دعا أحمد ماهر، وزير الخارجية المصري السابق، إلى وضع ترتيبات جديدة لمعبر رفح تضمن ألا تكون أبواباً لسجن كبير يُترك فيه سكان غزة يعانون من إجراءات قمعية وغير إنسانية تحت احتلال غاشم، منتقداً الشروط التعجيزية التي تضعها حركة "فتح" في رفضها للحوار الفلسطيني. وأكد ماهر في مقال له حول أزمة المعابر، نشرتها الجمعة (1/2) صحيفة "الشرق الأوسط" التي تصدر من لندن، أنّ الترتيبات الخاصة بمعبر رفح وفقاً لاتفاق 25/11/2005 (التي يصر رئيس السلطة محمود عباس على تطبيقها) كانت ترتيبات قاصرة. الاتحاد الأوروبي لم يقم بدوره وقال ماهر إنه وقبل إغلاق المعبر نهائياً في حزيران (يونيو) 2007، كان الجانب الصهيوني يتسبّب في إغلاقه، مشيرا إلى إحصائيات تفيد بأنّ نسبة الإغلاق وصلت 85 في المائة من الأيام. وأشار وزير الخارجية المصري الأسبق إلى أنّ الاتحاد الأوروبي الذي كُلِّف بمراقبة المعبر بحيث لا يُفتح إلاّ في حضوره؛ لم يقم بأي جهد حقيقي في هذا الشأن، "بل كان سلبياً الى درجة لا أعتقد أنها تليق بدول تشعر أنّ عليها واجب المساعدة في خلق الأجواء المناسبة التي تخفف عن شعب يعاني من احتلال غاشم وبغيض". ورأى ماهر أنّ وضع الترتيبات الجديدة يتطلب اتفاق بين الفلسطينيين أنفسهم لتجاوز "الانقسام غير المبرّر بين فتح وحماس الذي لا يخدم إلا مصلحة "إسرائيل" .."، منتقداً رفض حركة فتح الجلوس للحوار. شروط فتح تعجيزية وقال ماهر "لا يجدي في هذا الصدد تبادل الاتهامات ووضع الشروط المسبقة، وكان من المفروض أن يقبل الطرفان الدعوة الكريمة التي وجّهها لهما الرئيس (محمد حسني) مبارك للحوار في مصر". وأضاف "لا يمكن أن أفهم سبب رفض فتح الحوار إلاّ بشروط ليست فقط تعجيزية بل هي لا تتسم بالواقعية، حيث أنّ الأخطاء متبادلة، ومخالفة لشروط الوفاق الوطني مشتركة ليس هناك طرف بريء منها، والحديث عن الانقلاب يمكن أن يكون منطبقاً على تصرفات من الجانبين". عدم القبول بفوز حماس هو السبب وراء الأزمات وأكد الدبلوماسي المصري البارز سابقاً أنّ المسؤول عن كل ما حدث على الحدود الفلسطينية المصرية هو في المقام الأول الجانب الصهيوني، موضحاً أنّ ممارسات الاحتلال العدوانية وغير الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني والحصار الذي فرضته على قطاع غزة "بمشاركة مؤسفة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، منذ اليوم الأول لفوز حماس في انتخابات تشريعية كان الغرب هو الضاغط لإجرائها رغم تحفظات فلسطينية، ثم في أثناء تولي حكومة حماس ثم حكومة الوحدة الوطنية التي جمعت بين حماس وفتح بفضل جهود مصرية وسورية وغيرها؛ ساهمت في كل ذلك". وقال وزير الخارجية المصري الأسبق "لو كانت أية دولة أخرى (غير الاحتلال) قد قامت بمثل هذه التصرفات؛ لقام دعاة حقوق الإنسان في الغرب منددين مستنكرين ومهددين، أما في هذه الحالة بالذات، وبعدما وصلت الأمور إلى مداها بوقف التيار الكهربائي، مع ما ترتب على ذلك من تداعيات؛ لم يكن من المتصوّر أن يسكت عليها العالم". الولاياتالمتحدة وفشل مجلس الأمن ولفت أحمد ماهر الانتباه إلى أنّ مجلس الأمن فشل في إصدار مجرد بيان يندد بالطريقة الأفلاطونية المعتادة بتصرفات "إسرائيل"، وذلك بفضل الولاياتالمتحدة التي لا تترك فرصة تمر دون أن تؤكد وقوفها إلى جانب "إسرائيل" أو إذا بلغ عدوانها مدى لا يمكن قبوله – دون أن تخلط الأوراق ليضيع