لافتة حملها أحد المتظاهرين على سبيل الدعابة ولم يلتفت اليها أحد، كتب عليها محمد مرسي مبارك، وبقدر ما في هذه الجملة من سخرية، إلا أنها سخرية كالبكاء، فهي تلخص الواقع المرير للثورة المصرية، وتنبيء بما نحن ذاهبون اليه، وما فعله بنا السفهاء منا، الذين إستجاروا من الرمضاء بالنار، ومن مبارك بالإخوان، وصدقوا الإدعاء الكاذب بأنهم حقا المسلمون، والأقرب للواقع أنهم الأخوان الكاذبون أو الأنتهازيون أو الفاشلون وربما المنافقون.وإذا كان من مبادئ الدعاية والإعلان أن يبرز البائع أحسن ما في بضاعته أو محله ويضعه في الواجهة ليجذب اليه الناس، ومن مبادئ الفهلوة المصرية أن يريك البائع أحسن ما لديه بينما يخبئ الفاسد من بضاعته بالداخل، لتفاجأ بأنه أعطاك بضاعته المضروبة في غفلة منك، فنفس المنهج والإسلوب انتهجته هذه الجماعة، وهنا تكون الطامة الكبرى، فإذا كان مرسي هو أحسن من في جماعة الأخوان لكي يصدروه المشهد ويجعلونه ممثلا لهم ويضعوه في الفاترينه، فما بالك بمن يخبئونه منهم، وأقول أنهم صدروه ووضعوه وجعلوه، فهو هنا يمثل المفعول به، فهو لم يصدر نفسه ولم يجعل نفسه ولا وضع نفسه، بل هو فقط كان ينفذ الأمر الذي تربى على سمعه وطاعته، وأقسم على الولاء وعدم مخالفة مرشده، فإذا كان ذلك كذلك، فما بالك بباقي البضاعة المختبئة في الخلف، وكيف هو حال من إشتراهم ظنا منهم أن لحية البائع تدل على ورعه وتقواه، ووضع فيمن يبيع له الوهم ثقته وهواه، ووكل له أمر حياته ودنياه.والحق والحق اقول، أني لا أرى فارقا بين ما كان وما سيكون، ولا أجد في نهاية النفق المظلم نورا تراه العيون، وأحاول جاهدا أن التمس للرئيس عذرا، وأن ابحث عن الأمل في أن يختلف مرسي عن حسني، وأن تتميز حاشية الحالي عن عصابة السابق، أو أن أرى شخصا مختلفا في سدة الحكم، لكني كلما حاولت كلما خُذلت، وحيثما نظرت لم أجد إلا نفس الشخص، وكأن مبارك قد أطلق لحيته، ووضع نظارته، وألبس الذئاب ثوب الحملان، وفقط.ولكي لا نتهم بأننا نتبنى موقفا مسبقا، أو نهاجم للهجوم، أو يطلق علينا الأخوان إسم الفلول ويسبونا بها، فدعنا نقارن بين البائد والحالي، ولنأخذ مثالا واحدا نحاول فيه أن نجد فارقا، فلننظر الى السياسة الإقتصادية لكل منهما، على إعتبار أن هذا الجانب هو أكثر ما يهم المواطن، وهو أيضا ابرز المشاكل وحديث كل فرد، ومربط الفرس في شعور الشعب بأن الحاضر يختلف عن الماضي، وأن الثورة قد نجحت، وأن الأمل مازال يطرق الأبواب.أول ما نلاحظه من تماثل وتطابق بين مرسي وحكومته ومبارك وزبانيته هو كلمة أجيب منين.. الموارد محدودة والميزانية بها عجز ولا شيء يكفي لسداد الإلتزامات، نفس الكلمات بالحرف، ونفس الإسلوب العاجز السقيم، فكل الأمم تعرف أن ثروتها الحقيقية هي قوة العمل بها، وكثيرة هي الأمم التي تتساوى معنا في عدد السكان مع تفوقنا عليها في الموارد والثروات، بل ونتفوق نحن بأن 60% من الشعب في مرحلة الشباب، لكنه قصر النظر وقلة الحيلة والذكاء، الذي يجعل حكامنا دائمي الشكوى من وجودنا على أرض مصر، وكأن المطلوب أن نهجرها نتركها لهم خاوية كحل أمثل لمشكلتهم المستعصية، ولم يخرج مرسي عن نفس حلول مبارك التي تغرق البلاد في الوحل أكثر