هذه بعض العناوين التي جالت بخاطري طوال خمسة عشر يوما قضيتها في ميدان التحرير بين جماهير ثورة 25 يناير وحتي اليوم لعلها تعبر عما يجول في صدور الكثيرين ممن عاشوا أحداثها . ثورة العقول أثبتت ثورة 25 يناير أنها وقبل كل شيء كانت ثورة للعقول حيث أعادت تشكيل العقل المصري والعربي بشكل جديد تم فيه تغيير تعريف الممكن والمستحيل وتراجعت مسلمات كثيرة وأنماط تفكير سابقة . أعادت الثورة للعقل حيويته بعد أن رجَّته رجَّا فأعادت من خلاله فرز الأفكار . لقد اتخذت من عقول الجماهير هدفا وصاغت من القول والفعل ادوات احدثت زلزالا غيَّر قناعات الجماهير لتنتقل من الشعور بالعجز الي الايمان بامكانية الفعل والانتقال من موقع المتفرج إلي موقع الفاعل , لقد زلزلت العقول ومن ثم غيَّرت خارطة الفعل السياسي والاجتماعي في مصر . شيخوخة الأمة عندما تسود ثقافة " القيادة الأبوية " ووصاية الكبير علي الصغير تعجز الكثير من الأمم عن مواجهة التحديات والولوج الي الحضارة لأنها سوف تُبتلي بأجيال ممسوخة لاتبادر ولا تطرح حلا منتظرة قرار وتوجيهات "الأب " إن الأمم تشيخ وتهرم عندما تصاب بشيخوخة الفعل وتفقد إحساسها بعامل الزمن وهذا ما حدث بمصر طوال ال 30 سنة الماضية حيث قام إبن الأربعين بالأفعال التي من المفترض أن يقوم بها إبن العشرين وتقلد من جاوز الستين المواقع التي يجب أن يتقلدها إبن الأربعين , هذا الترحيل أدي إلي شيخوخة الأمة علي مستوي الأهداف والاستراتيجيات والأداء وعلي مستوي صناعة الرموز في شتي المجالات . إن الأمة سوف تستعيد مجدها وقوتها إذا أدركت مؤسساتها خطورة هذه الهوة بداية من مؤسسة الحكم وانتهاء بمؤسسة الأسرة . البلطجة الفكرية سادت "البلطجة الفكرية " المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية طوال ال 30 عاما الماضية واستخدمت أبشع الأسلحة المحرمة إنسانيا لاغتيال العقول وتغييب وعيها ولم يعد هناك حوار سوي من طرف واحد فقط يقول " لا أريكم إلا ما أري " وسُمح بحرية الكلام الذي لا يؤدي إلي فعل والصُراخ الذي يُفرغ ما في الجوف من غضب . لقد كان المسئولون الكبار يرددون علي الدوام أنهم " سكرتارية عند الرئيس " , لقد استعان النظام بكتائب الردع الفكري للوقاية ممن أطلق عليهم " حاملوا الأجندات الأجنبية " و " القلة المندسة " ورأينا أولئك النفر ممن يعتلون أكبر مؤسسات مصر الصحفية والإعلامية يطلقون القذائف الفتاكة لقتل الجماهير نفسيا واغتيالهم معنويا باتهامهم بالعمالة لإيران وحزب الله وحماس . إن بلطجية الفكر هؤلاء يجب اجتثاثهم من مؤسسات الدولة حتي تتعافي ويسترد الشعب وعيه من جديد . الطريق الطويل " أمامنا طريق طويل وشاق ونريد العمل خطوة خطوة " إن ترديد هذه المقولة أشبه بالمسكن أو المخدر الذي يسبب مناعة ضد الفعل وخاصة أننا ورثناها طوال السنين الماضية حتي أصبحت مصطلحا أو أنشودة ندندن بها , فلا أفكار جديدة ولا إبداع لأن الطريق طويل , ولا تتغير الاستراتيجيات لأن الطريق طويل ولا يجب أن نتطلع إلي تقدم أو رقي حيث أن الطريق طويل . هناك الكثير من الأمور تحتاج إلي حسم سريع وقرار أسرع لأن "الوقت لا ينتظر " ولا يجب أن يسود هذا المصطلح الآن لأن فلول النظام تعمل بدأب وتراهن علي الزمن فالمسألة بالنسبة لهم حياة أو موت وهي لا زالت موجودة في أخطر مؤسسات الدولة . إن نهاية الطرق لا تزحف إلي السائرين ببطء وإنما يعدو نحوها العدّاؤون الذين يوقنون أنهم في سباق , فالمشكلة إذن ليست في الطريق الطويل أو الخطوات المتدرجة بقدر ماهي في عقل ونمط تفكير وحجم واستعداد من يطلق هذا المصطلح . الإنطلاقة الفتية إن عجلة التغيير لن ترجع إلي الوراء ولن تبرح حتي تبلغ مجمع البحرين ولن تقبل بأنصاف الحلول ولن تُبني علي الأنقاض بل علي أساس متين وسليم لأن البناء علي الأدوات المتهالكة هو عين الهدم . يتردد الأن مصطلح " دع الموجود يسيِّر الأمور " حتي تقف البلاد علي رجلها , لكن كيف يُسيِّر الفاسدون الامور وقد بلغ فسادهم اعلي "الركب " , وكيف نبني علي بنائهم المتهالك ونحن نريد انطلاقة فتية نظيفة وقوية وصاعدة ومحلقة في السماء لأن ما بني علي باطل فهو باطل ولا يمكن للانطلاقة أن تكتمل دون التخلص من كل بقايا العهد البائد . حراسة الثورة لابد من حراسة الثورة من السرقة وأهم عوامل حراستها هو استمرارها دون أن تخبو . لابد للثورة أن يكون لها تواجدها في كل مكان ويمكن استدعاؤها في أي وقت حتي تتحقق الأهداف وأي نداءات لصرف الجماهير المطالبة بحقوقها المسلوبة بحجة أن الدولة تخسر هو من قبيل مد أجل الفساد وإعطائه الفرصة للتجمع من جديد , لقد كانت الدولة تنهبه نهبا منظما قبل قيامهم وهم قد خرجوا ليوقفوا هذا النهب . لقد كسرت الجماهير حاجز الخوف منذ كسر النظام حاجز الصوت فوقهم بطائرات ال f16 . ومن يطالب بصرف الجماهير التي تطالب بحقوقها الآن عليه بدلا من ذلك الاستماع إليهم ورد المظالم لهم . صناعة الأمل هذه الثورة انتزعت الأمل من فم المستحيل فرغم أن النظام كان مهترئا وفاسدا وآيلا للسقوط بعد أن انتهي عمره الافتراضي إلا أن أكثر الناس تفاؤلا لم يكن يتوقع سقوطه بهذه السرعة , وأثبتت الثورة أن صناعة الأمل هي من الصناعات الثقيلة التي يجب أن نتعلمها وأعتقد أن الثمانية عشر يوما التي هي عمر الثورة كانت كافية لصناعة الأمل بعد أن دبَّ اليأس في نفوس الناس طوال ثلاثين عاما. بقلم م/فتحي شهاب الدين [email protected] http://shehabuedin.yammh.com