حتى مجرد الاستنكار الباهت في خضم أمور أخرى ترتبط في الواقع بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال بأي سلاح تمتلكه حتى إذا لم يكن فعالاً ولكنه على أية حال تعبير عن التطلع الى التحرّر. افتخار بالمقاومة وقبول بثمنها وفيما بدا أنه انتقاد لبعض الكتاب المصريين وغيرهم الذين انتقدوا المقاومة الفلسطينية؛ قال ماهر "أذكر لمن يحتاجون إلى من يذكرهم بأننا في مصر كنا وما زلنا نفتخر بحرب الاستنزاف التي أقلقت مضاجع المحتل الاسرائيلي لسيناء قبل حرب التحرير (1973)، ونقبل ثمنها كواجب وطني"، وقال "في نفس الوقت الذي كانت فيه "إسرائيل" تمارس هذه البربرية إزاء الشعب الفلسطيني فيعقد لقاءات مع رئيسها لا تبدي فيها أي استعداد حقيقي أو حتى ظاهري للتوصل إلى أسس حقيقية لمفاوضات جادة تؤدي الى تسوية"، معتبراً أنّ هدف الاحتلال ما زال هو الوقيعة بين الأطراف الفلسطينية ومحاولة زيادة الفرقة بينها. مصر واحتضان الفلسطينيين وأوضح المسؤول المصري السابق "كان يمكن أن تؤدي تلك التصرفات من جانب "إسرائيل"، والمعاناة اليومية لأشقائنا في غزة التي تحمِّل المواطن العادي فوق ما يمكن احتماله؛ أن تكون هناك محاولة للتخلص من هذا الوضع وكان أن نظر المواطن العادي الى المنفذ الوحيد الذي يمكن أن يكون متاحاً وهو مصر التي وقفت دائماً مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لاقتناعها العميق بأنّ مصلحتها الوطنية مرتبطة بالمصلحة القومية". وشدّد ماهر على أنّ التصرف المصري الحكيم بالسماح للفلسطينيين بالدخول الى أراضي مصر لكي يحصلوا على ما حرمهم منه الجانب الصهيوني ثم يعودوا الى وطنهم "كان هو القرار الصحيح المسؤول لذي يؤكد الدور المصري". وقال ماهر متابعاً "بصرف النظر عن تجاوزات حدثت، بتدبير أو بغير تدبير، وبصرف النظر عن أنّ البعض استغل هذا القرار لأغراض سياسية أو تجارية؛ فإنّ مصر أثبتت مرة أخرى أنها قادرة على أن تعالج الأمور بحكمة واتزان وحزم في نفس الوقت، وأن تتحمل المسؤولية دون أن تتخلى عن مسؤوليتها عن حدودها التي لا يقبل مصري أن يستهين بها أحد أياً كان". واعون للمخططات والمؤامرات وبشأن ما ألمحت إليه بعض الكتابات الحديثة من وجود مؤامرات ومخططات صهيونية تستهدف مصر، ومنها اقتطاع أجزاء من سيناء لضمها إلى دويلة تقام في غزة، ومنها دفع الفلسطينيين إلى سيناء لإقامة دولة مستقلة على أرضها؛ قال "كل هذه المخططات تبدو غريبة، ولا أتصوّر أنّ الفلسطينيين أنفسهم أو أي فريق منهم يقبله، فإنّ هناك شكوكاً بأنّ الضغط الفظيع على أهل غزة كان يستهدف ضمن ما يستهدف دفعهم في اتجاه الأراضي المصرية بطريقة قد تؤدي في تصوّرهم إلى وقيعة بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهو ما أمكن تجنبه وسوف يمكن دائماً تجنبه بفضل حكمة ويقظة الجانب المصري وأيضاً الحكماء على الجانب الفلسطيني"، كما كتب. وخلص أحمد ماهر إلى أنه مع ذلك "من المهم أن ندرس بعمق تلك المخططات الاسرائيلية التي هي جزء من مخططات لمزيد من التفتيت ومزيد من الوقيعة بين الشعوب"، وختم بقوله "أثق في أننا جميعاً فلسطينيين ومصريين بل كل العرب منتبهون لها باعتبارها جزءاً من مخططات يفرزها باستمرار الفكر الإسرائيلي المتآمر، الذي يبحث دائماً عن مشاكل يختلقها لكي ينشغل الآخرون عن مخططات تدبر في الخفاء رغم معاهدات السلام ومعسول الكلام"، كما ورد في مقاله.