لما كانت القراءة متعة تنمى العقل وتهذب الوجدان لأن عقلك يشكل أفكارك .. فالقراءة تضفى على صاحبها رونقاً من النور والتوهج فمن لم تهذبك رؤيته فهو غير مهذب كما أنها البسمة التى توضع على وجه الأدب العربى الذى أصبح يعلوه التراب من الجحود والهجران .. فهل نمى إلى علمكم أعزائى القراء بعض من الإحصائيات المخجلة التى يندى لها الجبين ومنها .. أن نسبة القراءة فى العالم العربى لا تتعدى 1.4 كلمة فى الشهر وأن إنتاج الكتب فى البلدان العربية 1.1% من الإنتاج العالمى وأن القراءة لا يمر طيفها على العقل العربى إلا مرة كل شهر! دعونا نزيح ونزيل مساحيق التجميل التى تخفى عيوب وعورات البعد عن الكتاب ولنتوقف معا لنسأل أنفسنا .. لماذا أصبح الجهل ماردا يسحق بقدميه رسائل التنوير؟ ولماذا هجرنا السيف والرمح والقرطاس والقلم وقنعنا بالبكاء والعويل وندب الخدود والندم على الماضى ؟ ففى القديم كانت المكتبات العربية قبلة للباحثين من الغرب للتزود بالمعرفة حتى كانت نهضتهم المعاصرة .. فما بالنا أصابنا اليأس والفتور وأصبح الإقدام على الكتاب كمن يقدم على كومة من اللهب. المولى عز وجل أقسم بالقلم وما يسطرون ودعا إلى القراءة .. فماذا بعد ذلك ننتظر؟ ألستم معى فى أن من لا يقرأ ينكر دعوة الله له بالقراءة وتنوير العقل .. أخشى أن تكون الإجابات ليست على ما يرام أن لا تؤلمنا دموع النهاية. من هنا رأينا نحن هيئة تحرير جريدة النهار أن نقدم للقارئ خدمة القراءة وأن نمد جسور الثقافة مع دور النشر المختلفة لنقدم للقارئ " قراءة فى كتاب" تتناول أسبوعيا تحليل وتوثيق كتاب يهم القارئ ونقوم نيابة عنكم فى عرضه وتحليله علنا أن نكون قد أدينا واجبنا نحو القارئ وإن كانت قطرة من بحر ولكن بالتعاون مع دور النشر المختلفة نتلقف منهم الكتب للعرض والتحليل وهدفنا هو خدمة القارئ ونرحب بالتواصل مع المؤلفين لنبنى معا العقل العربى ونعيد القارئ من جديد يتصفح كتابه عبر صفحات جريدة النهار. مع أحلى أن نعيد البسمة إلى الوجوه والسعادة إلى القلوب ونحن نتصفح الإصدار المميز لمعهد الموسيقى العربية تحت عنوان عبدالوهاب بمناسبة مولده فى 13 مارس 1910.. فالكتاب يحمل ذكريات عطرة قادمة من زمن الفن الجميل تغطى ارجاء المعمورة والوطن العربى كله لكثرة محبيه ويتوافق مع احتفالية معهد الموسيقى العربية حيث يفتح مع موسيقار الاجيال والآلات الموسيقية مجانا للجمهور وتقود الكتيبة دكتور إيناس عبد الدايم مدير الأوبرا ومن خلفها محمود عفيفى مدير المعهد ورجاله يتعاونون فى تزويد الجمهور بالفن والمعرفة بموسيقى محمد عبد الوهاب والاستمتاع بما يحبه ويهواه وتزويده بالمعرفة المطلوبة للآلات والأغانى ومراحل نشأة وتطور صاحب العرس الكبير. يتناول الكتاب فى الجزء الأول من الكتاب حياة عبد الوهاب فوالدته السيدة فاطمة حجازى وله شقيقان هم حسن الأكبر وأحمد الأصغر وله خمسة أبناء وهم عائشة وعفت وعصمت ومحمد وأحمد من الزوجة الأولى أما نهلة القدسى وهى الزوجة الثانية كانت المؤثر والدافع والتى ظلت معه حتى النهاية. كان الظهور الأول لعبدالوهاب مع فرقة الجزايرلى عام 1917 والذى كان يعمل على مسرح الكولوب المصرى فأنشد بعض أغانى الشيخ سلامة حجازى وبعدها قابل لأول مرة الفنان سيد درويس عام 1919 فاستمع إليه وأعجب به قائلا: الواد ده «هيشألب» الدنيا فقام بدور البطولة فى أوبريت شهرزاد بعدها انطلق إلى الرحاب الأوسع . عاوده الحنين للغناء فى 1921 مع فرقة الكسار على مسرح ماجيستيك وغنى أول تسجيل لقصائد سلامة حجازى وسافر لفلسطين وسوريا ولبنان مع فرقة نجيب الريحانى للمرة الأولى خارج مصر وبعد عودته التحق بمعهد الموسيقى العربية فتعلم الموشحات على