يبدو أن رياح التغيير ضربت دول أوروبا التي أفاقت أخيرا من سباتها العميق لتعلن دعمها للشعب الفلسطيني, هذا الشعب الذي ذاق مرارة الظلم والعدوان لعقود متتالية، والذي طالما استنجد بالمجتمع الدولي لحمايته من الطغاة ولكن دون جدوى, ولكن ها هى السماء تستجيب لدعاء الأبرياء والمقهورين, حيث أعلنت برلمانات العديد من دول أوروبا اعترافها بالدولة الفلسطينية في خطوة إيجابية يمكن أن تدفع بالمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طريق يمكن الخروج منه بحل للنزاع المستمر بين الجانبين, كما تعتبر تلك الخطوة إشارة قوية لإسرائيل لتتعامل بجدية مع المفاوضات, ووقف المستوطنات والعمل بصدق من أجل حل الدولتين. وكانت كل من برلمانات بريطانيا, فرنسا, البرتغال, بلجيكا, السويد,ومن قبلهم, أيرلندا, رومانيا, بولندا, التشيك, المجر, قد صوتوا على قرار يقضي بالاعتراف بدولة فلسطين, وتعتبر السويد أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة وذلك في شهر اكتوبر الماضي. هذا وتتباين المواقف بين من يرى أن هذا الاعتراف سيخدم عملية السلام ومن يرى فيه تهديداً لها.. وتعليقا على هذا الموضوع, أكد الدكتور طارق فهمي الخبير الإستراتيجي والسياسي أن تلك الموجة من الاعترافات بالدولة الفلسطينية جاءت نتيجة عدة أشياء أهمها, جهد متراكم للدبلوماسية الفلسطينية التي بدأت تحركاتها منذ ستة أشهر حيث تقدمت بطلب للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية, وأيضا المجموعة العربية في الأممالمتحدة التي بذلت مجهودا خلال الثلاثة أشهر الماضية بجانب الدبلوماسية الفلسطينية وتتمثل تلك المجموعة في مصر والسعودية والكويت والإمارات, وكذلك الممارسات الإسرائيلية العنصرية والعدوانية في القدس والأراضي المحتلة, والتي شاهدها العالم كله مباشرة, بالإضافة إلى التسويق الجيد الذي قام به الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية لتلك الأحداث, فكل هذه العوامل أدت إلى أن بعض الدول الأوروبية غيرت مواقفها من الملف الفلسطيني بأكمله, حيث إنها رأت شعبا أعزل يتعرض للإبادة, ووزيرا فلسطينيا يندد فيقتل, وكذلك حرب غزة وما تعرضت له من تدمير كامل. وأكد فهمي أن هذه الموجة تعد بداية تغيرات حقيقية, ولكن أوضح أيضا أن التغيير المفصلي هو الموقف الفرنسي والبريطاني ثم الأمريكي, حيث قال «باقى الدول تأتي في إطار جهود رمزية للضغط على إسرائيل ليس أكثر لدعم القضية الفلسطينية, الاعترافات تمثل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية للانصياع للقرارات الدولية والانسحاب من الأراضي المحتلة وبدايات الاعتراف بالدولة الفلسطنية» كما أكد أيضا أنه ليس مع الآراء التي تصف ما حدث بجبر الخواطر السياسي, حيث قال» لا يوجد ما يلزم هذه الدول بتغيير مواقفها تجاه القضية الفلسطينية أو لترضيته أو إسكاته أو لخفض صوته في المجتمع الدولي, وإنما جاء في إطار تغيير حقيقي للمواقف السياسية تجاه الملف الفلسطيني بأكمله». وحول ردود الأفعال الإسرائيلية المنددة بهذا التحرك الدولي قال «من الطبيعي أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بالمراوغة السياسية, أصبحنا اليوم لا نجد في إسرائيل من نتحدث معه, بعد أن أصبحت الحكومة الإسرائيلية حكومة تسيير أعمال لا تستطيع اتخاذ قرارات وهناك دعوة لانتخابات مبكرة في إسرائيل في مارس المقبل وبناء عليه لن تتغير المواقف بصورة أو بأخري لأنها غير قادرة على اتخاذ قرارات حقيقية, وبالتالي ليس لديهم غير محاولة إسكات العالم ومحاولة إسكات الصوت الفلسطيني». واعتبر فهمي أن الموقف الأمريكي ودعمه للجانب الإسرئيلي أصبح اليوم مختلفا، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية ترى وجوب خروج إسرائيل من الأراضي المحتلة وحل الدولتين, صحيح أنها لم تقدم ما يثبت ذلك خاصة بعد فشل جولة جون كيري الأخيرة, ولكن الإدارة الأمريكية أصبحت على المحك فخلال عدة أشهر لن يكون لديها أو لدى الحكومة الإسرائيلية ما يقدمونه لعملية السلام». وفيما يتعلق بإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد أكد فهمي أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بقيام دولة من جانب واحد حتى لو كانت هذه الدولة تحظى بدعم اوروبي أو غيره, وأنهم سيفشلون أي خطوة دولية تسعى لإقامة دولة في هذا الإطار, حيث قال «من الصعب إعلان دولة فلسطينية من جانب واحد لأن هناك الكثير من المعوقات ولقد تحدثنا مع أبو مازن في أن هذا الأمر لن يحدث لأنه لا يوجد في القانون الدولي ما يسمى دولة من جانب واحد, يجب أن تحظى الدولة باعتراف دولي, أما الفتونة الدولية وفرض الأمر الواقع أمر لن يحدث وغير مقبول دوليا ولن يكتسب أي شرعية دولية, كما أنها لن تحظي بدعم دولي أو دعم أمريكي». وأشار الخبير الإستراتيجي إلى أن الإدارة الأمريكية ذاهبة إلى حال سبيلها وكذلك الإسرائيلية لذا فإن الطرفين غير قادرين على الحسم وبالتالي القضية الفلسطينية ستكتسب أرضية جديدة في الأممالمتحدة لحين أن تأتي حكومة إسرائيلية جادة وتإتي إدارة أمريكية قادرة على فرض السلام على الجانب الإسرائيلي. وفيما يتعلق بالانقسام الداخلي في الصف الفلسطيني وتأثيره على القضية اعتبر أن «المصالحة الفلسطينية ستدعم المقاومة في فلسطين, فالصف الفلسطيني منقسم ومن الطبيعي أن يتوحد هذا الصف في حالة الذهاب للأمم المتحدة والحصول على هذا الاستحقاق, أبو مازن يعاني من مشكلة الانقسام الداخلي في قطاع غزة, إذا اتحد الجانبان سينعكس هذا على القضية الفلسطينية بأكملها». من جانبه فسر الدكتور نشأت الديهي أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز دراسات الثورة، هذا التحرك الدولي بأنه انعكاس لغضب البرلمانات ودول العالم من الممارسات الإسرائيلية على الأرض التي أصبحت غير مبررة وغير مدفوعة بحق إسرائيلي, فالبرلمانات والممثلون للمجتمع الأوروبي يشعرون بالعار والتقصير الأدبي تجاه القضية الفلسطينية, فكلما ازدادت الممارسات الإسرائيلية على الأرض من عنف وظلم للفلسطينيين خصوصا في غزة, كلما كان هناك تنفيس سياسي ضد هذه الممارسات التي اعتبرت جرائم حرب لا يجب الصمت عنها, وإذلالا للشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن البث المباشر لما يحدث في فلسطين ساهم في عكس وحشية الإسرائيليين غير المبررة, وخصوصا أن الأوروبيين يتحدثون كثيرا عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات وبالتالي كان من الصعب عليهم عدم اتخاذ موقف أمام ما يحدث, وهناك انفصام بين سلوك الإرادة الشعبية والدولة الرسمية وما يسوق على أنه مبادئ لديهم، فكان الحل من جهة الحكماء في هذه الدول هو الاعتراف, والاعتراف هنا اعتراف رمزي غير ملزم ولكنه أيضا بارقة معنوية لإقامة دولة فلسطينية». وحول التحول المفاجئ للموقف الغربي مما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطيني قال الديهي «كل الممارسات الإسرائيلية كانت معروفة لدينا بالتفاصيل, لأننا كعرب وشرقيين نهتم بأدق التفاصيل حول تلك القضية, لكن المجتمعات الأوروبية وأمريكا تحديدا ما يحدث في فلسطين أو في الشرق الأوسط ليس على قائمة اهتماماتهم, ولكن بدأ العالم ينتبه»عندما نجحنا في تسويق القضية بشكل جيد عن طريق وسائل الإعلام التي بدأت تنقل للعالم ما يحدث في فلسطين نقلا مباشرا. مؤكدا أن القضية قديمة والممارسات قديمة ولكن القضية لم يكن يتم تسويقها بالطريقة الصحيحة, على الرغم من أن المقاومة