يحدثنا تاريخ الاستيطان في فلسطين أننا إزاء جريمة حرب بجميع المعايير القانونية والأخلاقية وهي (جريمة) مرت بمراحل ، تحدثنا عن أربع منها في المقال السابق ، أما المرحلة الختامية فهي التي نعيشها اليوم والتي للأسف قام فيها فريق من الفلسطينيين بمساعدة العدو الصهيوني بزيادة وتيرة الاستيطان ، وكان هذا الفريق من دعاة التفاوض والحلول السلمية والذين ازداد عددهم للأسف بعد ثورات الربيع العربي ، كان ولايزال؛ دوره هو التغطية علي الاستيطان ، وإعطائه شرعية من خلال الإصرار علي المفاوضات التي لا توصل إلي نتيجة ، الأمر الذي دفع العدو لمزيد من زرع المستوطنات في ظل اتفاق أوسلو (1993) ومفاوضاته المستمرة طيلة 20 عاماً تم خلالها - وبغطاء سياسي من أصحاب هذا الاتفاق - زرع 80 ألف مستوطن في الضفة الغربية . بل إن الاستيطان زاد في عهد نتنياهو في العام 2012 أربعة أضعاف عما كان عليه عام 2011 ، وفق أحدث تقرير لحركة السلام الآن الإسرائيلية والتي أشارت في تقريرها الأخير إلي مصادقة حكومة نتنياهو علي خطط بناء لإنشاء 6676 وحدة استيطانية أغلبها شرقي الجدار العنصري العازل مقارنة مع 1607 وحداث في العام 2011 وعدة مئات فقط في عام 2010 ، إننا إذن وفي أجواء السلام الوهمي هذا ، أمام جريمة كبري ترتكب في حق الشعب الفلسطيني ، وبمساعدة فريق من أبنائها ، إنها جريمة (الاستيطان) التي هي ذبح منظم لفلسطين ، الأرض ، والبشر ، والقضية!! . إن جريمة الاستيطان ، في جميع أرجاء فلسطين ، سواء الخاضعة مباشرة للاحتلال أو تلك المحاصرة عبر المعابر المغلقة (مثل قطاع غزة) تحتاج لمواجهتها ، إلي (استراتيجية للمقاومة) تنحصر مراحلها في الآتي : أولاً : المقاومة بجميع أنواعها ، والمقاومة في فلسطين تبدأ بالإيقاف الفوري لهذا العبث السياسي والتاريخي الذي يسمي خيار المفاوضات واتفاق أوسلو ، والذي بإجماع الخبراء الفلسطينيين والعرب ، وفر غطاءً كثيفاً من الشرعية لهذه المستوطنات ؛ التي يسميها شعبنا الفلسطيني ومعه حق (المغتصبات) وإسقاط هذا الاتفاق أصبح اليوم وبعد تنامي وتيرة الاستيطان والعدوان (خاصة بعد العدوان علي غزة 2012) وتعذيب الأسري (5 آلاف أسير وأسيرة) يعد ضرورة وطنية وأخلاقية وسياسية . ثانياً : لإيقاف الاستيطان إذا اتفقنا علي أنه جريمة حرب (وهو بالفعل والقانون كذلك) فإن الرد الأساسي عليه يكون عبر تصعيد المقاومة المسلحة ضده ، وهذه المقاومة أضحت في إمكان قوي المقاومة الفلسطينية التي أربكت العدو الصهيوني أثناء العدوان الأخير علي غزة واستطاعت أن تصل بصواريخها (جراد وفجر وغيرها) إلي تل أبيب ذاتها ومن يصل إلي تل أبيب يستطيع أن يصل وبقوة أكثر إلي أي مستوطنة صهيونية في الضفة الغربية . ثالثاً : لابد وأن يصاحب (إسقاط خيار المفاوضات) وتصعيد (المقاومة المسلحة) ، إعادة اللحمة الوطنية عبر المصالحة الواسعة علي أساس خيار المقاومة وليس خيارات التسوية البائسة ، وبناء الوحدة والمصالحة الوطنية يحتاج إلي إخلاص النوايا وإدراك الخطر ، والبعد عن أجندات دول وحكومات الأقاليم ومخططاتها لبناء شرق أوسط جديد بقشرة إسلامية ، شرق أوسط تعقد فيه الصفقات باستخدام ورقة فلسطين ولعل ما يجري في قطر ومصر والسعودية هذه الأيام مع الفصائل الفلسطينية تحت اسم المصالحة يحتاج إلي تأمل وحذر شديدين ، إن صفقات الحكم لمرحلة ما يسمي بثورات الربيع العربي تستهدف من جملة ما تستهدفه إنهاء وتضييع فلسطين بالكامل مقابل إعطاء بعض الجماعات والتيارات السياسية فرصة حكم بلادها باسم الربيع والثورات ، إن الهدف هو إضاعة فلسطين وإسقاطها بالكامل ، فإذا لم تقم المصالحة والوحدة علي خيار المقاومة من أجل فلسطين فلا خير فيها وسيزدهر الاستيطان وينمو للأسف الشديد . رابعاً : إن المقاومة المسلحة لجريمة الاستيطان واقتلاع البشر من أرضهم وتاريخهم ، لا تعني الاستغناء عن وسائل النضال السلمي والقانوني الدولية والإقليمية ، وفي أيدي الفلسطينيين مئات الوثائق والحقائق الدامغة التي ترجح انتصارهم القانوني ، وإلي جوارهم تقف عشرات المواثيق والاتفاقات الدولية (لنذكر فقط المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تتيح محاكمة المستوطنين كمجرمي حرب) إن انتصار فلسطين حتمي إن هم دخلوا بقوة هذه المعركة علي الصعيدين الإقليمي والدولي ؛ وهي معركة نبيلة تستطيع «بل يجب» أن تشارك فيها جميع منظمات المجتمع المدني الدولية ، لأننا أمام حقوق تمتهن وأراض تغتصب ، وأوطان تضيع ، وهي تحديات تفرض علي الشرفاء في تلك المنظمات والهيئات الدولية دوراً جديداً وهم قادرون بالفعل عليه . وبعد .. إن الاستيطان الصهيوني في فلسطين العربية ، ليس فحسب جريمة ضد الإنسانية ، ولا فقط جريمة حرب بالمعني القانوني للكلمة بل هو أيضاً وبالأساس جريمة ضد التاريخ ، ومن يقف معها يقف ضد التاريخ وهو حتماً سيخسر ، وستنتصر " فلسطين " التي نعرفها ويعرفها تاريخنا العربي الممتد لآلاف السنين ، إنها وبإختصار دال ومعبر ؛ فلسطين التي من البحر إلي النهر ؛ الطاهرة من دنس الاستيطان وعنصريته !! .