وزياده، السلف والشحاذة وفرض الضرائب والجباية واللف على الأمم لمد اليد، والتغني بجذب الأستثمارات وزيادة الأجور وغيرها من الأوهام التي يضحكون بها على عقول السذج والحالمين ولا نجد لها أثر لا في الواقع ولا في معيشة وحال الناس، بل أن مرسي زاد على مبارك بتطفيش المستثمرين ورفع أسعار كل شيء، فقراراته برفع الدعم عن الطاقة بالنسبة للمصانع ورجال الأعمال هي قرارات كارثية، ستؤدي بالقطع الى رفع اسعار كل المنتجات، وبالتالي الى الإعتماد على الأستيراد لأنه سيكون أرخص بالقطع من المنتج المحلي، ناهيك عن إحتمال إغلاق عديد من المصانع نتيجة أن التكلفة أصبحت عالية مقارنة بالإنتاج، مما سيؤدي لطرد العمال وزيادة الأحتكار وهروب رأس المال.. ونترك للقارئ المسكين معرفة النتيجة النهائية لقرارات مرسي العشوائية، فإذا كان مبارك يتهم دائما بمحاباة رجال الأعمال والمستثمرين على حساب الفقراء، فإن مرسي متهما بالوقوف ضد الأثنين معا، وإذا كان مبارك يتوجس خيفة من أن يزيد سعر السلع الأساسية بضعة قروش، وتعلم الدرس مما حدث للسادات من انتفاضة 18\19 يناير، فمرسي لا يبالي اذا ارتفعت الأسعار بضعة جنيهات، ولا إذا تضاءل الجنيه أمام باقي العملات، وبلغ التضخم والفقر أعلى المعدلات، فليس هناك رؤية واضحة ولا سياسة محددة ولا خطة ممنهجة، وكلها قرارات عشوائية ارتجالية أدت لما نراه الآن من إضرابات وإعتصامات ومظاهرات في كل مكان.من أكثر الأشياء التي سببت غيظا وقهرا للشعب قبل الثورة هو المنهج الذي اتخذه مبارك وولده وتابعه أحمد عز، وهو مبدأ طالما أنك تملك فأنت قادر ولابد أن تدفع، فهم قد رأوا أن من يملك سيارة فلابد أن يدفع أكثر للوقود، ومن يملك مكيفا في منزله فلابد أنه قادر على دفع أضعاف فاتورة الكهرباء، ومن يملك محمول فهو بالتأكيد غني ولابد أن يتم البحث في جيوبه عن بعض المال، وكأنه خسارة في هذا الشعب أن يتساوى مع شعوب الأرض قاطبة في أبسط حقوق الناس، ولم يهتم هؤلاء الأغبياء بوجود إحتمالات أخرى، كأن يكون ثمن هذه السيارة أو المكيف أو المحمول يقتطعه الشخص من قوت أولاده ومن أولوياته لكي يبتغي قليلا من الراحة وعدم المعاناة، وأن كل هذا يأتي بالتقسيط وفوائده التي تهدد من يتأخر في سدادها بالسجن والضياع، لكن هؤلاء ممن كانوا يعيشون في برجهم العاجي لم يدركوا تلك الأمور، وظنوا أن تحت القباب شيوخ، فجاءتهم اللطمة من نفس هؤلاء المواطنين المرفهين، ومن أصحاب السيارات وحاملي الشهادات ومن وجهت لهم تلك الجبايات.. والآن يتخذ مرسي وصفوته نفس الأسلوب، فيتجه لزيادة ثمن الوقود، ويريد فرض الضرائب على كل شيء إلا الهواء الملوث بالفعل، وسيتم جباية الأموال ممن يظن هؤلاء جهلا أو حقدا أنهم قادرون ومرفهون، لكن حقيقة الأمر أنه لم يعد يوجد مرفهون وقادرون إلا ما ندر، فالكل يعاني والجميع في الهم سواء، لكن أنى يفهم الحكام ذلك، وكيف وهم يعيشون وراء أسوار القصور، ولا يتكلفون شيئا، ولا يعرف أحدهم كيف هو حال محدودي ومعدومي الدخول.