قالت 38 مؤسسة أهلية وحزب سياسى فى بيان لهم تحت عنوان لا لتحويل مصر إلى دولة دينية طائفية فى الدستور الجديد، وقال البيان نتابع نحن الموقعون على هذا البيان، ببالغ القلق النقاشات التى تجرى فى الجمعية التأسيسية للدستور حول المواد المتعلقة بحقوق وحريات الفكر والاعتقاد، والتى تثبت صحة موقف الكثير من القوى السياسية بالانسحاب منها لهيمنة تيارات الإسلام السياسى عليها، ولعدم تمثيلها لكل مكونات الشعب المصرى من تيارات سياسية وفئات اجتماعية، مثل التوصية بأن تتضمن المادة الأولى من الدستور أن مصر دولة ديمقراطية شورية، وهى إضافة مريبة لكلمة غامضة تفتح الباب لاستحداث آليات مثل مجالس شورى العلماء وغيرها الموجودة فى الدول الثيوقراطية الاستبدادية، والتى تختلف جذريا عن المؤسسات الديمقراطية الحديثة المتعارف عليها، وبدلا من ذلك نطالب بالنص على أن تكون مصر دولة ديمقراطية مدنية تقوم على المساواة والعدالة بين المواطنين.ومحاولة تعديل نص المادة الثانية من دستور 1971 حول مبادئ الشريعة الإسلامية إما بحذف كلمة مبادئ أو بالنص على أحكام وليس مبادئ.إن مثل هذا التعديل الخطير يفتح أبواب متاهات التفسيرات وتديين الدولة بالكامل، ويقنن لسيطرة طائفة دينية بعينها على مقدرات شعب متعدد الأديان والمذاهب والمعتقدات، ولذا فإننا نطالب بالنص على أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع.كذلك التوصية بأن تصبح مؤسسة الأزهر الشريف مرجعية تفسير مبادئ الشريعة (بدلا من المحكمة الدستورية العليا)، وهو ما يشكل خطوة بالغة الخطورة على طريق إحكام حلقة تديين الدولة ونظامها، ويأتى تنفيذا لما جاء فى برنامج الإخوان المسلمين الصادر عام 2007 من إنشاء هيئة لكبار العلماء (يدينون بفكر الإخوان) تراقب عمل البرلمان، وهو استنساخ ل مجلس تشخيص مصلحة النظام فى إيران، المشكل من آيات الله وعلماء الدين.بالاضافة إلى التوصية بأن تنص المادة الثانية المعدلة على حق غير المسلمين من أصحاب الديانات السماوية فى الاحتكام فى مسائل الأحوال الشخصية لشرائعهم واختيار القيادات الدينية وكل ما يتعلق بالشئون الدينية، وبرغم ما فى هذه الإضافة من محاولة طمأنة للأقليات فإنها تبدو كمقايضة للقبول بمزيد من التديين الدستورى بينما لا تحمى الأقليات من احتمال تطبيق الحدود، كما أن قوانين الأحوال الشخصية مستمدة بالفعل من الأحكام الدينية لكل طائفة، ومن ناحية أخرى فإن هذا التعديل، الذى يزيد من التباعد عن مطلب الأحوال الشخصية المدنية، لا يأخذ فى الاعتبار وجود مواطنين مغايرين من حقهم، ومن مصلحة المجتمع أيضا، أن تنظم الدولة أمور أحوالهم الشخصية.والرغبة فى النص على أن تكون السيادة لله بدلا عن السيادة للشعب. إن هذه العبارة التى تتلاعب بالمشاعر الدينية تعود بمصر للقرون الوسطى وتهدم أسس الدولة الحديثة بأكملها وتقنن للدولة الثيوقراطية وتفتح الباب لمشاكل هائلة فى التقاضى الدستورى وإصدار وإلغاء القوانين حسب التأويلات، ناهيك عن الخضوع لابتزاز المتحدثين باسم السيادة الإلهية.وكذلك التراجع عن نص المادة 46 من دستور 1971 تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، ليقصرها على أتباع الديانات السماوية، وهو ما يعنى إضفاء صبغة دستورية على اضطهاد المواطنين المغايرين وحرمانهم من حقوقهم المدنية المنصوص عليها فى الدساتير السابقة والمواثيق الدولية.وقال الموقعون على البيان إضافة لما سبق فإننا نرفض المزاعم التى تروجها التيارات المتطرفة التى تصور الدولة المدنية باعتبارها معادية للدين أو هدف المترفين والأقلية المنعمة لما فى هذا الخطاب الكاذب من تضليل للشعب، فدولة تقوم على القانون وتحترم حقوق الإنسان لا تعادى الدين وهى فى مصلحة الفقراء قبل الأغنياء، كما علمتنا تجارب العالم.ونرى ضرورة النص الدستورى على أن تمثل مواثيق واتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية جزءا لا يتجزأ من المنظومة التشريعية والقانونية فيما يتعلق بالحقوق والحريات، وهو ما سبقتنا إليه دول تحررت من قبضة الاستبداد مثل جنوب أفريقيا بعد التخلص من نظام الفصل العنصرى.ونطالب بإضافة مادة إلى الدستور الجديد تمنع وتجرم بشكل صريح التمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الأصل الاجتماعى وغيرها، وتمكن المواطنين من استخدم القانون لمواجهة التمييز بكل أشكاله.ختاما نؤكد مرة أخرى أن الدستور هو وثيقة توافقية وعقد اجتماعى يضع أسس التعايش المشترك بين أبناء الوطن ومكونات الجماعة الوطنية، طبقا لمعايير عالمية استقرت عليها التجربة الإنسانية، بدون مغالبة أو احتكار من أحد.