بجسد يقاوم السقوط، "أ. م" الزوجة الثلاثينية على مقربة من مكتب خشبى يتحايل على قدمه بطلاء باهت اللون، تنتظر حتى يفرغ الموظف الثلاثينى القابع خلفه من أعماله الكتابية لتسأله عن مصير دعوى زيادة نفقة طفلتها بعد وفاة زوجها السابق قبل جلسة النطق بالحكم، كان صوت خفقان قلبها يعلو الضجيج الباسط سيطرته على أرجاء الغرفة المتهالكة، ونظراتها معلقة بشهادة نجاح ابنتها بالصف الثانى الإبتدائى، وعيناها لا تكفان عن إطلاق الدموع ولسانها يترحم تارة على مطلقها الراحل وتارة أخرى يفضح خوفها من صدام محتوم مع عائلة والد طفلتها الوحيدة وعروسه التى لم يمر على زواجه بها سوى شهر. تقول الزوجة الثلاثينية فى البداية: "تزوجته ولم أبالِ بسابقة زواجه وإنجابه لطفلة، فقد تملك حبه من قلبى فأعمانى وجعلنى أتغاضى عن ظروفه رغم أنه كان أول رجل فى حياتى فلم يسبق لى الزواج من قبله، ربما لأنه كان ماهر فى إطلاق الوعود الزائفة ومحترفا فى إمطار صيده بالكلمات المعسولة حتى يسقط فى شباكه، ولم أضع فى حسبانى أو أشك للحظة أنه ربما يتركنى كما ترك أم ابنته ليبحث عن امرأة أخرى، لكن للأسف بعد كل ما فعلته من أجله أدار ظهره له ورحل بعدما حولنى إلى امرأة بلا روح تتمنى الموت فى كل لحظة ولا يرجعها عن الدعاء بالخلاص من هذة الحياة البائسة إلا صوت ابنتها وأفقدنى ثقتى بنفسى وبأنوثتى، وبسببه صرت اتنقل بين بيوت العباد سعيا وراء بضعة جنيهات أسد بها جوعى أنا وطفلتى التى اسقطها أبيها من حساباته، واتحمل إهانة هذا وذل ذلك". تحاول الزوجة السيطرة على دموعها وخوفها وهى تواصل حديثها: "حاولت كثيرا أن أذكره بابنته لعل قلبه يلين لكن دون جدوى، وبعد أن ضقت به ذرعا ويئست من صلاح حاله لجأت إلى محكمة الأسرة طالبة إلزامه بالإنفاق علي وعلى ابنته وصدر حكم لصالحى، وليعاقبنى على مقاضاتى له، أنذرنى بالدخول فى طاعته، فوافقت وعرضت نفسى عليه ولكن لم أثبت فى محضر رسمى أننى عدت إلى بيته بالفعل، وليكمل مسلسل تنكيله بى تركنى معلقة 7 سنوات كاملة، سبعة أعوام وأنا أتوسل إليه كى يعود ونعيش معا ليس فقط خشية أن أحظى بلقب مطلقة فى مجتمع لا يرحم من حملته يوما، لكن لأن قلبى كان معلقا به رغم كل مافعله، ودائما ماكان يقابل توسلاتى بجمود ويقول لى:" أنا استحالة أرجع لخادمة"، ومن المسئول عما وصلت إليه أليس هو!، فطلبت الطلاق لكنه رفض ليس حبا فى ولكن كى يهرب من دفع مستحقاتى ويحرمنى من حقوقى المالية والشرعية، ووكل والدته كى تتفاوض معى:"أدفعى واشترى حريتك". تمسح الزوجة دموعها بأطراف ملابسها المرتبكة كحالها وهى تنهى روايتها: "ولأننى لا أملك ما اشترى به حريتى طرقت أبواب محكمة الجيزة لشئون الأسرة للمرة الثانية طالبة تطليقى منه طلقة بائنة للخلع، فى المقابل حرك هو ضدى دعوى نشوز مستغلا تغافلى عن اثبات عودتى إليه بعد إنذار الطاعة وطالبنى برد مبالغ النفقة التى تحصلت عليها خلال ال6 سنوات، ولا أزال حتى الآن أسدد تلك المبالغ التى جاوزت ال7 آلاف جنيه، وياليته اكتفى بهذا بل بات يتهرب من دفع نفقات طفلته واستمر فى محاربتى مرتكنا إلى عمله كأمين شرطة، وأثناء تسلمى لشهادة نجاح ابنتى بالصف الثانى الإبتدائى علمت بخبر وفاته وهو لم يكمل عامه الأربعين بعد، يا ليته كان يعلم أن الحياة لا تدوم وأن الموت لا يفرق بين الشاب والكهل، ربما وقتها كان تراجع عن ظلمه لى ولابنته، الآن لا أعلم ماذا أفعل، وما مصير نفقة ابنتى ودعوى الزيادة المقرر الحكم بها شهر يونيو الجارى، ومن سيسدد نفقات الصغيرة ، فأنا لا أريد أن أدخل فى صدام مع عائلة زوجى وزوجته الجديدة الذى تزوجها منذ شهر".