أمام مجمع البحوث الإسلامية.. ووسط العديد من الأوراق التي من المفترض أن يناقشها أعضاؤه هذا الأسبوع، كان هناك مشروع قانون جديد، ربما يثير المزيد من الجدل والعديد من ردود الأفعال المختلفة ! المشروع تفجر علي خلفية القضية الكبري، والتي مازالت منظورة أمام المحاكم المصرية والمعروفة بقضية الاتجار بالأطفال.. وهي القضية التي تبين في حينه أن جميع أطرافها مسيحيو الديانة، سواء كانوا أزواجا أو زوجات أو أطفالا، وهو ما دعا منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان لإعداد أول مشروع قانون ينظم عملية التبني بين غير المسلمين، استنادا إلي أن الشريعة المسيحية لا تحظر هذا الأمر. القانون مكون من خمس عشرة مادة، الأبرز منها هي تلك المواد التي حظرت حظرا باتا تبني أي طفل يثبت أن ديانته مسلم بل وضع القانون في إحدي مواده عقابا مشددا يصل إلي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه أو إحدي هاتين العقوبتين علي أن تستتبع هذه العقوبة بنزع الطفل وتسليمه فورا إلي المجلس القومي للأمومة والطفولة. وحدد مشروع القانون المركز القومي للأمومة والطفولة كجهة مختصة للإشراف واتخاذ إجراءات التبني.. وقد كان الدكتور نجيب جبرائيل - رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان - قد أرسل مشروع القانون إلي فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي مرفقا به خطابا، يشير إلي أهمية إبداء رأي الأزهر في هذا المشروع لما لمكانة الأزهر الشريف في قلوب الجميع أقباطا ومسلمين وما يمثله شيخ الأزهر في آرائه من اعتدال ووسطية.. وقد أحال فضيلة الإمام الأكبر مشروع قانون التبني إلي مجمع البحوث الإسلامية لمناقشة وإبداء الرأي واتخاذ التوصية المناسبة بشأنه. -- الدكتور نجيب جبرائيل أكد لروزاليوسف أنه عندما توجه بمشروع القانون إلي شيخ الأزهر لم يكن يريد منه إجازته من عدمها.. فهو يعلم جيدا أن الشريعة الإسلامية تحرم التبني تحريما قاطعا، لكنه كما يقول توجه لفضيلة الإمام الأكبر باعتبار أن الأزهر مؤسسة دينية عريقة يمكن من خلالها توجيه رسالة إلي الشعب المصري تؤكد علي حق غير المسلمين في تطبيق شريعتهم وتقول لهم: اتركوهم وما يدينون به فمن حق المسيحيين أن يحتكموا لشريعتهم وهي تبيح التبني، والدليل علي ذلك أن هناك أمورا كثيرة نحتكم فيها إلي الشريعة المسيحية.. فمثلا تعدد الزوجات مسموح به في الشريعة الإسلامية، لكنه محظور في الشريعة المسيحية والمحاكم المصرية تحكم ببطلان الزواج الثاني احتراما للشريعة المسيحية. وأشار جبرائيل إلي أنه تلقي عدة اتصالات من بعض أعضاء مجلس الشعب رفض ذكر أسمائهم يؤيدون هذا القانون، وقد أخذ وعدا منهم إذا وصل مشروع القانون مجلس الشعب فسيعملون علي إجازته لأنه لا يضر المسلمين فلا ضرر ولا ضرار. سألنا الدكتور نجيب عن رأي قداسة البابا في هذا القانون.. وهل تم عرضه عليه فقال : أولا من الأهمية أن يعلم الجميع أننا لم نتقدم بمشروع هذا القانون باسم الكنيسة، لكننا عرضناه علي قداسة البابا شنودة وقد وافق عليه بشرط موافقة الدولة عليه.. متابعا : كان قداسة البابا قد تقدم بمشروع قانون للتبني عام 1978 لكنه مازال حبيس أدراج وزارة العدل منذ ذلك الحين ولم ير النور حتي الآن، إلا أن مشروع قداسة البابا لم يكن يحمل من بين مواده أي مادة تنص علي عقوبات جزائية.. وهذا هو الفارق بين المشروعين! وقلنا له : وماذا تتوقع من مجمع البحوث الإسلامية ؟... فرد قائلا : فضيلة الإمام الأكبر أشاد بمشروع القانون عندما تم عرضه عليه وقال إنه مشروع جيد، وأنا أعتقد أن الأزهر سيجيزه.. فلو كان هناك نية لرفضه لما أحاله شيخ الأزهر إلي المجمع لمناقشته. ومشروع القانون الذي يتضمن خمس عشرة مادة استهل مقدمته بالإشارة إلي المادة الأولي من الدستور المواطنة، والأربعين المساواة والسادسة والأربعين كفالة حرية العقيدة، فضلا عن قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 ولائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة عام 1938 وتعديلاتها الصادرة في يوليو 2008 وقد اختصت المادة الأولي من مشروع القانون بتعريف التبني : يقصد بالتبني حضانة طفل أو أكثر وكفالة تربيته ورعايته والعناية به