أسواق مصر في عصر سلاطين المماليك: عنوان الكتابالجديد للدكتور قاسم عبده قاسم، والذي صدر مؤخرا ضمن سلسلة هوية المكان، عنالهيئة العامة لقصور الثقافة.ويعرض الكتاب حقائق دولة المماليك (1250 - 1517) بصورة جلية، حيث يتناول أسواقالقاهرة التي تعد صورة للمجتمع، أهله واقتصاده وتقاليده، ويكشف عن أحوال البلادفي هذه الفترة الهامة والفارقة، التي كانت مصر فيها بمثابة المعقل الأخير للحضارةالعربية والإسلامية.ويكشف الكتاب عن أن دولة المماليك كانت- خلال شطرها الأول- قوية مهابة فيالخارج، قادرة ومنظمة في الداخل، وأسواقها عامرة بكل أصناف البضائع التي تنبئ عنعلاقات مصر بعالم ذلك الزمان، من خلال تجارة مزدهرة تخدمها طرق ومسارات آمنةوتظلها دولة قادرة. وانعكس ما شهدته البلاد من رواج اقتصادي في الأسواق، التي كانعددها كبيرا من ناحية، وتموج بالحركة والنشاط وتزدحم بأصناف البضائع من ناحيةأخرى.ويذهب المؤلف- في مقدمة الكتاب- إلى أن بداية التدهور الاقتصادي واستمراره، فيالشطر الثاني من عصر سلاطين المماليك، يرجع إلى إهمال الري وضبط النهر، وما نتجعنه من هبوط الإنتاج الزراعي وانهيار النظام النقدي، والتلاعب بالعملة وتزييفها،فضلا عن تخفيض قيمتها من جانب السلاطين أنفسهم، وبفعل المجاعات والأوبئةالمتتالية، وعبث قطاع الطرق الصحراوية وقراصنة النهر ولصوص المدن، بما أدى إلىتدهور الأمن وصولا إلى حروب الشوارع بين طوائف المماليك.ويرصد الكتاب أن الانحلال السياسي للدولة كان نتيجة لهذه الأوضاع، فضعفت سلطةالسلاطين، وقصرت مدد حكمهم بشكل عام، كما تهددتها الأخطار الخارجية، وانعكس تأثيرذلك كله على الأسواق الداخلية في البلاد، فقلَ عددها بشكل ملحوظ من ناحية، كماقلت البضائع وارتفعت أثمانها من ناحية أخرى.ويتألف الكتاب من مقدمة وبابين، يتناول أولهما أسواق القاهرة والفسطاط، ويرصدالثاني العوامل المؤثرة في حركة الأسواق.. وفي الختام يذهب المؤلف إلى صعوبة حصرالعوامل المؤثرة في حركة أسواق مصر في عصر المماليك في إطار واحد بعينه، سياسياكان أم اقتصاديا أو اجتماعيا أم طبيعيا.. بل في تداخل وتشابك كل هذه العوامل.ويرصد قيمة المؤرخ تقي الدين المقريزي التي تتجسد في ربطه بين الظاهرةالاقتصادية- المتمثلة في كساد الأسواق- وفساد الجهاز الحكومي وظلم الدولة، فضلاعن فساد ذمم القضاة والعلماء، وإهمال وسائل ضبط النهر من ترع وجسور بسبب فسادالجهاز الإداري. كما ربط المقريزي بين الكساد وانعدام الأمن بسبب فساد العربان،وما نتج عن ذلك كله من خلخلة الكيان الاجتماعي والأخلاقي بحيث أصبح الدين غريبا،على حد تعبيره.