عاش المقريزى جانبًا من حياته معاصرًا لدولة المماليك البحرية، وعاش شطرها الآخر فى عهد المماليك البرجية، وهما دولتان تكادان تكونان أغرب دولتين تحكمتا فى تاريخ مصر ردحًا من الزمن غير قصير، وهم فى الأصل كانوا أرقاء يُباعون ويُشترون، وتمكنوا فى غفلة من الزمن فى ظل تراخى وضعف دولة الخلافة الإسلامية التربع على كرسى الحكم فى مصر والشام، وأسسوا دولة المماليك. وقد تخصص فى دراسة الفقه والحديث وعلوم الدين، كما برع فى الأدب وأجاد النثر والشعر، وعُيّن أكثر من مرة فى وظائف الوعظ وقراءة الحديث والخطابة، بجامع عمرو بن العاص والسلطان حسن ومدرسة المؤيد شيخ، وعندما بلغ الخمسين من عمره، تفرغ للكتابة وزهد فى الوظائف العامة، وتكمن أهمية المقريزى التاريخية فى ارتياده أنواعٍ جديدة لم نألفها من أسلافه فى البحث التاريخى، فقد وجه اهتمامه شطر التاريخ الاجتماعى للشعب المصرى وعادات الناس اليومية وتقاليدهم، كما قدم القاهرة القديمة وخططها وأحياءها وتطورها الجغرافى وما حوت من مساجد وبيوت وأسواق ومدارس، وقدم لكل ذلك صورًا حية نابضة ممتعة حتى وكأن عباراته قد استحالت شريطًا سينمائيًا متتابع المشاهد، كما تناول بعض الظواهر الاقتصادية والاجتماعية الخاص مستخدمها منهجًا شموليًا فى معالجتها. ولذا غدت مؤلفاته قبلة للباحثين فى آثار مصر الإسلامية وتاريخها وحضارتها. هو الشيخ العلامة المؤرخ تاج الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المقريزى، ولد حسبما يذكر هو عن نفسه بعد سنة 760ه، وابن حجر يقول إن مولده كان فى سنة 766ه ، وعُرف بالمقريزى نسبة إلى حارة فى بعلبك تعرف ب "حارة المقارزة"، فقد كان أجداده من بعلبك وحضر والده إلى القاهرة وولى بها بعض الوظائف. شغل المقريزى العديد من وظائف الدولة فى عصره، حيث ولى فيها الحسبة والخطابة والإمامة عدة مرات، ثم عمل مع الملك الظاهر برقوق، ودخل دمشق مع ولده الناصر سنة 810ه ، وعُرض على المقريزى قضاؤها فأبى، ثم عاد فيما بعد إلى مصر. احتل المقريزى مركزًا عاليًا بين المؤرخين المصريين فى النصف الأول من ى، حيث إن معظم المؤرخين الكبار كانوا تلاميذ المقريزى، مثل أبى المحاسن يوسف بن تغر بردى - مؤلف الكتاب التاريخى المشهور النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة -، والسخاوى. واستحق كتاب المقريزى "السلوك لمعرفة دول الملوك" المكانة الأولى بين كتب التاريخ فى عصره، ومن مؤلفاته أيضًا كتاب "عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط"، الذى حاول فيه المقريزى أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التى امتدت منذ الفتح العربى إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية، وكتاب "اتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا" حول تاريخ مصر فى زمن الدولة الفاطمية، وكتاب "إغاثة الأمة بكشف الغمة" الذى يتحدث فيه عن تاريخ المجاعات فى مصر وأسبابها. وتوفى المقريزى فى مثل هذا اليوم عام 1441م.