ونسبه قانونا إلي رجل أو امرأة واتخاذ اسم له وتاريخ ومكان للميلاد ممن كان معترفا به كمستشفي أو مستوصف أو ملجأ أو دور رعاية اجتماعية أو جمعية مشهرة ومعترف بها قانونا. أما المادة الثانية فأكدت أن علي الشخص الراغب في التبني أن يتقدم بجميع المستندات التي تؤيد وتضمن قيامه برعاية وكفالة الطفل المتبني رعاية كاملة وكافية وعدم تعرضه لأي خطر والمحافظة علي صحته جسمانيا ونفسيا واجتماعيا. والمادة الثالثة نصت علي أن راغب التبني لابد أن يقوم بإخطار وإبداء رغبته في التبني إلي الجهة المختصة، وهي المجلس القومي للأمومة والطفولة علي نموذج معد لذلك، ومشفوع بالمستندات التي تؤكد رغبته في التبني وكفالته للطفل الذي يرغب في تبنيه، والجهة والمؤسسة التي يرغب التبني منها.. ويقوم المجلس القومي للأمومة والطفولة ببحث هذا الطلب والرد عليه في موعد أقصاه شهران من تاريخ تقديم الطلب، وفي حالة انقضاء هذه المدة دون رد أو إصدار رد غير مسبب للرد، ففي جميع الأحوال يجوز لطالب التبني أن يلجأ إلي القضاء المستعجل للطعن علي قرار الرفض أو القرار السلبي علي أن يفصل في طعنه في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ قيد الدعوي يعتبر حكم القضاء المستعجل بشقيه حكما نهائيا في هذا الشأن. أما المادة الرابعة فهي تنص علي أنه في حال الموافقة علي التبني طبقا للمادة الثالثة من هذا القانون علي طالب التبني أن يستوفي جميع الإجراءات المتبقية للحصول علي الطفل من حيث استصدار إخطار بالولادة وشهادة ميلاد الطفل، ويكون ذلك وفقا للائحة التي تصدرها تنفيذا لهذا القانون وزيرة المرأة والسكان في ميعاد غايته ثلاثة أشهر من تاريخ إصدار هذا القانون. والمادة الخامسة تحظر التبني إلا في حالة اتحاد الدين.. ويحظر مطلقا التبني بين مسلم وغير مسلم أو العكس أيا كانت ديانة غير المسلم، وذلك طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وتنص المادة السادسة علي أنه لا تخضع إجراءات وشروط التبني المنصوص عليها في هذا القانون لأي إجراءات أمنية أو أجهزة رقابية، وتظل الجهة المختصة بهذا الشأن هي المجلس القومي للأمومة والطفولة. والمادة السابعة تحظر حظرا باتا أن يكون القصد من التبني هو الاتجار بالأطفال بأي نوع من أنواع الاتجار سواء بمقابل أو بعوض أو بدون عوض، سواء كان عينيا أو ماديا أو معنويا.. وفي حالة ثبوت ذلك ينزع الطفل بواسطة المجلس القومي للأمومة والطفولة مع مراعاة العقوبات المقررة في هذا الشأن والواردة في هذا القانون في قانون العقوبات. وتحدد المادة الثامنة عدد أطفال التبني بأنه إذا كان لطالب التبني الرغبة في تبني طفل أو أكثر من أسرة معلومة الأبوين وبحد أقصي طفلان، فلا يجوز حرمان الأبوين أو من له حق الرؤية من رؤية الطفل المتبني طبقا لقواعد وقوانين الرؤية رضاء أو قضاء ولا يجوز التبني لأكثر من طفل من أسرة واحدة وبحد أقصي طفلان للتبني. أما المادة التاسعة فتؤكد علي أنه لا يجوز لطالب التبني أن يفرق بين طفلين من أسرة واحدة بأن يقوم بتربية طفل في مكان بعيدا عن شقيقه أو شقيقته وفي حالة مخالفة ذلك يتم نزع الطفل منه بعد إنذاره قانونا وعدم امتثاله. وتلزم المادة العاشرة الشخص المتبني بالضوابط والقواعد التي تصدر من المجلس القومي للأمومة والطفولة بشأن رعاية الطفل المتبني، مثل التزام الشخص راغب التبني بتوفير كل الإمكانيات للكشف الطبي علي الطفل بصفة دورية وتقديم جميع الرعاية له حسب القواعد والضوابط التي يضعها المجلس القومي للأمومة والطفولة. أما المادة الحادية عشرة فتشدد علي أنه عند سفر الشخص طالب التبني بالطفل إلي خارج البلاد يجب عليه أن يخطر أسرته إذا كان الطفل معلوم النسب أو المجلس القومي للأمومة والطفولة إذا كان الطفل غير معلوم النسب شريطة ألا يكون هذا السفر بصورة نهائية لا يعود منها إلي البلاد وعليه أن يقدم الشخص طالب التبني جميع الضمانات التي تفيد رجوعه. واختصت المادة الثانية عشرة بتحديد العقوبة لمن يخالف نصوص القانون ونصت علي أنه يقع باطلا بطلانا مطلقا كل تبني يخالف نص المادة الخامسة من هذا القانون، ويعاقب طالب التبني إذا تبين علمه بأن الشخص الذي تبناه مسلم الديانة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد علي ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه أو إحدي هاتين العقوبتين علي أن تستتبع هذه العقوبة بنزع الطفل وتسليمه فورا إلي المجلس القومي للأمومة والطفولة. واهتمت المادة الثالثة عشرة بعدم مخالفة المادة السابعة، ونصت علي أنه في حالة مخالفة نص المادة السابعة من هذا القانون يعاقب المخالف بالعقوبات المقررة لهذه المخالفة والواردة في قانون العقوبات ما لم يكن هناك نص مشدد. .. كما نصت المادة الرابعة عشرة علي أنه في حالة مخالفة نصوص المواد الثامنة والتاسعة والعاشرة من هذا القانون يعاقب الشخص طالب التبني بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه، ولا تزيد علي خمسة آلاف جنيه مع الإنذار بنزع الطفل في حالة التكرار ويلغي كل قانون يخالف ذلك.. واقتصرت المادة الأخيرة الخامسة عشرة علي نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية وبصمه بخاتم الدولة والعمل به كقانون من قوانين الدولة علي أن يسري تنفيذه بعد شهر من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية. هذا وسوف يرسل الدكتور نجيب جبرائيل مشروع هذا القانون إلي العديد من الجهات حددها بداية برئيس الجمهورية ثم رئيس مجلس الوزراء والمجلس القومي للأمومة والطفولة ولجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي. بادرتني ابتسام حبيب عضو مجلس الشعب بأنه وإن كان لا يوجد ما يمنع التبني في شريعة الأقباط إلا أن هذا الأمر سيتم حسمه من خلال قانون الأحوال الشخصية الموجود حاليا في وزارة العدل والذي يتناول جزءا كبيرا من قضية التبني ! وتقول حبيب : أتمني أن يري قانون الأحوال الشخصية النور، ويتم عرضه في هذه الدورة علي مجلس الشعب، لأنه سوف يعمل علي حل قضية التبني وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية للأقباط، وخاصة أنه قد تمت الموافقة عليه من الطوائف الثلاث القبطية.. والكاثوليكية.. والبروتستانتية... ومن مشروع قانون التبني الخاص بمنظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أكدت حبيب أنه لا يمكن عرضه علي مجلس الشعب، لأن أي قانون لابد أن يعرض من خلال عضو من أعضاء المجلس أو من خلال الحكومة أو من خلال حزب من الأحزاب. أما الدكتورة ليلي تكلا - رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس حقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية بالمجلس القومي للمرأة - فقد تحدثت بداية عن الناحية الإنسانية للتبني، وأكدت علي أن فكرة التبني بدأت كفكرة إنسانية.. فالأبوة ركن من أركان تكوين الإنسان والتبني هو عمل إنساني جميل يوفر حياة أفضل لشخص يفتقر للمادة والعاطفة والمنزل والرعاية والأبوين، لافتة إلي أنه تحدث بالفعل بعض الأمور السلبية مثل الاتجار بالأطفال وبيعهم لأغراض ليست إنسانية وأفعال يرفضها المجتمع! -- من ناحية أخري نجد أن العقيدة الإسلامية لا تبيح التبني والعلة الحقيقية لهذا هي منع اختلاط الأنساب.. وهنا يبرز سؤال مهم، مفاده: هل نترك معدوم النسب في الشارع أم نأخذه ونوفر له الرعاية الاجتماعية المناسبة؟... وإذا أخذناه هل نأخذه بالتبني وتصبح له حقوق أم نكفله ونرعاه فقط دون تبني ؟ إذن لابد أن يكون هناك تبني لكن الموضوع ليس سهلا علي الإطلاق، ولابد أن نأخذه مأخذ الجد للوصول إلي صيغة تحترم المبدأ الديني. الدكتور مصطفي الشكعة - عضو مجمع البحوث الإسلامية - قال : المسيحيون أحرار في شئون شريعتهم ما لم تصطدم هذه الشريعة مع الإسلام، والإسلام لا يتدخل في شريعة الآخرين وإنما كل ما يمكن أن نخشاه هو أن يكون التبني لأبناء المسلمين عن طريق اللقطاء.. فالطفل اللقيط غير معروف إن كان ابنا لمسلم أم لمسيحي! في رأي الدكتور الشكعة أن أكثر من 90% من السكان والدولة يدينون بشريعة الإسلام، ومن هنا يكون اشترك اللقطاء في دين واحد باستثناء احتمال 5% في الوقت الذي لا يجوز فيه تنصير لقيط تحت مسمي التبني، وبالتالي لا يجوز تبني اللقيط ما لم يكن مثبوتا أنه ابن لغير مسلم فيما عدا ذلك، فليس في الإسلام ما يمنع تبني المسيحيين لطفل مسيحي، وهذا - بحسب قول الشكعة - سيكون رأي غالبية أعضاء مجمع البحوث الإسلامية إذا ما تمت مناقشة مشروع القانون هذا الأسبوع.