على كرسي متحرك، مطران الفيوم يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب (صور)    مسيرة لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب بقنا | صور    حركة تنقلات بين مديري ووكلاء الإدارات التعليمية في الشرقية (الأسماء)    طن الشعير الآن.. سعر الأرز اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في الأسواق    مدبولي يشارك في منتدى الاستثمار والتجارة المصري الخليجي لتعزيز الشراكة الاقتصادية    رغم مشتريات الأجانب.. هبوط مؤشرات البورصة في منتصف جلسة تداولات اليوم    وزير النقل الإيطالي: نتعاون مع مصر لدعم مسار التجارة إلى أوروبا    وزير النقل: ربط مصر بالدول العربية والأفريقية والأوروبية يحقق تكاملا اقتصاديا حقيقيا    معلومات الوزراء: المهارات المطلوبة لسوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة    حماس: ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار ونزع ذرائع إسرائيل    منال بركات تكتب: براءة هتلر من دم اليهود (2)    واشنطن تتفادى الأزمة.. رويترز: مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    بعد فضيحة تحريف خطاب ترامب.. دعوة لتعزيز الإشراف على المعايير التحريرية في بي بي سي    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    ترامب يستقبل أحمد الشرع في أول زيارة رسمية لرئيس سوري لواشنطن منذ 1946    إطلاق قافلة زاد العزة ال69 بحمولة 7300 طن مساعدات إنسانية إلى غزة    4 مدربين أجانب على طاولة الزمالك، وعودة اسم الرمادي ومؤمن سليمان ضمن الترشيحات    في عيد ميلاده ال41.. مشوار وبطولات أحمد فتحي نجم الكرة المصرية    الإصابة تحرم مدافع إنجلترا من مواجهتي صربيا وألبانيا    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    «الداخلية» تضبط صاحب كيان تعليمي وهمي بالقاهرة بتهمة النصب على المواطنين    ضبط شخص لإطلاقه أعيرة نارية وممارسة البلطجة في شبرا الخيمة    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    بعد الوعكة المفاجئة .. نتائج تحاليل الفنان محمد صبحي مطمئنة وحالته تشهد تحسنا ملحوظا    فاصوليا بيضاء بالأرز على مائدة محمد سلام!    الثقافة تحتفل باليوم العالمى للطفولة بفعاليات متنوعة تحت شعار أبناؤنا فى متاحفنا    «القوس» هيقع في الحب وتحذير ل«السرطان» من قرارات مالية.. توقعات الأبراج لهذا الأسبوع    «توت عنخ آمون» تواصل خطف الأضواء من باقي قاعات المتحف المصري الكبير    الرعاية الصحية: رفع درجة الاستعداد ب285 مركزًا ووحدة طب أسرة و43 مستشفى لتأمين انتخابات النواب    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "السلم والثعبان - لعب عيال" بحضور صناع العمل    غرق مركب صيد أمام سواحل محافظة بورسعيد وإنقاذ صيادين    انتخابات النواب 2025.. شلاتين تشارك في العرس الديمقراطي وتحتشد أمام اللجان| صور    رضا عبد العال: بيزيرا "خد علقة موت" من لاعبي الأهلي.. ويجب استمرار عبدالرؤوف مع الزمالك    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    مشاركة نسائية ب«لجان 6 أكتوبر» مع انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    اندلاع حرائق مفاجئة وغامضة بعدة منازل بقرية في كفر الشيخ | صور    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    الداخلية تضرب بيد من حديد.. حملات أمنية ومرورية مكثفة على مستوى الجمهورية    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    بدء التصويت بالداخل في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025    الهدوء يسيطر على سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الاثنين 10-11-2025    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سرطان الزجاج
نشر في المراقب يوم 24 - 02 - 2011

للوهلة الأولى بهرنى مبنى الركاب «الجديد» رقم 3 كما بهر كثيرا من الناس وقلت فى نفسى أنه ربما يكون ممكنا أن يولد شىء طيب من رحم نظام ردىء، وبدأت أفكر فى الدكتور أحمد شفيق الذى أشرف على إنجاز هذا المبنى وغيره من تطويرات مطار القاهرة ومطارات أخرى كاستثناء محتمل فى نظام الاستبداد والفساد المخلوع، فالرجل يبدو أنيقا رقيقا وحاصلا على درجة دكتوراه مرموقة، لكننى مع تكرار ذهابى إلى ذلك المبنى مسافرا ومستقبلا راح يساورنى شىء من الشك فى وجود «حاجة غلط» فى هذا المبنى الباذخ وما وراءه، وكان سرطان الزجاج الذى رأيته فى آخر زيارة لى للمطار وقد ضرب أحد الألواح الكبيرة فى واجهة المبنى البلورى بمثابة ضوء كاشف لما ساورنى من شكوك.
