تدريب مكثف لأعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس خلال مايو    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    عاجل- مصر تحقق تقدمًا ملحوظًا في الإصلاحات الاقتصادية لتعزيز دور القطاع الخاص والنمو الاقتصادي    وزير السياحة الإسرائيلي لنتنياهو: الهجمات على الحوثيين لا جدوى منها    ضبط 12 طن مصنعات ودواجن منتهية الصلاحية بالقليوبية    وزير الثقافة يعلن إطلاق مشروع "أهلًا وسهلًا بالطلبة" عبر بطاقة موحدة لإتاحة دخول المسارح والمتاحف ومراكز الإبداع بتخفيض 50% على التذاكر    «الصحة» تعلن تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا بمستشفى السنبلاوين    مندوب فلسطين ينتقد في رسائل إلى مسئولي الأمم المتحدة استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    تعليق الرحلات الجوية من وإلى مطار بورتسودان حتى الخامسة من مساء اليوم    مبادرات مشتركة لتسهيل حركة السائحين والاستثمار بين الدول الثماني الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادي    الخارجية الصينية: الحرب التجارية بدأتها أمريكا وإذا أرادت التفاوض " فبابنا مفتوح"    التشكيل المتوقع لقمة إنتر وبرشلونة في دوري الأبطال    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    محافظ الإسماعيلية: توريد 20 ألف طن ونصف من القمح المحلى حتى الآن    هدوء الرياح وصفاء السماء.. ارتفاع كبير بدرجات الحرارة على الإسكندرية    النيابة تأمر بإيداع 3 أطفال بدار إيواء بعد إصابة طفل بطلق ناري بكفر الشيخ    مطالب بفتح تحقيق عاجل.. تحرك برلماني حول انتشار البنزين المغشوش    النجمة ريانا تستعرض بطنها المنتفخ بعد الإعلان عن حملها الثالث في حفل ميت جالا    مهرجان أسوان يناقش حضور المرأة في السينما المصرية والعربية    الثلاثاء 6 مايو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    "هذه أحكام كرة القدم".. الجزيري يوجه رسالة لجماهير الزمالك بعد التعادل مع البنك الأهلي    كامل الوزير: مصر منفتحة على التعاون مع مختلف دول العالم لتعميق التصنيع المحلي    تعرف على موعد امتحانات الترم الثاني 2025 لكل مرحلة في محافظة الجيزة    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    120 جنيهًا أنهت حياتها.. نقاش أمام الجنايات بتهمة قتل زوجته ضربًا حتى الموت    نشرة مرور "الفجر".. تكدس بحركة المرور في شوارع القاهرة والجيزة    إعلام جنوب الوادي تشارك في مؤتمر «الابتكار الإعلامي الرقمي وريادة الأعمال»    حبس وغرامة، عقوبة إيواء طالب اللجوء دون إخطار وفقا لقانون لجوء الأجانب    تامر عبد الحميد: لابد من إقالة بيسيرو وطارق مصطفى يستحق قيادة الزمالك    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    شوبير: الأهلي استقر على المدرب الجديد من ال 5 المرشحين    وزارة الصحة: حصول 8 منشآت رعاية أولية إضافية على اعتماد «GAHAR»    علي الشامل: الزعيم فاتح بيته للكل.. ونفسي أعمل حاجة زي "لام شمسية"    ياسمين رئيس: كنت مرعوبة خلال تصوير الفستان الأبيض لهذا السبب    سعد الصغير ل رضا البحراوي: «ياريتك اتوقفت من زمان»| فيديو    "تمريض قناة السويس" تنظم ندوة حول مشتقات البلازما    محافظ الدقهلية يوافق على إنشاء المعهد الفنى للتمريض ومعهد بحوث الكبد    19 مايو.. أولى جلسات محاكمة مذيعة بتهمة سب المخرج خالد يوسف وزوجته    محافظ أسوان يترأس إجتماع المجلس الإقليمي للسكان بحضور نائب وزير الصحة    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصفين الأول والثاني الإعدادي بالجيزة    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    انفجارات داخل كلية المدفعية في مدينة حلب شمال سوريا (فيديو)    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوريا غدا أفغانستان جديدة
