في نهاية النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي استقبلت مصر اول رئيس اميركي يزورها هو ريتشارد نيكسون وتحديدا في صيف 1974 قبل استقالته من منصبه بايام تفاديا لاقالته على خلفية فضيحة ووترجيت. ووقتها غنى الراحل الشيخ امام عيسى من اشعار احمد فؤاد نجم الاغنية الشهيرة التي يقول مطلعها: شرفت يا نيكسون بابا يابتاع الووترجيت ومنذ ذلك الحين، وباستثناء رونالد ريجان، اصبحت المنطقة مقصدا للرؤساء الاميركيين وهم على وشك ترك البيت الابيض وكأنما يتذكرون اعقد قضايا العالم في وقت متأخر فلا يريدون وداع عالم السلطة دون زيارتنا وبالمرة التبرك بالاماكن المقدسة في فلسطين. وكأنما هي دعوة اسرائيلية لمن خدموا اسرائيل ليزوروا القدس وهم رؤساء قبل تقاعدهم، وفي الاغلب لا تسفر الزيارات عن اكثر من ذلك اذ ان من على وشك مغادرة الرئاسة ليس لديه الكثير ليفعله. ورغم كل النوايا الطيبة والتصريحات والمؤتمرات واللقاءات التي تسبق زيارة الرئيس جورج دبليو بوش للمنطقة، لا يتوقع ان تسفر عن شيء ملموس اكثر من زيارته للاماكن المقدسة في القدس وشمالها كما هو مقرر. وان كان بوش سيزور مصر والسعودية وغيرها من دول الخليج فان اهم اهداف زياراته تلك هو (العمل على احتواء نفوذ ايران)، كما قال في مقابلة مع وكالة رويترز للانباء قبل زيارته باسبوع. واضاف بوش في مقابلته تلك انه يتوقع خلال رحلته تساؤلات حول تقرير الاستخبارات الاميركية الذي قال ان طهران اوقفت برنامجها النووي العسكري عام 2003. واضاف انه سيوضح للدول التي يزورها (أن تقييم الاستخبارات الاميركية يعني ان ايران لا تزال تشكل خطرا)، وان الدولة التي تستطيع وقف برنامج يمكن ان تستأنفه مرة اخرى. ودعك مما تسربه اسرائيل من معلومات مقصودة لوسائل الاعلام عن خطة لعمل ما تجاه ايران سيناقشها قادتها مع بوش خلال زيارته، وحتى التضخيم الاعلامي للمناوشة البحرية في مدخل الخليج بين زوارق ايرانية وسفن حربية اميركية. واذا كان بوش سيناقش اساسا ايران، وبالطبع ورطة العراق وازمة لبنان، مع قادة المنطقة فان القضية الفلسطينية ستكون الابرز في الواجهة على صعيد التغطية الاعلامية والتصريحات العلنية. ولن يتجاوز الامر ذلك، وحتى اذا حاول الطرف العربي ان يستغل ذلك الزخم الاعلامي للدفع باتجاه تنشيط مفاوضات سلام فلسطينية اسرائيلية يمكن ان تفضي الى اتفاق حل، فمن المشكوك فيه ان تسفر تلك الجهود عن اي انجاز ملموس. ربما يكون الحاج بوش راغبا فعلا في ان يتم انجاز على صعيد حل القضية الفلسطينية يمكن ان يحسب في صحيفة رئاسته التي رقعتها المغامرات المدمرة من افغانستان الى العراق. ولا شك ان العرب يريدون حلا يخفف عن كاهلهم هذا العبء الذي ما عادوا يستطيعون الى حمله سبيلا. وهاهم بدأوا بالفعل محاولة لحل الازمة اللبنانية، وباستجابة سورية لجهود المعتدلين العرب الذين ينصحون دمشق بان تبدي كل فروض حسن النية قبل زيارة بوش، علهم يستطيعون ان يقنعوه بان سوريا تبتعد عن ايران. لكن اقصى ما يمكن ان يسفر عنه كل هذا الجهد ان يستطيع عدد كبير من القادة العرب المشاركة في القمة العربية في دمشق بعد شهرين، والا فالبديل فشل القمة او نقلها الى مكان اخر. خلاصة القول ان زيارة بوش قد تكون في نتائجها اقل تأثيرا من لقاء انابوليس الذي رتبه الاميركيون وحشدوا اليه الجميع دون اي نتيجة. مع ذلك فالزيارة فرصة لان يلتقي الرئيس المصري بوش، وهو الذي توقف عن زياراته السنوية لواشنطن منذ فترة. كما انها فرصة ايضا للقاء الوداع بين الرئيس بوش وقادة دول الخليج الذين سيلتقيهم ربما في اخر قمة رسمية وهو رئيس للولايات المتحدة الاميركية. ومهما كانت الضرورات الدبلوماسية والكرم العربي، فان احدا من القادة الذين سيلتقيهم بوش لن يستطيع الا يذكر العراق وما آل اليه وضع ذلك البلد العربي الممزق، وربما تكون تلك لفتة مهذبة للتعليق على حديث الرئيس الزائر عن الخطر الايراني وليفهم ان المنطقة لا تتحمل عراقا اخر دون ان يسمع ذلك صراحة بالطبع. يبقى ان الشارع العربي ربما يستقبل بوش كاسوأ رئيس اميركي على الاطلاق، لكن الشيخ امام عيسى مات ولان الزمن اصبح غير الزمن فلن نسمع اغنية كالتي رحبت بنيكسون. واشك ان المغني الشعبي المصري شعبان عبدالرحيم تمكن من اعداد اغنية عن زيارة بوش الوداعية للمنطقة، وهكذا ضمن الرئيس الاميركي الا يخلد في تراثنا الغنائي ولو باغنية هجائية.