بداية أقرر أننى كثيرا ما كنت أفكر فى خلطة النظام الساقط كتكوين من عنصرين، عنصر إجرامى يمارس الفساد بوعى فيخطط له ويدبر ويربِّط ويُنفِّذ، وإلى هذا العنصر ينتمى ناهبو أرض الدولة ولصوص الخصخصة وأبواق النفاق ومُزورو الانتخابات ومُلفقو القوانين ومُحركو عصابات البلطجة وأشباح تنظيم الترويع الأمنى السرى الذى تردد أنه كان يُدبّر بواسطة وريث الغفلة وخبرة وجوه معتقة الإجرام السياسى والأخلاقى عايشت كل العهود.
أما العنصر الثانى فى خلطة ذلك النظام فقد يكون حسن النية لكنه يصب بممارساته فى دائرة التدمير العام نتيجة مجاراته لما هو سائد من حوله ولو بشكل لا شعورى أو نتيجة منطق خاطئ فى تسييره للأمور التى بحوزته، وفى النهاية يكشف ما كان مبهرا من أعماله عن وجه آخر كان خافيا عنه هو نفسه، خفاء سرطان الزجاج وراء السطوح البراقة!
و«سرطان الزجاج» تعبير له مرادفات أخرى مثل «التهشُّم الذاتى للزجاج» أو «كعب أخيل البلور»، وهو يرتبط تحديدا بالزجاج «المُقسَّى» المستخدم فى السيارات وواجهات الأبنية الحداثية، والمفارقة أن تقسية هذا الزجاج هى المنفذ السرى الذى يتسلل منه هذا السرطان، ويحوِّل شفافية الزجاج الفاخر فيما بعد، ودون أى سبب خارجى، إلى عتامة بيضاء لهشيم مُعلَّق يتكون من شظايا متجاورة فى شكل يماثل عش عنكبوب كثيف وشديد الخطورة إذا انهار بثقلة وحوافه الحادة وزواياه المسنونة على من يقع فى مرمى انهماره.
منذ 45 سنة ومع تكرار ظهور حوادث التحطم الذاتى لزجاج واجهات الأبنية العالية الحديثة فى الشمال المتقدم، بدأ البحث عن سر هذه الظاهرة، وتوصل الباحثون إلى أن مرجعها وجود شوائب متناهية الصغر من بلورات كبريتيد النيكل فى قلب الزجاج المُقسَّى، وهى تنتج بفعل حرارة الصهر المرتفعة من تفاعل الكبريت المستخدم فى صناعة الزجاج مع النيكل الذى ربما تكون مصادره معادن أوانى حفظ المادة الخام أو أدوات النقل أو الأفران أو البواتق الملتهبة.
هذه الشوائب الدقيقة من بلورات كبريتيد النيكل لها خاصية استثنائية، فهى تتمدد مع انخفاض حرارتها، ويحدث أن البلورات المتكونة فى حرارة مرتفعة أثناء التصنيع تكون ساخنة وفى حالة انكماش، وتظل على انكماشها بالرغم من عملية التبريد السريع بأدشاش الماء البارد للألواح الساخنة فى مرحلة التقسية، فالزجاج مادة محدودة التوصيل للحرارة، لهذا لا يصل التبريد السريع بكفاءة إلى قلب الزجاج الذى يكون سميكا فى العادة، ولا يحدث تغيُّر لبلورات كبريتيد النيكل المنكمشة فى الأعماق.
لكن مع الوقت والذى يصل أحيانا إلى بضع سنوات، تصل البلورات إلى درجة التبريد بينما تكون ألواح الزجاج معلقة فى أطر الواجهات أو السيارات، فتتمدد، وتُحدِث كل بلورة مُتمدّدة شرخا فى المادة الصلبة من حولها، ويتوالد من هذا الشرخ الأولى شروخ تمتد وتدور مفتتة لوح الزجاج ومحولة إياه إلى هشيم شديد الخطورة ينتظر لمسة صغيرة أو هبة هواء ليضرب الوجوه أو ينهمر على الرءوس والأعناق !
هكذا كشفت لى عتمة لوح الزجاج المتسرطن فى الواجهة البلورية للمطار الجديد ما أعتقد أنه جرثومة فى منطق تشييد هذا المبنى بالطريقة التى شُيِّد بها، وهى جرثومة شاعت فى إعمار وإقفار سياسات وممارسات النظام السابق، ولا أعنى هنا الممارسات الإجرامية التى مارسها مجرمون حقيقيون بوعى وخبث وتدبير شيطانى من سلب ونهب وتزوير وترويع ونفاق وكذب، بل أعنى الممارسات الخاطئة ولو بحسن نية فيما تصور أصحابها أنهم يحسنون بها صنعا بينما كانوا يسيئون، ودليلى على ذلك منطق تشييد مبنى الركاب رقم 3 فى المطار الجديد.