نشر في المراقب يوم 11 - 09 - 2012

وبعد احداث الربيع العربي - الذي اعتبرته إسرائيل مرحلة انتقالية باتجاه إعادة إنتاج بيئة إستراتيجية مغايرة مليئة بالتهديدات للأمن القومي الإسرائيلي، مثلت الثورة السورية اكبر تحدٍّ للأمن القومي الاسرائيلي والسبب أنها ستنهي الاتفاق الإسرائيلي - السوري الضمني بحماية الحدود وللأبدو. , بعد مرور هذه الفترة السلام المفروض بين اسرائيل وسوريا
ومتابعتى لتطورات الوضع المأساوى فى سوريا الشقيقة أشعر برعب حقيقى؛ حيث أرى أمامى تكرار السيناريو بكل تفاصيله وبداياته لما حدث فى أفغانستان.. وباختصار شديد: دعوة أمريكية أطلسية بدحر جيش الاحتلال السوفيتى «الكافر» واستنفار أصحاب الفتاوى الدينية «لحث المجاهدين على الإسراع بالاستشهاد فى أفغانستان بعد الاطمئنان على أن قوات الاحتلال الصهيونى فى فلسطين ليست خطراً علينا لأنها «مؤمنة؟» وكان وقود الحرب الأفغانية شباب العرب والمسلمين وتمويلها فى الأساس من الدول النفطية العربية.. وكلنا يعرف بدرجة أو بأخرى ما جرى لبلادنا على أيدى «المجاهدين؟!» وما عانته هذه البلاد المنكوبة بتكرار ذات الخطأ أكثر من مرة وكأنها المخلوقات الوحيدة التى تلدغ ومن نفس الحجر عشرات المرات.. فما زلنا نواجه آثار ما بعد انتصار أفغانستان وتبعات تغلغل ثقافة جديدة من حيث تحديد الأولويات فى جميع المجالات لاسيما الانتماء الوطنى، تتوالى التصريحات التى تحرض المؤمنين على أن يهبوا للدفاع عن الإسلام والإطاحة بنظام الأسد، الوحيد فى الأرض العربية والإسلامية الجدير بالإطاحة لشذوذه عن «ديمقراطية» الحكام فى هذه الدول والتقدم العلمى الذى يحقق يومياً قفزات هائلة بفضل حكمتهم العميقة ونزاهتهم الأسطورية وزهدهم الفائق فى كل متاع الدنيا! فالأمور تسير باتجاه حرب لن تبقى ولن تذر بين سنة وشيعة، وكأن العلاقات الوثيقة بين طهران الشاه والدول العربية ومنها مصر، كانت «قبل» تحول إيران إلى المذهب الشعيى!! المهم أننا مطالبون بعدم طرح السؤال الواجب.. من سلح المعارضة ومن ينسق تدفق المجاهدين إلى سوريا وهل سيسقط ضحايا بأسلحة «الجيش النظامى» بينما أسلحة الجيش الحر تطلق قذائف ورقية؟ وأفغانستان جديدة تجرى فى سوريا ونتنياهو يشهر كارتاً أحمر فى وجوهنا بالتزام الصمت المهين بعد اعتراف الرئيس الأمريكى أوباما بالقدس «المحتلة» عاصمة لإسرائيل و
ويجمع الان الكثير من الخبراء الإسرائيليين على قرب سقوط نظام الأسد ولذا تراقب إسرائيل ما سيحدث في سوريا بقلق وتوجّس وفق رؤيةٍ ضبابيةٍ، ويتوقع تقرير مدار الاستراتيجي 2012م عددًا من السيناريوهات منها سقوط النظام وصعود نظام سني معتدل - وليس متطرفًا - وفي حال تحقق هذا السيناريو ستوازن إسرائيل إلى حدّ ما خسارتها الإستراتيجية بعد الضربة التي تلقتها بسقوط نظام مبارك، لان في ذلك تحييدًا لسوريا وإضعافًا لحزب الله وإبعادًا للهيمنة الإيرانية. اما السيناريو الثاني فهو احتمالية دخول سوريا في حالة من الفوضى الطويلة أو الحرب الأهلية، ولا يستبعد في هذا الحال أن تقسّم سوريا إلى مناطق نفوذ لجماعات مسلحة، وهو ما قد يهدّد بتحويل جبهة الجولان إلى جبهة نشطة وفي هذا تهديد خطير وجدِّي لأمن إسرائيل القومي. وأخيرًا السيناريو الثالث، وهو احتمالية تزويد النظام السوري حزب الله بأسلحةٍ متطورة خاصة التي تمّ شراؤها حديثًا من روسيا، وقد يقوم حزب الله بعمل استفزازي ضد إسرائيل سيؤدي إلى إشعال الجبهة اللبنانية بهدف صرف الأنظار عما يحدث في سوريا. أخيرًا يجب التذكير بأن النظام السوري اعتدى على الاراضي التركية والأردنية واخترق الاجواء العراقية، لكن ما زالت الجبهة مع اسرائيل هادئة وهذا قد يكون احد اسرار صمود بشار الاسد لان الهدف هو تدمير الجيش السورى !
