وزير الثقافة يشارك في المؤتمر العلمي الدولي ال13 لجامعة عين شمس احتفالًا بيوبيلها الماسي    جدول امتحانات الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني في الأقصر    حكم قضائي جديد يخص طلاب الثانوية العامة| بماذا حكمت المحكمة؟    وزير الصحة يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي ال13 لجامعة عين شمس    وزير التعليم يعلن عودة اختبار ال SAT لطلبة الدبلومة الأمريكية في يونيو القادم    بكام العملة الخضراء الآن؟.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 15 مايو 2025    الجريدة الرسمية تنشر 4 قرارات لرئيس الوزراء (تفاصيل)    محمد البهي رئيس لجنة الضرائب: التسهيلات الضريبية في صالح الصناع..    ترامب يتحدث مجددًا عن أحمد الشرع.. ماذا قال؟    75 شهيدا جراء قصف الاحتلال المتواصل على غزة منذ فجر اليوم    وزير خارجية تركيا: هناك فرصة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا    حماس: المقاومة قادرة على إيلام الاحتلال ومستوطنيه فوق كل شبر من أرضنا    وفاة إسرائيلية متأثرة بإصابتها خلال عملية إطلاق نار في الضفة الغربية أمس    البدري وخشبة على رأس العائدين.. وصول الوفد الأول من الرياضيين المصريين القادمين من ليبيا    موعد مباراة برشلونة ضد إسبانيول في الدوري الإسباني    دوري سوبر السلة.. الأهلي يواجه الزمالك في ثاني مواجهات نصف النهائي    القبض على شخصين بتهمة التنقيب عن الآثار داخل عقار في باب الشعرية    «الداخلية»: ضبط 2663 مخالفة مرورية وتنفيذ 254 حكمًا خلال 24 ساعة    الحرارة 45 مئوية.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس غدًا: موجة حارة «لاهبة» تضرب البلاد    أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل    النقض تخفف عقوبة ربة منزل وعشيقها بقتل زوجها    الليلة.. عرض فيلم «الممر» في دار الأوبرا برعاية مهرجان الأقصر    الليلة.. عرض فيلم الممر ضمن فعاليات منتدى ناصر الدولي    قبل افتتاح المتحف المصري الكبير.. ما هي أبرز الجوائز التي حصل عليها؟    بهذه الكلمات.. كندة علوش تهنئ أصالة ب عيد ميلادها    الكشف على 145 حالة في قافلة طبية لجامعة بنها بمدارس القليوبية    كما كشف في الجول - ريفيرو: غادرت رفقة المعد البدني فقط.. ورحلت مبكرا بسبب فرصة رائعة    لابيد: ترامب سئم من نتنياهو والسعودية حلّت محل إسرائيل كحليف لأمريكا    «تطوير التعليم بالوزراء» و«بحوث الإلكترونيات» يوقعان بروتوكول تعاون    السيطرة على حريق شب في ثلاثة منازل بسوهاج    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بأسيوط    ترامب: بايدن أسوأ رئيس للولايات المتحدة.. ولدينا أقوى جيش في العالم    أزمة مباراة الأهلي والزمالك.. القرار النهائي بعد استماع التظلمات لأقوال رئيس لجنة المسابقات    آيزنكوت: الصراع مع حماس سيستمر لفترة طويلة والنصر الكامل شعار غير واقعي    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الخميس 15-5-2025    الصحة تطلق حملة توعية حول مرض أنيميا البحر المتوسط    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    اتحاد عمال الجيزة يكرم كوكبة من المتميزين في حفله السنوي    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    مصرع طفل صدمته سيارة نقل مقطورة فى أوسيم    القنوات الناقلة لمباراة برشلونة وإسبانيول اليوم في الدوري الإسباني    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    منتخب مصر يتصدر جدول ميداليات بطولة إفريقيا للمضمار ب30 ميدالية    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قوم أحسن الله نباتهم وحصادهم
نشر في الشعب يوم 31 - 08 - 2013

لما بويع مروان بن الحكم بالخلافة مر على زرارة بن جزي الكلابي (صحابي كانت الحرب قد أفنت قومه في فتوح الشام)، وهو شيخ كبير على ماء لهم، فقال له مروان: كيف أنت؟ قال: بخير؛ أنبت الله فأحسن نباتنا، ثم حصدنا فأحسن حصادنا".
ولا يكمن جمال العبارة التي أجاب بها زرارة في فصاحتها فقط، ولا في روعة التصوير الذي حوته، ولا براعة العربي القح في تنضيدها، ولكن في صدق المشاعر التي أطلقت العبارة، وفيض الحزن والفخر اللذين تجاورا فيها تجاورا ساحرا، فلا تدري أيهما غلب الآخر: الحزن أم الفخر؟، إلا أن الأنفاس التي تتسرب من عبارة الرجل، وتتركز في آخر حروفها، وهو يتكلم مع خليفة المسلمين، توحي بأنه فخور بمنبت قومه، فخور بالميتة التي ماتوها كذلك.