طبعا سيسارع البعض متسائلين باستنكار: وهل كان المطلوب أن نتخلف عن العالم فلا نمتلك مطارا مدنيا جديدا حديثا أو شبكة مطارات على شاكلته تليق بمقام مصر السياحى والحضارى؟ وهو سؤال لن يكون إلا سطحيا وينبغى الرد عليه بما هو أعمق، فالمسئول المسئول لا يمكن له أن يؤدى عملا حسنا حقيقيا إلا من خلال وعى شامل وعميق وصادق بواقع أمته، يجعله يرتب الأولويات بلا مجاملة ولا تصنع ولا مماشاة لذوق التسلط الفاسد الذى كان سائدا، ولابد من مراعاة منطق التنمية المستدامة فى كل ذلك، مع النظر بعين الاعتبار، كل الاعتبار، للحفاظ على البيئة من حيث ترشيد استهلاك الطاقة على وجه الخصوص. ومبنى الركاب رقم 3 فى المطار الجديد الذى أنجزه الدكتور شفيق كان يجافى ذلك. كيف؟
لقد انتشر استخدام الزجاج كمادة تشييد فى الأبنية الحداثية فى الغرب والشمال المتقدم عموما بمنطق مقنع، لأنها بلدان باردة الطقس والزجاج المُقسَّى والمزدوج خصوصا مفيد فى الاحتفاظ بالحرارة المتولدة عن طريق التدفئة الصناعية داخل الأبنية وقتا أطول ومن ثم يوفر فى استهلاك الطاقة أما فى المواسم القصيرة المشمسة هناك، فيكفى تفتيح النوافذ المدروسة فى تصميمها اتجاهات الريح للحصول على تهوية طبيعية أو تكييف بدرجات قليلة تقتصد فى استهلاك الطاقة. أما لدينا، فالعكس بالعكس تماما!
ففى مناخ حار معظم أوقات السنة تحوِّل الواجهات الزجاجية جوف الأبنية إلى صوبات زجاجية تتراكم فيها الحرارة وتزهق الأرواح فلا يكون هناك ملاذ إلا باستخدام التكييفات الصناعية بكثافة تلتهم المزيد من الطاقة التى هى ناضبة لدينا أو مبيعة بالعمالة والعمولة وبأبخس الأسعار لأعداء لم يثبت أبدا أنهم يريدون لنا أى خير. وهذا الاستهلاك العالى للطاقة يناظره تلويث موازٍ للبيئة. كما أن تشييد مبنى كهذا بمواد مستورَدة بأثمان باهظة ويتحتم تجديدها كالزجاج المُقسَّى، فهو معبَر مفتوح ليس لتلوث البيئة هذه المرة، بل لتلوث الضمائر، وترويج كذب المظاهر!
نعم كذب، ففى دولة مثل مصر بثقلها السكانى الكبير كان ينبغى أن تكون الأولوية للتنمية الزراعية التى تطعم الناس كفاف خبزهم، لكن قصر نظر المنطق الخاطئ فى التنمية، كما اللامنطق الفاسد فى عمليات السلب والنهب، تآزرا لتكون الأولوية لقطاع البناء المجافى فى مجمله لخصوصية وسلامة البيئة، ومعه السياحة العشوائية والصناعات التجميعية التافهة والأخرى شديدة التلويث للبيئة والنهمة فى استهلاك الطاقة التى كانت مدعومة للمحاسيب بقرارات الاستبداد والفساد كصناعات الأسمنت والأسمدة والحديد التى كانت عيونها الجشعة لا تتطلع إلا إلى الخارج لتصدير منتجاتها، وإيداع عوائدها فى البنوك الأجنبية.

مبنى الركاب رقم 3 فى المطار الجديد لم يخرج عن إطار تلك المنظومة للحكم السابق وإن فى أفضل جوانبها. وبرغم احترامى لأناقة وطاقة الدكتور شفيق فى أدائه السابق إلا أننى أشك فى قدرته على قيادة حكومة إنقاذ، فمصر فى حاجة لحكومة إنقاذ قبل أى شىء آخر، حكومة تأخذ بجوهر الجوهر وبأولويات الأولويات الآن، أمنا وطعاما وعدلا وحرية، وتطوُّعا مُنكِرا للذات فى مهمة تضحية أولا وأخيرا، حكومة إنقاذ لا يكون وزراؤها مأمورين بل مُجادلين بالحق ومقاتلين فى صدق وحُسن الأداء.
لا أحد يتمنى لأحد فشلا فيما يمكن أن يؤدى إلى خير الأمة، حتى لو كانت وزارة يرفضها مثلى عقلا وعاطفة، خاصة فى ذلك الفاصل الزمنى بين الألم الكبير والأمل الكبير، لكن إذا كان هناك بُدٌ مما ليس منه بُد، فليكن هناك إعلان وزارى عما تعتزم هذه الوزارة إنجازه ومواقيت الإنجاز ودور كل وزير فى ذلك، فبغير ذلك لن يكون هناك غير أبنية معطوبة فى منطق تشييدها وإن تكن براقة الواجهات، وفى قلب بلورها المُخايل تختبئ شوائب بلورات كبريتيد النيكل كقنابل موقوتة تُفجِّر سرطان الزجاج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.