وتدور رحى معارك قوية على التراب السوري بين الجيش الحر وجيش الأسد وقوّاته وشبيحته، ويدور في الآن ذاته لغط سياسي كبير حول سوريا دوليا وإقليميا، وهو لغط تفترق فيه المواقف والسياسات، كما تختلف فيه الرؤى الحاضرة لطرق الحل وتتناقض الوسائل والأساليب لتحقيق أهداف غير متفقة ولا متوائمة بسبب العجز الدولي المتعثر دائما بالفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، والمعاق لأسباب كثيرة خارجه.
الجيش السوري الحرّ يثير الإعجاب حقا فهو يؤكد مرة بعد مرة أنّه ممثل حقيقي على الأرض للشعب السوري الرافض بتاتا لنظام بشار الأسد وعصاباته، وهو بعملياته وبدعم الشعب له يحقق النجاح تلو النجاح في معارك لم تحسم الحرب بعد ولكنّها تزيد أرصدته وتضعف مواقف الأسد، وتخلخل بنى جيشه وأجهزته الأمنية والقمعية.
لم تزل المعادلات والتوازنات الدولية تراوح مكانها تجاه الوضع في سوريا، ولم يزل الفرقاء يفتشون عن مخرج ما يحفظ للجميع مصالحهم ومكانتهم الدولية من روسيا الاتحادية إلى الولايات المتحدة، ومن سوء حظ الشعب السوري أنّه أصبح مركز صراع دولي لا شأن له به ولكنّ عليه أن يتحمل كل تبعات انتظاراته ومشاوراته وموازناته حتى يحظى بحل حقيقي ينهي المشكلة ويقضي على النظام الأشد وحشية في العالم المعاصر.
رؤية بشار الأسد لجرّ البلاد إلى حرب أهلية وأوهامه بخلق دولة علوية في جبال العلويين لم تحظ بدعم مثل التردد والاضطراب الذي يشهده العالم اليوم والقوى المؤثرة فيه تحديدا تجاه سوريا، فكل ما يجري دوليا هو أقوال يتصاعد صخبها ولكن بلا أفعال، تعلو فيها نبرات الخطاب ويشدّد فيها على بعض الصياغة اللغوية الغاضبة ولكن شيئا منها لا ينتقل من القول إلى الفعل، نسمع جعجعة ولا نرى طحينا.
في ظل هذا الوضع تبدو سوريا اليوم كخط حرب باردة جديدة بين المتصارعين العالميين السابقين، الغرب والشرق، أو الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، مع قوى إقليمية مختلفة هذه المرة فيها إسرائيل وإيران وأطرافها والمحور الأصولي جديد التشكل مع القوى المستقرة والثابتة التي كانت منخرطة سابقا في محور الاعتدال. إن سوريا ليست فيتنام ولا أفغانستان، وبالتأكيد ليست البوسنة والهرسك، إن ما يجري في سوريا لا تحدده المجازر وحجمها وإن أثرت في تحريكه وحلحلته ولكن تؤثر فيه مصالح الدول العظمى وصراعات دول الإقليم، قديمها وحديثها، وهي مصالح تدار في مرحلة انتقالية ذات أثر كبير على العالم والمنطقة قبل أن يكون على سوريا، والآثار التي سيتركها هذا الصراع الدموي الممتد على كامل الخريطة السورية ستبقى عميقة وكلما تأخر الحل ضربت بجذورها أكثر فأكثر وأصبحت مهمة النجاة منها لاحقا أصعب وأكثر تعقيدا وأكلافا.
