إذا عثرت على طفل مجهول النسب، فأنت بالطبع لا تعلم اسمه ولا دينه، لأنه لا يستطيع التحدث إليك، لكنك ستعتبره مسلما حتى ولو كان أبواه مسيحيين ولو كنت أنت مسيحيا، وذلك بأمر الحكومة، رغم عدم وجود مواد قانونية واضحة تحدد ديانة الطفل اللقيط. "مينا بطرس ريمون ساويرس" سجن لمدة عام، لإدانته بحرق علم مصر، أثناء إحياء الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، وعقب انتهاء مدة عقوبته أجرى الأمن الوطني تحرياته لتنفيذ حكم المراقبة ضده، إلا أنه لم يعثر على عنوان سكن لشخص بهذا الاسم، ثم اكتشف أن "مينا" عثر عليه وهو رضيع بأحد شوارع الإسماعيلية، وأودع في ملجأ ببولاق الدكرور بالجيزة، اختار له اسم "عماد عبد الراضي"، وبعد أن صار مراهقا هرب من الملجأ، ثم عاد بعد فترة وقال إنه عثر على عائلته المسيحية، وأن اسمه "مايكل بطرس ريمون ساويرس"، واكتشف بعد ذلك أنه يكذب وما قاله حول ديانته كان ادعاء. كثيرون يُعثر عليهم كمجهولي نسب الأبوين في الطريق العام، وتؤلف لهم أسماء ثلاثية من قبل وزارة الداخلية، حين تستخرج لهم شهادات ميلاد، وتسجل ديانتهم في الشهادة كمسلمين.. "دوت مصر" تساءل حول قانونية أمر الديانة، وماذا لو اكتشف الطفل عائلته المسيحية فيما بعد؟ مجهول النسب غائب عن القانون رفعت السيد رفعت السيد بعد مراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم تلك الأمور، لم نعثر به على مادة واضحة النص تحدد ديانة مجهول النسب، وهو أمر أكده رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، المستشار رفعت السيد، الذي نفى وجود مواد قانونية تنظم أمور الطفل اللقيط، وكيفية إدراج ديانته بشهادة ميلاده، ولكن المعتاد أن الحكومة ممثلة في هيئة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية، تختار له اسما ثلاثيا وتنسبه إلى الدين الإسلامي. أوضح "السيد" أن مجهول النسب يتم التعامل معه وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، التي تنص على أن الطفل المولود في دولة مسلمة وغير معلوم الأب والأم يصبح مسلما بالضرورة، لأن الإسلام هو خير الأديان، بحسب قوله، وأضاف "السيد" أن اللقيط إذا تبنته أسرة، فليس من حقها إعطائه اسمها أو ديانتها. عزيزة عمار رئيس الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، عزيزة عمار، قالت إن من المتعارف عليه، بحكم أن مصر بلد إسلامية، نسب الأطفال مجهولي النسب إلى الدين الإسلامي. وتذكرت عزيزة عمار موقفا أضحكها، وقالت إنها تحدثت مع البابا شنودة الثالث، ذات مرة بشأن الأطفال اللقطاء، وقال لها إن المسيحيين ليس لديهم أطفال مجهولي النسب، لكن أيتام فقط.. واستطردت ضاحكة "لا أعلم إذا كان ذلك الأمر حقيقيا أم أنه قال ذلك بغرض التباهي"، مشيرة إلى أن المسيحيين لديهم دور رعاية مستقلة خاصة بأطفالهم الأيتام. مسلم بحكم الدستور المستشار القانوني للكنيسة المصرية، رمسيس النجار، قال إنه وفقا للدستور المصري وتحديدا المادة الثانية منه والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة، فإن الطفل مجهول النسب يحمل ديانة الإسلام من تلقاء نفسه، حتى لو عثر عليه كاهن أمام كنيسة ورباه، ويظل على هذا الحال طيلة عمره، إلا لو اكتشف يوما أسرته وكانت مسيحية، فيجوز له تغيير اسمه وديانته، لكن والديه سيحاكمان بتهمة إهمال الطفل. ويرى رمسيس أن إيجاز القانون للتبني سيحسم هذا الأمر ويضعه في نصابه الصحيح، وبناء على ديانة الأسرة التي ستتبنى الطفل تحدد ديانته سواء كانت مسلمة أو مسيحية. الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان، نجيب جبرائيل، قال إنه ضد إدراج الطفل مجهول النسب كمسلم الديانة، مشددا على أن ذلك الأمر ليس له سند قانوني، مشيرا إلى أنه قد يكون مسيحيا، وإدراجه كمسلم وتسميته بأسماء المسلمين يعتبر من أنواع التمييز الديني المخالف للدستور المصري، والذي نص على عدم جواز التمييز بين المواطنين. وأكد "جيرائيل" أنه ضد المادة الثانية من الدستور؛ لأنها تؤدي إلى تمييز عنصري بين المواطنين في حالات كثيرة، ضمنها التعامل مع الطفل مجهول النسب، مطالبا بإيجاد آليات لبحث ديانته، وفي ضوء ذلك تحدد هويته، واستدرك أن هذا الأمر قد يكون صعبا ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك جهد من الدولة تجاه الأمر، حتى لا يشعر المجتمع أن جميع مجهولي النسب مسلمون، منتقدا عدم وجود نص بالقانون يحدد هذا الأمر بشكل واضح. ليس مرتدا أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، الدكتورة آمنة نصير، قالت إن ما يعنيها في أمر مجهول النسب هو إنسانيته وليس ديانته، مشيرة إلى أن الإسلام لا ينكر الديانات الأخرى حتى وإن أنكرته، مؤكدة عدم ممانعتها من تغيير اللقيط لدينه الإسلامي، حين يكبر ويدله عقله على ذلك. وترى نصير أن مجهول النسب الذي يغير دينه حين يكبر لا يعد مرتدا، مشيرة إلى أن الردة هي محاربة الإسلام وليست الخروج منه، لأن العقيدة أمر شخصي وليس لأحد سلطان على غيره فيها.