مباشرة أو عبر الأسواق . ولا يجوز هنا التحجج بالالتزامات والأعراف الدولية ، فإذا كانت إسرائيل تعاقب شعبا بأكمله لأنه يقاوم فإن إسرائيل أكثر من يستحق العقاب على جرائم يومية ولا نقول تاريخية ترتكبها بحق الإنسانية وحتى إذا عجزنا عن التصرف في وقود ننتجه ويخنق بعض أهلنا ، هل يجوز أن نعجز عن تقديم شمعة وكسرة خبز لأهلنا المحاصرين حتى الموت جوعا والله لو كانت تلك حيوانات حديقة حيوان لندن أو نيويورك لما تأخر المليارديرات العرب عن التبرع لتوفير الطعام الباريسي لها لكن ذلك هو قدر حيوانات في رعاية الرئيس بوش ، وشعب صلى داعيا عليه الرئيس بوش ونحن من ورائه في صلاته لا نملك إلا قول : آمين.