سيسقط نظام الأسد ولكن المعارضة السورية حتى اليوم تظل مشتتة بلا راعٍ، مختلفة بلا تنسيق، وسيصبح العالم المتردد جزءا من جريمة تفشي الأدواء المتخلفة في العالم العربي انطلاقا من سوريا، فستنطلق الطائفية بلا عنان والقبلية بلا وثاق وقل في الإثنية مثل ذلك، وكل هذا سيكوّن مشهدا جديدا سيدفع الجميع ثمنه ولن يقتصر تأثيره على السوريين والصراعات القائمة حاليا.
بعد سقوط بشار الأسد مطروحًا بقوَّة على الساحة، خصوصًا مع المعلومات التي راجت بشأن محاولة الأسد تهريب عائلته للخارج، ومن قبل ذلك تهريب كميات كبيرة من الأموال الخاصة بكبار المسئولين عبر لبنان إلى بنوك أوربية..
الخطب التي ألقاها بشار الأسد والتصريحات التي أدلى بها منذ اشتعال الأزمة، تؤكد أنه لم يكن يتوقع تطور الأحداث بهذا الشكل، وأنه مثل بقية حاشيته فوجئ بتزايد التظاهرات وإصرار الثوار على مواصلة طريقهم، رغم التوحُّش الذي يواجهونه من قبل كتائب النظام النصيري..
من أهم التطورات التي شهدتها الأحداث في الفترة الأخيرة تمكن الجيش الحر من كسب عدد أكبر من الأنصار، والاقتراب بعملياته من العاصمة المحصنة، وتنفيذ عمليات قرب مناطق حساسة مثل المطار، والاقتراب بشدة من قصر الرئاسة، وهو تطور نوعي خطير أربك النظام، حتى إنه أجرى تعديلات عسكرية على أرفع المستويات, ومع ذلك فالجيش الحر يتعامل بواقعية ويعرف الأسلوب الأمثل لمواجهة النظام، والتي ينبغي أن تكون بطريقة حرب العصابات، فهو لا يتباهى بالسيطرة على منطقة قريبة من دمشق، ولا يستنكف من الانسحاب منها وإعادة الكرة مرة أخرى، مدركًا أنه بهذه الطريقة يستنفذ جهد الطرف الآخر ويدفعه للانهيار..
التصريحات الأخيرة لقائد الجيش الحر أكدت على مجموعة من الثوابت، لعل من أهمها أن الثورة وأهدافها أبعد ما تكون عن الطائفية، وأنها تشمل كافة طبقات وطوائف الشعب السوري، وأنهم في الجيش الحر يؤكدون على أن هدفهم الأسمى حماية التظاهرات السلمية، كما أكد على عدم التدخل في السياسة عقب انهيار النظام، وأنهم سيتركون ذلك لأهل السياسة، ويتفرغون لدورهم في الدفاع عن الوطن.
في نفس الوقت، هناك مخاوف من اندلاع حرب أهلية اعتمادًا على انحياز العلويين لبشار، مع ورود أنباء عن حشد بشار للسلاح وللأنصار في مناطق العلويين؛ لتنفيذ هجمات من هناك في حال سقوط دمشق. صحيح أن بعض العلويين أعلنوا براءتهم من بشار، ولكن لا شك أن هناك أصحاب مصالح وأجندات طائفية سيقفون معه حتى يتيقنوا من هلاكه..
ومع ذلك فإن السيناريو المنتظر بعد سقوط بشار ليس بالقتامة التي يتصورها البعض؛ لأن السُّنَّة غالبية ساحقة في سوريا، ومن الطبيعي أن يسيطروا على مقاليد الحكم دون اضطهاد لإحدى الطوائف، رغم ما عانوه طوال سنوات حكم النصيريين؛ ليس فقط لأن ذلك من العدل الذي يدعو دينهم إليه، ولكن لأن ذلك ما سيكفل استمرار وحدة الدولة واستقرارها, كما أنه لا خوف من اختلافات المعارضة الفكرية، فهي متفقة جميعها على الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام، وبعد ذلك -وكما حدث في بقية دول الربيع العربي- يختار الشعب من يمثله عن طريق انتخابات حرة.
ومن هنا ينبغي الحذر من محاولات النظام السوري لتفجير الخلافات بين المعارضة، فهي الورقة الأخيرة في يده، وسوف يراهن عليها قبل سقوطه الوشيك بقوَّة، ولعل محاولاته استقطاب جماعة الإخوان وعرض بعض المناصب الوزارية عليها يدل على ذلك, ومن المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة المزيد من العروض، والمزيد من محاولات شق الصف.
