ماذا يكون شعور المواطن المصري حين يقرأ في الأخبار أن المحكمة الوطنيةالإسبانية أطلقت سراح رجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم بعد دفع كفالةقدرها 27 مليون يورو (نحو 40 مليون دولار أو ربع مليار جنيه مصري)، وهيالخطوة التي تم اتخاذها بعد إعلان السلطات الإسبانية تجميد 32.5 مليون يوروفي حسابات الرجل، ومصادرة عقارات أخرى له بقيمة عشرة ملايين يورو، إضافةإلى مصادرة خمس سيارات فارهة مملوكة له. المصادرة تمت في الأسبوع الماضي،والكفالة دفعت يوم الجمعة 17/6، بما يعنى أن الحكومة الإسبانية وضعت يدهاعلى ما يعادل 120 مليون دولار من أموال الشعب المصري التي أخفاها الرجل فيإسبانيا وحدها، ولم تعرف بعد أرصدته الأخرى في أنحاء أوروبا والولاياتالمتحدة وإسرائيل. وإذا كان ذلك رصيده في دولة واحدة، فلك أن تتصور الحجم المهول من الأموالالتي نزحها طوال عهد الرئيس السابق سواء من خلال بيع الغاز المصري لإسرائيلوتجارة السلاح، أو المشروعات والمنتجعات والشركات التي ظل يستأثر بها،مستثمرا علاقته الخاصة جدا مع الرئيس السابق وأسرته. وهذه النقطة الأخيرة بالغة الأهمية، لأن حسين سالم لم يكن مجرد رجل أعمالعلى صلة وثيقة بالأجهزة الأمنية، ولكنه كان رجل مبارك في عالم «البيزنس». وثمة لغط مثار منذ سنوات طويلة حول طبيعة تلك العلاقة والمدى الذي ذهبت إليه، حتى إن البعض يتحدث منذ عدة سنوات عن «شراكة» بينهما. وعن أن تفاصيل العلاقة لا يعرفها خارج نطاق الأسرة غير رجلين اثنين همااللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق، والدكتور زكريا عزمي رئيسديوان الرئاسة. ما نعرفه في القانون أن الكفالة تودع في خزينة المحكمة لمنع المتهم منالهروب، وهي تتحدد في ضوء أحد اعتبارين إما حجم ثروته أو طبيعة الجريمةالتي ارتكبها، ولأن ما نسب إلى الرجل من جرائم لم يتم التحقيق فيه وبالتاليفلم تتم إدانته قانونا، فلم يبق إلا العامل الآخر الذي يعنى أن هذا المبلغالكبير حكم به عليه بالنظر إلى ثرائه الفاحش. حالة حسين سالم تجسد نماذجالرجال الذين أحاط بهم الرئيس نفسه، وأطلق لهم العنان لكي ينهبوا البلدويمصوا دمه وينهشوا لحمه، ولأنهم كانوا فوق الرءوس وفوق القانون، فقدتوحشوا وافتروا، إذ فتحت لهم كل الأبواب وقدمت لهم كل التسهيلاتوالاستثناءات. كل رجال الرئيس فعلوا ما فعله حسين سالم، مع اختلاف الحظوظبطبيعة الحال، والكفالة التي حكم بها على الرجل دالة على مدى تكدس البنوكالغربية بالأموال التي نهبها أولئك الرجال من دم المصريين وعرقهم طوالالثلاثين عاما الماضية. الأمر الذي يعيد إلى الضوء قصة الأموال المهربةوالجهد المبذول لاستردادها وإعادتها إلى الشعب صاحب الحق الأول فيها. ولا مفر من الاعتراف هنا بأن الجهد الرسمي الذي بذل لاسترداد تلك الأمواللم يكن بالقوة أو السرعة اللتين تقتضيهما الحال. إننا نعلم أن الأممالمتحدة أقرت في عام 2003 معاهدة منع الفساد وغسيل الأموال. بضغط منالولايات المتحدة والدول الغربية لمراقبة ومصادرة الأموال التي قيل إنهاتمول الإرهاب. وكان ذلك ضمن إجراءات الحرب على الإرهاب التي اتخذت في أعقابأحداث سبتمبر عام 2001. وبسببها أجبرت البنوك الغربية على الكشف عن حساباتعملائها تنفيذا لتلك الاتفاقية التي لا يزال مفعولها ساريا إلى الآن. صحيح أن ثمة إجراءات قانونية يجب الالتزام بها في الحالة التي نحن بصددها،لكن لا أحد ينكر أن الضغوط السياسية التي تمارسها الحكومة تظل صاحبةالتأثير الأكبر في حسم المسألة، وهو ما يدعو رجال القانون المعنيين إلىضرورة اللجوء إليه دون تردد أو تراخ. أدري أن حبال الصبر عندنا طويلة في مصر ما بعد الثورة، وأن الهم ثقيلوالأولويات تتأرجح كل حين، لكننا في حالة الأموال المهربة صبرنا بأكثر مماينبغي، ولم يقدم لنا تفسير مقنع لذلك، من ثم فينبغي أن يقدر شعور المواطنالمصري إذا ما أساء الفهم في هذه الحالة.