"اكثر من 25 عاما قضيتها في جمع المادة الارشيفية حول مبنى الاوبرا القديم وحرقه ثم تحويله الى جراج , ومن اجل تراثنا المهمل صنعت فيلمي التسجيلي الاول "حرق اوبرا القاهرة" .. هكذا بدأ مدير التصوير المعروف كمال عبد العزيز حديثه عن اول تجربة اخراجيه له وهو الفيلم الذي عرضه منذ ايام كعرض اول في المجلس الاعلى للثقافة . "حرق اوبرا القاهرة" من انتاج عام 2010 وتصل مدته الى 40 دقيقة , ويسلط الضوء على مبنى الاوبرا القديم الذي تعرض للحرق في عام 1971 وكيف تعاملت معه الحكومة دون وعي بتحويله الى جراج للسيارات , كما يفتح الفيلم ملف قضية اغلقت منذ عشرات السنين وهي قضية حرق الاوبرا ووجود شبهة التعمد في هذا . لم يعرف مخرج ومنتج الفيلم تكلفة انتاجه حيث انفق عليه الكثير على فترات متقطعة ومتباعده . كمال عبد العزيز الذي عمل كمدير تصوير في حوالي 100 فيلم تسجيلي محلي ودولي , ابرزها الفيلم الامريكي voice like Egypt عن كوكب الشرق ام كلثوم , كما عمل كمدير تصوير لاكثر من 50 فيلم روائي طويل تحدث عن تجربته الاخراجية الاولى فقال :"لم اخض تلك التجربة حبا في الاخراج , وانما لانني لدي فكرة اريد ان اوصلها للناس , ولا استطيع ان افعل ذلك الا باخراجي هذا الفيلم , لان الفيلم يحمل رؤية المخرج . ويضيف : اردت ان اقول للاجيال الشابة اننا لدينا تاريخ حديث مشرف ويجب ان نحافظ عليه , وان الحكومة اخطأت حين حولت مكان له تاريخ مثل اوبرا القاهرة الى جراج لانها ضيعت كل معالمه التراثية , ومن العجب ان نحول مكان تراثي واثري مثل هذا الى جراج في حين ان سجن الباستيل في فرنسا مثلا تم تحويله الى متحف , كما ان معظم دول العالم تحافظ على اماكنها الاثرية , فلا تزال منازل موتسارت وجوته وغيرهما كما هي ويتم ترميمها باستمرار للحفاظ عليها . ولان اسم الفيلم "حرق" وليس "حريق" يؤكد كمال ان دلالة التعمد مقصودة , ويقول :"لم اشر الى الفاعل الحقيقي لانها ليست مهمتي وانما مهمة الجهات الامنية والنيابة كما انه لا يوجد دليل قوي يمكننا من الاشارة باصابع الاتهام لشخص بعينه او جهة بعينها" . وعن صبره لسنوات على متاعب البحث وجمع المادة الارشيفية لعمل هذا الفيلم يقول :" لم اكن اجمع مادة ذلك الفيلم وحده خلال تلك الفترة , فانا بطبيعتي شغوف بجمع مادة ارشيفية حول عدة وقائع قديمة تعبر عن مصر القديمة وسأعمل فيلم عن كل موضوع من تلك التي جمعت عنها المادة الارشيفية , ولكنني احتفظ بسرية رؤوس تلك الموضوعات الان . المشاهد السينمائية لحريق الاوبرا والتي تضمنها الفيلم كانت لها قصة بحث صعبة للغاية .. هكذا يقول كمال موضحا "عرفت ان شخصا هاويا كان يحمل كاميرا سينمائية 8 ملم ويسير بالصدفة من ميدان الاوبرا لتوصيل ابنته للمدرسة , وشاهد الحريق فصوره , لكنني عانيت في الوصول اليه , وحين وصلت اكتشفت انه توفى منذ 10 سنوات , لكن ورثته تعاونوا معي وباعوا لي هذه المادة السينمائية النادرة واستعنت بها في الفيلم. الجدير بالذكر ان الفيلم احتوى على مقابلات مع كلا من رتيبة الحفني وحسن كامي ومطربة الاوبرا فيوليت مقار والباليرينا السابقة ماجدة صالح ونجار الاوبرا القديمة سمير عبد العاطي ومدير الكهرباء بالاوبرا القديمة فايق حنا واخر مدير للاوبرا القديمة صالح عبدون وغيرهم وتحدث الجميع بشكل بدت عليه مشاعر حسرة شديدة لان هؤلاء الناس يدركون تماما قيمة مبنى الاوبرا القديم , والذي بناه الخديوي اسماعيل لاستقبال ضيوفه اثناء انشاء قناة السويس , يقول المخرج :"هذا المكان له ارتباط وثيق بتاريخنا الحديث , كما ان هذا المبنى مصمم من الداخل على شكل الة العود , فالقاعة الرئيسية مجوفة , والصالة الامامية طويلة بما يشبه ذراع العود , كما انه كان معظمه من الخشب وهذا جعل الصوت فيه نقي لاقصى درجة , وحين يتحول كل هذا الى جراج ويغلق ملف التحقيق في اسباب الحريق يجب ان يشعر كل مثقف بحسرة شديدة ". تحدث المخرج عن موسيقى اوبرا عايدة ل فيردي والتي وضعها كموسيقى تصويرية للفيلم فقال :" اخترت موسيقى اوبرا عايدة ل"فيردي" باعتبارها من لحم موضوع الفيلم ومن المصادفة ان يتواكب انتاج هذا الفيلم مع مرور 40 عاما على الحريق ومرور 140 عاما على اول اوبرا عايدة يتم تنفيذها في ذلك المبنى , ووقتها انبهرت اذاعات وجرائد العالم وكتبوا كثيرا عن ذلك الحدث فأصبحت اوبرا القاهرة من اهم 5 دور اوبرا في العالم . وانتقد كمال الاوبرا الحديثة قائلا :"ليست مصممة ك دار اوبرا وانما صممها اليابانيون كمركز ثقافي لان دار الاوبرا له مواصفات محددة تتعلق بتجويفاته وشكل صدى الصوت داخله , فمبنى الاوبرا القديم كان يشبه اوبرا سكالا في ميلانو بايطاليا , وهذه الاوبرا الايطالية تعرضت لحريق , لكنهم هناك لم يحولوها الى جراج وانما قاموا بترميمها واعادتها للحياة . ويقول كمال :"الشئ الوحيد الذي احزنني كان فشلي في العثور على اي مادة مصورة لحفلات الاوبرا من العشرينيات وحتى اربعينيات القرن الماضي , وكأن هذا الجزء من تاريخ مصر الحديث تم محوه باستيكة". الجدير بالذكر ان "حرق اوبرا القاهرة" تم قبوله بعدة مهرجانات تعرضه خلال دوراتها المقبلة ومنها مهرجان الجزيرة للافلام الوثائقية ومهرجان لاس فيجاس بامريكا ومهرجان لندن للافلام التسجيلية . واختتم كمال :"اتمنى تحويل الجراج الى متحف يحوي ما تبقى من الاوبرا القديمة" .