في الماضي كانت أقوى لكن العالم لم ينتبه, خصوصا مع وجود أذرع الإعلام الإسرائيلية التي كانت أقوى وكانت تسيطر على دوائر صنع المال والأعمال في أوروبا وأمريكا وبالتالي كان هناك نوع من التشويش على الحقائق وتضليل الرأي العام. كما أشار أيضا إلى أن وجود أذرع إعلامية عربية نجحت في تسويق القضية داخل مجتمع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومجتمعات أوروبا أدي إلى حدوث تغيير, مؤكدا أن موضوع الإرهاب وما جري الفترة الماضية جعل تلك المجتمعات تنتبه إلى أنه ربما قضية فلسطين هي الباب الأساسي الذي يخرج منه الإرهاب. ونوه الديهي إلى أن الاعترافات المتتالية تمثل جسرا يمكن أن يعبر عليه الرئيس محمود عباس وحركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى أفاق أوسع من خلال الوصول إلى المنظمات الدولية والضغط على متخذي القرار الرئيسين إسرائيل وأمريكا والرباعية الدولية للجلوس مرة أخرى على مائدة المفاوضات لحل المشكلة وليس لتأجيلها, مؤكدا أن المفاوضات المستمرة منذ عشرين عاما تخرج من تأجيل إلى تأجيل كأنها مفاوضات من أجل أن تكون مفاوضات وليس من أجل الخروج بحل, حيث قال «الاعترافات ربما تساهم بشكل غير مباشر وأسرع للخروج بحل لأنه لا يمكن أن يكون هذا الحل عبر المقاومة لأن هناك تشرذما في الصف الفلسطيني يحتاج إلى مزيد من التنازلات». ولكن في الوقت ذاته أكد الديهي أن الاعترافات أعطت لمحمود عباس دفعة للأمام لأنها أعطته قوة للتحرك للأمام سواء خارجيا أو داخليا في مفاوضاته مع الأطراف الفلسطينية, فالحكومة الفلسطينية تقاوم داخل الأراضي الفلسطينية أفكارا شاذة, وفي نفس الوقت تقاوم خارجيا سواء مع إسرائيل أو تحركاتها على المستوى الدولي لحشد الدعم للقضية، وبعض الأطراف الفلسطينية تؤذم القضية الفلسطينية على حساب المصلحة مثل حركة حماس التي لا يهمها سوى نفسها مثلها مثل الإخوان في مصر, لأن فكرة الدولة عندها ليست واضحة. وفيما يتعلق بإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد كان للديهي رأي مختلف حيث رأى أن إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد ربما سيغضب الإسرئيليون بشكل كبير, ولكن في الوقت ذاته لغة الأمر الواقع والضغط هى اللغة التي يفهمها الإسرائيليون, وأي محاولة لاسترضاء الجانب الإسرائيلي أو التعامل معه على قدم المساواة سيقابلها بالعكس فهو لا يحترم أحدا, وبالتالي توريط الإسرائيليين وإحراجهم والاعتماد على سياسة الأمر الواقع هو الأهم وربما يكون الطريق الصحيح لذلك. ومن جانبه قال الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام إنه بالرغم من أن اعترافات برلمانات دول أوروبية عديدة بالدولة الفلسطنية لا تعد الخطوة النهائية الحاسمة في اعتراف هذه الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية, وحيث القول الفصل في هذا الصدد أمر محجوز للسلطة التنفيذية لهذه الدول، فإن ما حدث يعد خطوة مهمة من الناحية السياسية والأدبية ومن غير المتصور أن تتجاهل هذه الدول الأوروبية القرارات التي صدرت عن برلماناتها التي تعكس الإرادة الشعبية لهذه الدول. وأشار سلامة إلى أن التجربة السابقة لجنوب إفريقيا العنصرية، تجعلنا نجزم بأن ما من حق يضيع وراءه مطالب, وأن من سار على الدرب وصل, وأن الصبر يولد الظفر, ومن جد وجد. أما إسرائيل, الدولة التى لم تسبقها أية دولة فى الانتهاكات الجسيمة للأعراف والمبادئ والقواعد الدولية, وأصبح قادتها السياسيون والعسكريون هم أكثر الأفراد الملاحقين جنائيا فى العديد من المحاكم الأمريكية والأوروبية وغيرها, فعليها أن تدرك أن لكل شمس مغربا, وأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق حتى قيام الساعة.