توسم البعض خيرا في مرسي عند توليه الرئاسة من أنه سيحترم الثورة والثوار، ولن يستخدم جهازه الأمني بنفس الطريقة الغشوم التي كان يتعامل بها مبارك والعادلي، لكن الوقت أثبت أن هذا كان وهما آخر من الأوهام، وأن الحل الجاهز دائما هو استخدام العصا لمن عصا، وأصبحنا نرى التهديدات والحلول الأمنية لمواجهة التظاهرات والإعتصامات، وعادت ايام التعذيب والقتل في أقسام الشرطة والمعتقلات، والرغبة المحمومة في إعادة الحياة لقانون الطواريء الذي أماتته الثورة المباركة، مع إعطاءه بعض المكياج، وترديد نفس الأكاذيب عن استخدامه في مواجهة البلطجة والمخدرات، وكلنا نعرف مدى اتساع ومطاطية هذه الكلمات، ومن سخرية القدر أن مبارك لغبائه لم يعرف أن كثرة الأضرابات والإعتصامات في أواخر عهده كانت مؤشرا فعليا لقرب قيام الثورة ضده، وأنها علامة على عدم قدرة الشعب على الأحتمال ليوم واحد آخر، ونجد أن مرسي لا يختلف أبدا في نفس الرؤية لهذه الإضرابات، ويعتقد أنها أعمال فردية ووقتية وفئوية تماما كما كان يعتقد المخلوع ونظامه، الى أن فوجئوا بزحف الجميع والرغبة في التخلص منهم والتي اشتعلت في جميع أركان الوطن، فهل يكون يومه قريب؟يشترك كلاهما في نفس الأسلوب المريض من الأستعانة بأهل الثقة مفضلينهم على أهل الخبرة والكفاءة، وعلى من تجيز أوراقه التقارير الأمنية لا على من تجيزه شهاداته وأعماله وخبراته، ويزيد مرسي على مبارك أنه يستعين بأهل اللحى، وكأن هذا هو المؤهل والباب المعتمد لديه ليكون الشخص من أهل الحظوة، وكذلك الأستعانة بنفس الأشخاص على مدار الحكومات مهما ثبت فشلهم وسوء أداءهم، فنجد مرسي يستعين بوزراء الحكومات السابقة والتي وضعتنا في هذا المأزق الأقتصادي والإداري الكبير.كذلك يشترك كليهما في أنهما ليسا الحاكم الفعلي في مصر وإنما واجهة يتم الأستعانة بها في بعض الأمور لكنهما يتلقيان التعليمات في كل الأمور، فمبارك في آخر سنواته لم يكن هو الحاكم الفعلي لمصر، بل سوزان وجمال وعز وعصابة علي بابا، وعلى نفس النهج نجد أن الحاكم الفعلي الآن هو المرشد العام ونائبة الشاطر، وأن مرسي يلعب دور الواجهة والبرافان، والجميع يتحدث بإسمه ويفسر له، من أكبر الى أصغر عضو في الحرية والعدالة، الى أكبر وأصغر عضو في مكتب الإرشاد والجماعة، فهم من يحكم ويتحكم، ومن يبرر ويتجمل، ويدافع ويترافع، فالرئيس قد أقسم على السمع والطاعة.وإذا كان مبارك قد استطاع خلال فترة ثلاثون عاما أن يسيطر على كل مفاصل الدولة وأجهزتها وأن يجعلها تدين له بالولاء المطلق، فمرسي يريد أن يفعل هذا في ثلاثة أشهر فقط، وقد أتى بقيادات تدين له بالولاء في محاولة للسيطرة والهيمنة والأخونة على جميع ما يمكن أن يكون مصدر قوة أو تهديد، ويحاول جاهدا أن يرفع العصا والجزرة، فمن لم يخضع للسيف خضع لغيره، حتى جهاز المخابرات الذي يفترض به أو يكون ولائه لمصر وفقط، مهما كان حاكمها وواليها، نجد أن الرئيس يختار بعناية من يضمن ولائه ويجعله يقسم بأغلظ الأيمان وعلى المصحف أنه يؤيده ويحميه ويدين له بالسمع والطاعة وأن يحافظ على كرسيه ما حيا، وهذا من العجب العجاب !.أخيرا يشترك الأثنان في نفس الفقر للكاريزما، وثقل الظل، والجميع يعرف أن مبارك لم يكن أبدا مؤهلا للحكم، وكذلك مرسي، لكنها ضربات الحظ وإرادة من يحكم ويتحكم سواء السادات أو الجيش.فهل سيتحمل المصريون اربع سنوات كاملة حتى يأتي الفرج من الله؟ يارب.