من خلال شعور مصر بدروها الوطنى والقومى, تجاه قضية التعليم وأهميتها, دعت مصر إلى إعلان العشر سنوات القادمة عقدًا للقضاء على الأمية في جميع أقطار الوطن العربي، وهي الدعوة التي لاقت موافقة الرؤساء العرب. وتهدف المبادرة المصرية الى رفع الوعى المصرى وايضا لدى المواطن العربى والحفاظ على الامن القومى . وتؤكد الدراسات أن الأمية بأنواعها المتعددة تعد أحد أكبر المشكلات التنموية التي تعاني منها مصر والوطن العربي، لما لها من امتدادات وآثار سلبية على كافة مناحي الحياة، حيث تشير الدراسات التنموية إلى أن ارتفاع معدل القراءة بنسبة (1%) يؤدي إلى زيادة الناتج الإجمالي بنسبة5% وعلى هذا، أضحت القراءة حقًا من حقوق الإنسان, وأداة لتعزيز القدرات الإنسانية وتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية الشاملة، وعاملاً ضروريًا للقضاء على الفقر والجهل، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وضمانًا للتنمية العربية المستدامة، والسلام والديمقراطية. ومن هنا تعالت الاصوات التى تنادى بضرورة تبنى مشروع قومى عربى يهدف الى القضاء على الامية وتجفيف منابعها وتطوير برامجها لتتواكب مع متطلبات العصر المتحجدد أملا فى اعلان الدول العربية خالية من الامية بحلول عام 2024 . في البداية يقول الدكتور مرزوق الطاهر أستاذ العلوم الانسانية بجامعة سطيف فى الجزائر، إن هناك علاقة وطيدة جدا بين الأمية والجماعات المتطرفة ولقد مرت الجزائر بالمرحلة الارهابية فى تسعينيات القرن الماضى حيث استغلت الجماعات المتطرفة والجهات الاجنبية التى تمول الارهاب المجتمع الأمى بالتقرب إليه واعطائه فتاوى لشرعنة الفعل الاجرامى وهذا ما حدث فى الجزائر ورأينا ذلك أيضا فى سوريا والعراق وما يسمى بالربيع العربى كيف استغلوا الاميين واغروهم بالمال واعطوهم المتفجرات للقيام باعمال ارهابية لتدمير الوطن والمواطن. ويرى الدكتور مرزوق الطاهر انه كلما قلت الامية فى الدولة قلت الاعمال الاجرامية, لأنك من الصعب بل من المستحيل ان تسيطر على شخص متعلم وتقنعه باعمال ارهابية فى حين الامى الذى لا يعرف شيء سهل استقطابه . بينما ترى الدكتورة نادية جمال الدين استاذ اصول التربية فى معهد البحوث التربوية بجامعة القاهرة ، أن التطرف ليس قاصرا فقط على الأميين بالعكس هناك الكثير من المتعلمين اشد تطرفا من الذين لا يقرأون ولا يكتبون وبالتالى فهو غير قادر على رفض الفكر أو حتى التساؤل والاستيعاب بطريقة ايجابية ومن ثم لا رابط بين التطرف والامية. وتؤكد الدكتورة نادية أن الجماعات المتطرفة التى شهدناها فى عالمنا العربى مثل بيت المقدس وداعش والنصرة وانصار السنة وغيرها كلها جماعات ممولة ليس لها علاقة بالتعليم وهى جماعات مدفوعة تستغل الدين . وتضيف أنه لابد ان ننظر بمنظور اخر على انها مؤامرة وليس تحرير او مقاومة او حتى بناء دولة اسلامية كل ذلك لا اصل له، وأن هناك جهات اجنبية تريد تمزيق العالم الاسلامى والعربى بما فيها تركيا وايران وطبعا اسرائيل وامريكا ونحن للأسف وقعنا فى الفخ . من جانبه يؤكد الدكتور عاشور أحمد عمرى مدرس اصول التربية ومدير مركز تعليم الكبار بجامعة عين شمس، أن هناك علاقة وثيقة بين المشكلات المجتمعية المنتشرة في المجتمع العربي وانتشار الأمية، إذ إن الأمية تعد أساس المشكلات المجتمعية وعلى رأسها مشكلة الإرهاب، وكلمة الإرهاب تعني (الاعتداء أو التهديد بالاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة باستخدام وسيلة من شأنها نشر الرعب في النفوس لتحقيق هدف معين). وتعد ظاهرة الإرهاب وليدة لظاهرة الأمية والجهل المنتشر في المناطق الكثير من الأحياء والمدن المصرية وبخاصة في المناطق العشوائية والفقيرة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث حذرت التقارير الرسمية والدراسات والبحوث من خطورة