عرفنا في النظام البائد مَن كان يُطلق عليهم وزراء الأزمات ، هؤلاء الذين لا تظهر أسماؤهم إلا مقترنة بحدوث أزمة أو وقوع كارثة ، وكنا نظن أن الثورة أراحتنا من أمثال هؤلاء للأبد ، إلا أن الدكتور شرف وعلى ما يبدو لا يريد أن يقطع لنا عادة ، فاختار في وزارته اثنين من هذه الشخصيات ، هما الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء ، والمستشار محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل. فالدكتور يحيى الجمل- الذي تجاوز الثمانين من عمره - يبدو أنه لم يتحمل نشوة السلطة ، فراح يتصرف وكأنه الحاكم بأمره لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويتدخل فيها ، فمن التعديلات الدستورية ، إلى اختيار قيادات المؤسسات الصحفية ، مروراً بالحوار الوطني ، ثم العلاقات الخارجية ، حتى وصل إلى رئاسة مؤتمرالوفاق القومي الذي حوَّله إلى مسرحية هزلية يقوم فيها بكل الأدوار، وأصبح يدير جلسات المؤتمر كما تدار صالونات المساء ، فهو كما وصفته المستشارة الدكتورة نهى الزيني يتصرف كما لو كان المؤتمر قاصراً عليه. والدكتور (الثمانيني) الذي أتحفنا بمقولة " ان ربنا إذا نزل في استفتاء وأخذ 70% من الأصوات يحمد ربنا " - وناقل الكفر ليس بكافر- يتجاهل الآن أن أكثر من 77% من الشعب المصري وافقوا على التعديلات الدستورية بما تضمنته من إجراءات وضع الدستور الجديد عن طريق جمعية تأسيسية يختارها البرلمان المنتخب ، يتجاهل ( الفقيه الدستوري ) كل ذلك ، ويتصور أن لديه توكيلاً - ربما من شعب آخر - لصياغة الدستور الذي يريده أن يكون أولاً ، متحدياً الإرادة الصريحة للشعب ، والتي أفصح عنها في أول استفتاء نزيه في تاريخه ، وكأنه يستكثر على الشعب فرحته الأولى ويأبى إلا أن يحرمه منها. لقد تناسي "الطود الراسخ" - كما يحب أن يسمي نفسه- أنه كان من أكثر الشخصيات التي حاولت إجهاض الثورة في كافة مراحلها ، والآن بات يعد نفسه ليصبح ترزي السلطة الجديد ، في زمن لم تعد فيه السلطة بحاجة إلى ترزية. أما السيد وزير العدل - والذي ولحسن المصادفة تجاوز أيضا الثمانين - فلا يكاد يفوّت فرصة إلا ويشتبك فيها مع القضاة وأعضاء الهيئات القضائية ، فلم تلبث عاصفة إحالته اثنين من شيوخ القضاء للتحقيق أن هدأت ، حتى فاجأنا بتصريحات غريبة عن العقوبة التي تنتظر مبارك وعن عدم وجود تهم ضد سوزان مبارك ، وهذه واقعة لم تحدث حتى في أحلك الأوقات سوادأ ، فلم نعهد وزيراً للعدل تحدث عن قضية منظورة أمام القضاء أو أمام جهات التحقيق. فضلاً عن ذلك ، فإنه في الوقت الذي يُظهر فيه سيادة الوزير أنه يذوب عشقاً في القضاء ويتحرق شوقا لاستقلال الهيئات القضائية ، يتجاهل سيادته ما يدعو إليه القضاة من نقل تبعية التفتيش القضائي إلى مجلس القضاء الأعلى بدلاً من أن يظل سيفاً مشهراً في يد السلطة التنفيذية ، كما يصم الآذان عن مطالب هيئة النيابة الإدارية لتعديل قانونها بما يسمح لها بالقيام بوظيفتها في مكافحة الفساد المالي والإداري داخل أجهزة الدولة ، وأداء دورها الذي أُنشئت من أجله باعتبارها وسيلة لإصلاح أداة الحكم . ولا أدري كيف يقف المستشار الجليل - وهو وزير في حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال - حجر عثرة في طريق الإصلاح القضائي الذي هرمنا ونحن ننتظره. إن المتتبع لأداء حكومة الدكتور شرف يمكنه أن يلحظ أن كلا من الدكتور يحيى الجمل والمستشار عبد العزيز الجندي أصبحا عبئاً على الحكومة ، ففي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة دفع سفينة الوطن إلى الإمام ، يبذلان كل جهدهما لإعادتها إلى الخلف ، وإذا كان لنا لوم على نائب رئيس الوزراء وعلى وزير العدل ، فإن اللوم الأكبر يقع على الدكتور شرف الذي خرج من رحم الثورة التي قادها شباب دون الخامسة والعشرين ، فإذا به يفاجئهم بإسناد مهمة إعادة هيكلة مؤسسات الوطن إلى رجلين في الثمانينيات . إن السيد رئيس الوزراء يدرك تماماً أن أداء كل من الدكتور يحيى الجمل والمستشار عبد العزيز الجندي تحول إلى عبء على الحكومة ، فهل سينتظر سيادته إلى أن يتحول دورهما إلى عبء على الشعب وعلى الثورة. وإذا كان هناك ما يمكن قوله للأستاذ الدكتور يحيى الجمل والمستشار الجليل عبد العزيز الجندي فإننا نتمنى عليهما أن يستقيلا الآن ، قبل أن يأتي يوم يضطرهما فيه الشعب إلى تقديم الاستقالة . وكيل أول النيابة الإدارية