أكَّد المحلل السياسي "ديميتري بريجع" الباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، وعضو الجمعية الدولية للعلوم السياسية، أن الشروط المسبقة للتوتر في العلاقات بين روسياوأوكرانيا والذي أفضى إلى اندلاع حرب كبرى بين البلدين تتطور منذ عقود، وتؤول الحجج التي يستشهد بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العصور الوسطى عندما كانت أجزاء من أوكرانياوروسيا الحالية جزءًا من كييف روس، من هناك جاءت فكرة "شعب واحد" والتي تم إضافة بيلاروسيا إليها أيضًا. موضحًا أن "بوتين" يغفل أن الروس والأوكرانيين لم يكن لديهم دائمًا نفس المسار، وأن لديهما لغتين وثقافتين مختلفين تم تشكيلهما عندما أصبحت كلتا الجمهوريتين دولتين منفصلتين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كما ظهر اختلاف آخر وهو اختلاف سياسي؛ حيث اتبعت كييف طريق الديمقراطيات الغربية مع قابلية تغيير السلطة ولكن موسكو ابتعدت عن ذلك. ويعتقد "بريجع" أن الأسباب التاريخية أثرت على قرارات الرئيس "بوتين"؛ نظرًا لأنه تحدث في الآونة الأخيرة كثيرًا عن الأسباب التاريخية للحرب العالمية الثانية، وأيضًا زادت نسبة الخطاب السياسي الموجه ضد الدول الغربية من زمن الخطاب والمناقشة في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية الشهير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2007. ويرى المحلل السياسي "ديميتري بريجع" أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حاليًا خطأ ارتكبته القيادة العسكرية لأن روسيا لم تكن جاهزة لمواجهة ما يحدث الآن من ضغوطات اقتصادية بسبب العقوبات، مؤكدًا أنه إذا لم تجد روسيا حلًا سلميًّا للملف الاوكراني فإن هذه الخطوة سوف تكون ورطة طويلة الأمد، ليس لموسكو فحسب وإنما أيضًا للدول الغربية التي تدعم أوكرانيا بالسلاح. ويرجّح أن الخطوات التي تم اتخاذها في الصراع الروسي الأوكراني يمكن أن تجر العالم إلى حرب كبيرة طويلة الأمد، وإذا توقف الصراع فسوف يحتاج العالم إلى سنوات كثيرة لكي يعود كما كان قبل الصراع، هذا فضلًا عما قد يفضي إليه الصراع من أزمة اقتصادية على غرار التي كانت في الكساد الكبير من عام 1929 إلى عام 1939 وكان أسوأ انكماشًا اقتصاديًّا في التاريخ بحلول عام 1933، كان 15 مليون أمريكي عاطلين عن العمل ، وأفلست 20000 شركة وفشلت غالبية البنوك الأمريكية ولكن في الوضع الحالي وبسبب تطوير السلاح يمكن يسبب دمار كبير أكبر من الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية والأولى. وفيما يخص الموقف الغربي تجاه الأحداث في أوكرانيا، أفاد "بريجع" بأن الموقف الغربي أثرت عليه مواقف الولاياتالمتحدةالأمريكية التي باتت تلعب الدور القيادي في الناتو بعد صعود الرئيس "جو بايدن" إلى سدّة الحكم، موضحًا أن موقف الدول الأوروبية كان منذ بداية الصراع حياديًا ولم يكن يريد أن يذهب نحو التصعيد ضد روسيا لأن التصعيد سوف يكون تكلفته ذو قيمة عالية على دول الاتحاد الأوروبي بسبب عجزها عن إيجاد بديل عن الغاز الروسي وأزمة الطاقة التي يمكن ان تنتج بسبب قطع روسيا الغاز عن دول الاتحاد الأوروبي. ويتوقَّع أن استمرار الصراع والعقوبات الغربية ضد موسكو سيفضي إلى اندلاع أزمة اقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي ما قد يستفيد منه اليمين المتطرف والأحزاب المعارضة للهجرة واللجوء، والدليل على ذلك نتائج انتخابات أعضاء الجمعية الوطنية في فرنسا التي خسر فيها ماكرون وتبيّن من النتائج أن الحزب الأكبر بات حزب من لم يقترعوا لأي نائب، بعد إخفاق ماكرون ومنافسَيه الرئيسيَين، مارين لوبن من اليمين المتطرف المناهضة لأوروبا والموالية لسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجان لوك ميلانشون من اليسار المتطرف المناهض لأوروبا والمؤيد لبوتين، إقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت وتواجه الديمقراطية الآن في فرنسا تحديًا حقيقيًا . ومع عدم وجود قادة فرنسيين أو حركات سياسية قادرة على بث الحماسة لدى الناخبين لكن يجب أن نفهم بأن سوف يزداد الخطاب السياسي الموجه ضد روسيا ولكن نجاح السياسيين في أوروبا وحفاظهم على السلطة سوف يكون مرتبط بنجاح أوكرانيا بأرجاع الأراضي التي سيطرت عليها روسيا بعد 24 فبراير، ونجاح أوكرانيا عسكريا. وبالنسبة للآليات الروسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية، قال "بريجع": إن التحول إلى الشرق، وتطوير استبدال الواردات ودعم الاقتصاد الروسي والشركات الروسية سيساعد على تحمل العقوبات المحتملة دون خسائر كبيرة، قد تتعرض روسيا الآن للتهديد من خلال ثلاثة أنواع من العقوبات، العقوبات الروسية المضادة، والحظر الغذائي، والقيود المفروضة على استيراد السلع، بما في ذلك الأغذية والأدوية، وتطوير استبدال الواردات، ووقف تصدير محركات الصواريخ والمعادن النادرة من روسيا، وإنهاء التعاون مع الشركات الأمريكية، وإخفاء المعلومات حول المستفيدين، وأعضاء مجلس الإدارة، والمعاملات الرئيسية، والبيانات المالية للشركات. أيضًا لا ننسى بأن الأزمة على التبادل الثقافي والعلمي بين روسيا والدول الغربية؛ حيث فرضت وزارة الثقافة حظرًا مؤقتًا على تصدير مجموعات المتاحف من روسيا إلى المعارض الأجنبية. ومن الجدير بالذكر أنه قد تمّ تقديم الحظر في 3 مارس 2022، وسيظل ساري المفعول حتى عام 2023، بأن الآن روسيا تحاول أجاد أسواق جديدة ودول جديدة قد تساعدها للالتفاف من العقوبات التي فرضت من قبل الدول الغربية وأعتقد بان يمكن أن يحدث تقارب مع الصين، الهند، باكستان والدول العربية في الأشهر القادمة.