حضرتْ هذه العبارة في خاطري بقوة حين راقبت أبناء قومي يُقتَلون بيد الطغيان والظلم والإجرام في رابعة العدوية والنهضة ورمسيس والإسكندرية وطنطا والمنيا والفيوم وغيرها من بقاع الكنانة، لا لشيء إلا لأنهم طلبوا الحرية وهم يرددون: ربنا الله، فقد طلب الحرية قبلهم ومعهم مصريون ليبراليون، ومصريون مسيحيون، ومصريون يساريون، فما واجهتهم الآلة العسكرية الجبارة هكذا، وما اخترقت جباههم وصدروهم الرصاصات بهذه الفظاعة، ولا أحرقت أجسادهم نيران حقود!
فماذا أراد القناص الذي أصاب فؤاد هذا المصلي، والدبابة التي فَرَت كبد هذا الصائم، والقنبلة التي خنقت أنفاس الأطفال والبنات والنساء والرجال؟ ماذا أصابوا منهم غير حناجر شغلها الذكر والهتاف بالحرية، وجُنُوبٍ حَنَت عليها أرض الميادين الصُّلبة ولم تحنُ عليها قلوب البشر، وجسومٍ هجرت مضاجعها الوثيرة والْتحفت العراء عشرات الليالي والأيام؟!
نعم، إنهم قوم أنبتهم الله فأحسن نباتهم، فهم أهل المساجد وأصحاب الصلوات، نبتوا والمصاحف في أيديهم، والمسابح تتراقص بين أناملهم، قد اعتادت أقدامهم منذ طراوة الطفولة طريق المساجد، وألِفَت عيونهم ورقات المصاحف وكتب الدعوة ومجلاتها، وأنصتت آذانهم إلى الوحي يتردد في حجراتهم ومساجدهم وصبحهم وغداتهم، وشعاراتِ الدعوة الحية تنادي أعماق قلوبهم: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا..
إن أحبوا النغم استمعوا:
يا دعوتي سيري سيري سيري كل الوفا ليكي وكل تقديري
ما يوقفك ظالم أو غدر شريرِ وأنتِ يا دعوتنا في الشدة سلوتنا
يا دعوتي سيري سيري سيري
وإن رأوا إخوانهم يؤذَون في الله لزعزعتهم عن مواقفهم وصرفهم عن وجهتهم، قبضوا على الجمر، ورفعوا صوت النشيد:
سوف نبقى هنا كي يزول الألم
سوف نحيا هنا سوف يحلو النغم..
وأحسن الله نباتهم حين غرسهم في حديقة الدعوة إلى دينه وشريعته الطاهرة الغراء، فاستمعوا أصوات المعلمين منذ كانوا شتلات صغيرات في أرض الحياة أن هلموا إلى إنقاذ دين تداعت عليه الذئاب، وسعوا في مدارسهم وجامعاتهم ينتشلون أصحابهم وأصدقاءهم من وهدة الغفلة، ويوظفونهم في الركب المبارك الداعي إلى الله والجنة.
قوم أحسن الله نباتهم، فاعتادوا منذ كانت جيوبهم خاوية - إلا من نزر يسير من مال - أن ينفقوا من وقتهم ومالهم ما زكا به العمر والمال.. ما اعتادوا أن يأخذوا من الخلق أجرا على خدمتهم؛ لأن من شروط "الطريق" أن تطلب أجرتك من الله.
أحسن الله نباتهم حين نشأوا على العفة والصيانة، يعطون ولا يأخذون، يقاومون الأهواء الهائلة في نفوسهم ونفوس من حولهم لإفساح الطريق الصعب أمام أمتهم، ويرسمون طريق مستقبلهم هم: لونه لون الدعوة، ورائحته رائحة الدعوة، وملمسه ملمس الدعوة.. الدعوة ظاهره، والدعوة باطنه، ونصر الدعوة حلمهم وغايتهم، وإن داست أجسادهم الصغيرة دبابات البغي، وقصفتها طائرات الظلم.
نعم، أنبتهم الله فأحسن الله نباتهم، ثم حصدهم الله فأحسن حصادهم، فماتوا على ثرى فلسطين وقدسها منذ ظهرت مؤامرة الاستعمار والصهيونية، وفي منطقة القنال يقاتلون المحتل ويقتلعون جذوره، وفي مواجهة الطاغوت النصيري في سوريا، وفي سجون الناصرية، وفي رحاب التحرير حين نهض المصريون لخلع مبارك..
أحسن الله حصادهم، فتلون ثوب زفاف رابعة بدمائهم، وتعطرت من شذا أرواحهم الطرقات والسكك والحدائق والمجالس والمساجد في شتى بقاع المحروسة، بل تناثر رماد أبدانهم في هواء الوطن، وخالط تربته وماءه ونهره، دخل الآناف والصدور، وغزا الحقول والنجوع.
نعم، أحسن الله حصادهم، ولكن بقيت منهم - والحمد لله – بقية صالحة تقوم بالأمر، وتصرخ في النائمين أن احموا حريتكم، واحفظوا حرمكم، وأنشدوا نشيد السلام العزيز في وجه الطائرة، واحملوا صواريخ العزيمة الماضية في وجه الدبابة العاتية، واثبتوا حتى تغير الطائرة والدبابة والمدفع وجهتها، وتصحح اتجاهها ومذهبها، ورددوا في وجه الطغاة القول السماوي الحلو الطليّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} – صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.