يد درويش الحريرى ومحمود رحمى وعلى صقر كما تعلم العود على يد الفنان محمد القصبجى 1920 واضطر لتدريس الأناشيد فى مدرسة السليحدار إلى جانب دراسته للغة العربية فى سيدى الشعراوى وكان من تلاميذه مصطفى وعلى أمين وصالح جودت وإحسان عبد القدوس. وينقلنا الكتاب إلى محطة هامة فى رحلة عبد الوهاب حيث التقاؤه بأمير الشعراء أحمد شوقى حين أقام معهد الموسيقى حفلا خيريا غنى فيه عبدالوهاب فى حضور كبار رجال الدولة فأعجب أمير الشعراء بأدائه وتعهد برعايته فكانت من أقوى المراحل فى حياته فأصبح شوقى الأب الروحى لا يفارقه روحه واختار له أساتذة يقومون بتعليمه أصول الموسيقى والغناء ويثقفونه فى الأدب كما كان يصطحبه لمجالس الأدباء والشعراء كما أنه سافر معه إلى باريس عام 1927 وعند العودة التحق بمعهد جرين لدراسة قواعد الموسيقى العربية وأكمل تلحين كليوباترا بعد وفاة سيد درويش وقام بالبطولة والغناء أمام منيرة المهدية. ينقلنا الكتاب إلى مرحلة النضج فقد ذاع صيته وقوى ساعده وتمرس على الأغنية والموسيقى فدعوه ليغنى فى افتتاح معهد الموسيقى العربية بحضور الملك فؤاد الأول أغنية الليل لما خلى تأليف أحمد شوقى وقام ببطولة أول فيلم له وهو الوردة البيضا عام 1938 ثم دعوته الرسمية للغناء فى حفل افتتاح الإذاعة المصرية فغنى «ياذكرى الغرام». وكان عام 1935 هو الأهم حيث غنى أول أغنية طويلة وهى نسيم الربيع كما قام ببطولة فيلم دموع الحب مع الفنانة نجاة على .. وفى عام 1937 غنى نشيد "المعاهدة" بمناسبة الاحتفال بمعاهدة 1936 مع بريطانيا بعدها منحه الملك فاروق نيشان النيل وفتح شهيته حيث قام ببطولة فيلم يحيا الحب مع الفنانة ليلى مراد. ما زلنا نبحر فى ذكريات الموسيقار الكبير ونمر بأعيننا على إنجازاته التى ما زالت باقية فقد قام ببطولة فيلم بور سعيد وممنوع الحب مع رجاء عبده ورصاصة فى القلب ولست ملاكاً مع نور الهدى وليلى فوزى .. وفى عام 1952 غنى نشيد الحرية كلمات كامل الشناوى الذى اختيرت مقدمته الموسيقية لنشرة الأخبار .. وبعد أن غنى فى فيلم غزل البنات وفيلم منتهى الفرح كان لقاؤه بكوكب الشرق أم كلثوم حيث اتفقا على تلحين أغنية أنت عمرى .. فما زال رحيقها وعبقها يزكى القلوب وتبعث على السعادة والسرور حتى يومنا هذا. ومازلنا مع رحلة الفن والعطاء والإبداع فيذكر المؤلف أن الدولة لم تبخل على من أعطاها فقد حصل عبد الوهاب على العديد من الأوسمة والنياشين والجوائز خلال مشواره الطويل الناصع داخل وخارج مصر .. فقد حصل على نيشان النيل من الملك فاروق ووسام الاستقلال الليبى وقلادة الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية من الرئيس جمال عبد الناصر ووسام الاستحقاق السورى من الدرجة الأولى من الرئيس السوري. لكل عصر رجاله سيظل اسمهم عالياً فقد ظهرت المواقف الوطنية لعبد الوهاب كما يذكر المؤلف من خلال أغنيات سياسية وقومية ووطنية فى عهود ملكين وثلاثة رؤساء فى مصر فقد غنى أربعين أغنية وطنية كما لحن العشرات غيرها لكبار المطربين والمطربات وفى عهد السادات لحن أغنيتين قبل مؤتمر كامب ديفيد " وعند عودته من كامب ديفيد عام 1976 أعاد توزيع نشيد بلادى بلادى لسيد درويش ومنذ ذلك التاريخ اعتمدت الدولة هذا النشيد نشيداً وطنيا لمصر. دائما تبقى ذاكرة الصورة لتعبر عن عمق وأصالة صاحبها فالصورة ربما تبلغنا ما لم يستطيع القلم توصيله .. ولم يفت المؤلف أن يتحفنا بالعديد والعديد من الصور الجميلة والمعبرة عن حياة موسيقار الأجيال منذ النشأة حتى مرحلة النضج. فمجموعة الصور التى زودنا بها المؤلف آثرة للقلوب وتتناول حياة فنان كبير ما زالت ألحانه وكلماته ترن فى الآذان وتتلهف عليها القلب.