سوريا أحد الأركان الرئيسية في العالم العربي، وانهيار نظام الأسد سيعيد هذا الركن الأصيل للعالم العربي بعيدًا عن التحالفات المشبوهة مع إيران وحزب الله أصحاب المشاريع الطائفية، ولعل موقف سوريا الأسد من النظام العراقي في عهد صدام ووقوفها إلى جانب إيران - خير دليل على خيانتها لعروبتها التي يتفاخر بها الأسد وأنصاره السُّذَّج، الذين ينخدعون بالشعارات الوهمية التي يروج لها النظام؛ من أجل البقاء على مقاعد السلطة أكبر وقت ممكن، ولخدمة أهدافه الطائفية في المنطقة.
إن نظام الأسد لم يحارب السنة ويقمعهم في سوريا فقط، ولكن أيضًا في لبنان التي ظل صاحب الكلمة العليا فيها لسنوات طويلة, وعندما شعر بأن البساط سيسحب من تحت أقدامه، أشعل حرب الاغتيالات لإجبار السُّنَّة على الخضوع له والرضا بسيطرة حزب الله على مقاليد الأمور، رغم أنهم وأنصارهم يمثلون الأقلية، تمامًا مثل نظام الأسد في سوريا.. فهل آن للحق أن يعود لأصحابه
يدير الجيش السوري الحرّ معركة كبرى في حلب وهي بالتأكيد معركة مختلفة عن معارك دمشق السابقة، فحلب تقع في أقصى الشمال السوري والمناطق بينها وبين الحدود التركية واقعة منذ زمن بيد الجيش السوري الحرّ يتحكم في حراكها ويؤمن طرقها ما يضمن له تمويلا مستمرا بعكس قوّات الأسد المقبلة من دمشق والتي يسهل على الجيش الحرّ قطع طرق إمدادها ومهاجمتها والتقليل من فاعليتها وقدراتها التدميرية.
يخوض الجيش الحرّ معاركه ضدّ النظام وفق «حرب العصابات» التي من الواضح أنّه بدأ يتقنها أكثر من ما مضى، وبدأ مقاتلوه يعرفون كيف يكرون ويفرون وفقا لهذه الطريقة التي هي أنجع بكثير بالنسبة لهم من مواجهات عسكرية تقليدية بين جيشين يدافعون فيها عن مواقع ثابتة بل إنهم سيخسرون كثيرا حين يفكرون في عمل كهذا.
بناء على ما سبق فإن سوريا ما بعد الأسد سيكون لها مكانة مختلفة تماما عمّا كانت عليه سوريا تحت رئاسته، وستكون إيران أكبر الخاسرين وسيخسر معها كل ذيولها المنتشرة في المنطقة من العراق إلى لبنان وحزب الله حيث أقدمت إيران في ظل سعارها المحموم لدعم الأسد في معركة خاسرة بكل المقاييس على كشف هذا الحزب طائفيا حتى لدى بعض الذين استطاع خداعهم سابقا من مثقفين وإعلاميين وساسة عبر شعارات جوفاء كالممانعة والمقاومة وبقية الأكاذيب التي تكشّفت عن معدن طائفي محض وسيعاني حزب الله كثيرا في أي نشاطات مقبلة مع قيام دولة معادية له في سوريا ما بعد الأسد.
وعلى الجهة الأخرى في العراق ومع الطائفية المتفشية برعاية إيرانية منذ 2003 سيواجه العراق دولة سورية لا تكنّ لحكومة العراق أي ود أو حسن جوار، وامتدادات القبائل العربية السنية على طرفي الحدود فاعلة وقد أجبرت المالكي على فتح الحدود لبعض اللاجئين السوريين، وهو أمر سيكون على العراق أن يحسن التعامل معه الآن وأن ينأى بنفسه عن محرقة إيران التي ترمي فيها كل شيء لإنقاذ الأسد.
جيد أن يحاول أصدقاء سوريا العرب وغيرهم أن يتحركوا دبلوماسيا في المؤسسات الدولية لخلق مواقف كاشفة بل فاضحة للدول الداعمة لنظام الأسد، ولكنّ الأجود والأصحّ الذي أثبتته الأيام والأحداث هو أنّ المعركة في سوريا تحسم على الأرض بأيدي السوريين وسواعدهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.