تأخر تطوير المناطق العشوائية ونشر التعليم والوعي في تلك المناطق خوفًا من تزايد وتيرة العنف والإرهاب الذي يتخذ من هذه المناطق بؤرة ينطلق منها نتيجة لانتشار الأمية والجهل فيها، مما يجعل الشباب في تلك المناطق فريسة سهلة للاندماج في الجماعات الإرهابية والمتطرفة. ويرى عمرى أن المساعي والجهود الفردية لمحو الأميّة غير ملائمة بالنسبة الى مصر ومكانتها و ايضا الوطن العربي ، إذ تفشت الأمية في جسد الوطن العربي حتى وصل عدد الأميين ما يقرب من (70مليون أمي) اى 19% من اجمالى عدد سكان الوطن العربى, لتعادل ضعف المتوسط العالمى للامية ، كما لا تزال نسبة الأمية عند الإناث ضعف هذه النسبة عند الذكور. وأضاف أنه يجب على الحكومة المصرية أن تتخذ خطوات جادة وسريعة لمحاربة الجهل والتخلف والإرهاب المنتشر في الكثير من ربوع البلاد بسبب الأمية من خلال سد منابع الأمية وإيقاف تدفق أميين جدد، من خلال تعميم التعليم الابتدائي وجعله إلزاميًا ومجانيًا لكل الأطفال في سن الإلزام, ووضع آليات لتنفيذ أهداف العقد العربي لمحو الأمية, وتخصيص ميزانية محددة وعلينا إقامة شراكات حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني لمحاربة الأمية, ومساعدة المتخرجين من فصول محو الأمية لمواصلة التعليم بالاضافة الى إصدار القوانين والتشريعات لمنع تشغيل الأطفال . من جانبه أكد محمد ابراهيم العوضى الباحث الاسلامى، ان الأمية داء خطير يصيب المجتمعات، فتتسبب الأمية في خفض معدلات الإنتاجية وقلة الدخل والتنمية وغيرها على مستوى الفرد والمجتمع. كما أن الأمية قد تتسبب في توليد الأفكار المنحرفة والمتطرفة، مما قد يسميه البعض بالأمية الدينية، وهي إما الجهل المطلق بالدين أو تعلم الدين من غير أهله ومن غير المصادر الموثوقة، فتتولد الأفكار المنحرفة عن طريق فهم الآيات بطريقة خاطئة والجهل بالناسخ والمنسوخ والجهل بالمطلق والمقيد والجهل بالعام والخاص، وأيضاً تتولد الأفكار الخاطئة عن طريق بتر الآيات على غرار {ولا تقربوا الصلاة}، وأيضاً الأخذ بالأحاديث الضعيفة والتي لا تصح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو الفهم الخاطئ للأحاديث النبوية الشريفة. ويضيف محمد العوضى أن الأمي يجد من السهل تقبل وتشرب هذه الأفكار الخاطئة والانحراف في الاعتقاد فيها فتترسخ هذه الأفكار المتطرفة، وقد تتطور إلى تكفير الناس والمجتمعات وقد تتطور إلى الخراب والتدمير والقتل، فتتجمع هذه العقول ذات الأمية الدينية وقد تتوافق الأفكار الخاطئة مع بعضها لتنشأ الجماعات المتطرفة والمنحرفة. من هنا يجب محو الأمية الدينية للأفراد على الأقل الحد الأدنى، فيتعلم على سبيل المثال أن الإسلام دين وسطي {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، فلا يتصف المسلم بالغلو ولا بالتشدق ولا يكون المسلم لعاناً ولا منفراً، بل يكون المسلم مبشرا سمحا طلقا باش الوجه، وكما قال الرسول «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا »، ولا يأتي في الدين بما ليس فيه، ومن الناحية الأخرى لا يتصف المسلم بالغلو العكسي بأن يهاجم الدين ويهاجم ثوابته في الوقت الذي يتساهل في المحرمات وغيرها، فكلا الفريقين تنشأ منهما الأفكار المتطرفة. وعلى سبيل المثال أيضاً: ما جاء في القرآن الكريم {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من آمن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا. » فهذه صور من سماحة الإسلام ووسيطة الإسلام، ونهيه عن إراقة الدماء، هذه الأخلاقيات التي يجب أن يتعلمها المسلم ويأخذ العلم من المنابع الصافية من القرآن وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليه . كما يجب التأكيد على أخذ العلم من العلماء الربانيين العاملين كما قال تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"