"لقد استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" نستعير تلك العبارات الخالدة من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ونحن في مستهل العام الهجري الجديد الذي يصادف العام أربعمائة واثنين وثلاثين عاما بعد الألف من هجرة المصطفي صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة. ويتلقي مع العام الميلادي الجديد وهو العام الحادي عشر بعد الالفين من ميلاد السيد المسيح عليه السلام. وحين يلتقي العامان الهجري والميلادي في يوم واحد.. إذ يلتقيان في اليوم الأول من يناير حيث يصادف اليوم السادس والعشرين من المحرم.. مما يؤذن بأن الاديان السماوية كلها من عند الله حيث يقول الحق تبارك وتعالي في سورة الشوري "شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسي وعيسي ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" 13 الشوري. هذه الآية تؤكد وحدة الأديان وبالتالي الوحدة والاتحاد بين اتباعها إذ لا فرق بين أتباع نوح أو إبراهيم أو بين أتباع محمد أو عيسي أو موسي. وأي إنسان يحاول بث الفرقة بين هؤلاء الاتباع فهو شخص مريض يريد زرع الفتنة للتفرقة بين البشر لكي يستمر التشتت والتفرق بين عنصري أي أمة ولذلك ينبهنا الحق تبارك وتعالي إلي هؤلاء ذوي الاغراض الخبيثة من أتباع أي ديانة سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية وآيات القرآن الكريم تلفت الانظار دائما وتنادي أصحاب العقول السليمة والفطر القويمة إلي تدبر هذه الحقيقة "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" 285 البقرة. بعد هذا التمهيد الذي أراه ضروريا.. لكي أوجه الانظار إلي الكتب السماوية التي قامت قامت بسد كل الذرائع التي يتذرع بها مثيرو الفتن بين اتباع الديانات المختلفة أو بين اتباع الدين الواحد. إذ الاصل واحد والاختلاف في الفروع لا يستدعي تلك النزعات الطائفية أو الفئوية أو المذاهب. خاصة ونحن نري النزعات تسيطر علي المتعصبين من هؤلاء أو أولئك ويجدر بنا في هذا الملتقي بين العيدين الميلادي والهجري ان ننتهزهذه الفرصة لمواجهة المتعصبين من أتباع أي دين سواء في مصر أو أي بلد عربي أو إسلامي من أقصاه لأقصاه. فقد رأينا في الفترة القليلة الماضية نزعة طائفية تستهدف النيل من وحدة عنصري الأمة وفي لبنان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية كما نري صراعاً بين أهل السنة والشيعة رغم أن كليهما ينتمي إلي الدين الإسلامي الحنيف. نريد ونتطلع إلي صحوة اسلامية مستنيرة لمواجهة هؤلاء الذين يريدون زعزعة الاستقرار والطمأنينة بين أبناء الوطن الواحد مما يؤدي إلي التخلف والتراجع للوراء وتدمير النهضة التي نتطلع إلي السعي واستخاذ كافة التدابير لكي تتضافر الجهود للحفاظ علي هذا التقدم الذي صنعه الاباء والاجداد في الزمن الجميل فقد رأينا المسلمين بكل طوائفهم مع اخوانهم الاقباط في مظاهرة حاشدة ضد قوي البغي والعدوان. ورأينا دماء المسلم قد اختلطت بدماء أخيه القبطي علي ارض الوطن. وكل ما نتطلع إليه هو الضرب بيد من حديد علي أي انسان يحاول اذكاء نيران الفتنة. الصحوة الإسلامية يجب أن تتلاقي مع صحوة من الأخوة الاقباط لاستلهام التاريخ والماضي المجيد بين أبناء الشعب الواحد ونتطلع إلي صحوة توقظ المارد الإسلامي والعربي البالغ تعداده ملياراً و500 مليون مسلم في كل انحاء العالم. وان يتم الالتقاء بينهم وبين المسيحيين في حوار اديان يركز علي جوهر السلام والوئام بين كل الطوائف والحد من نزعات التطرف لتخريب العلاقات بين المواطنين في البلد الواحد. والتصدي للأفكار التي تستهدف اثارة القلاقل بين اتباع الديانات.. حوار يركز علي الجوانب التي تحقق الاستقرار والابتعاد عن مواطن النزاع واثارة الفتنة. ان هذا العمل الجاد يساهم في تفرغ العالم إلي البناء والتعمير بعيدا عن الحروب واثارة القلاقل. خاصة ان الجميع قد شاهد وعرف مدي الاثار المترتبة علي هذا التطرف وذلك التعصب المقيت والتركيز علي أن الأديان جاءت لدعم الوحدة بين بني البشر وليست للتفرقة واثارة النزعات الطائفية أو الفتوية مع التصدي لرأب الصدع لأي خلافات قد تنشأ نتيجة تحرك دعاة الفرقة والاصطياد في "الماء العكر" كما يقولون. علي جانب اخر نتطلع إلي رجالات الازهر وأهل السنة وكذلك لعلماء الشيعة في كل الاقطار العربية والإسلامية الالتقاء علي مائدة واحدة والمبادرة بكل همة للتقريب بين أهل هاتين الطائفتين فالجميع ينتمون للدين الإسلامي الحنيف والاختلاف في الفروع والتشبث بالتعصب للسنة أو الانحياز للشيعة وهاهو الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر قد التقي في الفترة الاخيرة بعلماء من الشيعة سواء في تركيا أو ايران في محاولة لتحقيق التقارب والحد من الغلو الذي يتمسك به المتطرفون. اعتقد أنه إذا خلصت النوايا وكانت لدي الجميع من ابناء السنة والشيعة فإن الخطوات سوف تمضي إلي الامام ويتم استكمال ما بدأه الامام الاكبر الراحل الشيخ محمود شلتوت وفضيلة المرحوم الشيخ حسن الباقوري. نتطلع إلي خطوات جادة تستنهض همة العلماء وكلهم أهل ثقة ويعتز العالم الإسلامي بافكارهم وجهودهم لاجراء الأبحاث وتحري نقاط الاختلاف والاتفاق.. والالتقاء مع أهل السنة وأهل الشيعة.. والخروج بأبحاث تجمع بين مواطن الاتفاق وبذل أقصي الجهد لتضييق هوة الخلافات والوقوف في وجه الذين يحاولون اثارة القلاقل واللجوء إلي سب بعض كبار الصحابة أو زوجات سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فكل هذه الامور وتلك الهجمات الضالة ليست في صالح أحد خاصة ان الحملات لتشويه الاسلام والمسلمين ومحاولة توسيع هوة الخلافات بين السنة والشيعة وكذلك نشر وبث كل ما يشتت جهود العلماء للتقريب بينهما. اننا في هذا الملتقي التاريخي نتطلع إلي جهود فضيلة الدكتور أحمد الطيب الامام الاكبر ونثق في خطواته الجادة التي بدأها لاصلاح الازهر والعودة به إلي سالف عهده المجيد. ودعوات من القلب للحق تبارك وتعالي أن يمنحه التوفيق. لكي تتحرك خطوات التقريب بين السنة والشيعة.. خاصة ان الدكتور الطيب مخلص ويقدر المسئولية الملقاة علي عاتقه حق قدرها.. وباذن الله سوف نري قريبا ثمار جهده علي طريق التقريب بين هاتين الطائفتين.. وان الله سبحانه سيحقق النجاح لجهوده.. نسأل الله ان يلهم الجميع الصواب والمبادرة لسد أبواب الفتنة خاصة في مهدها.. دعونا نتطلع لغد يشرق فيه نور الإسلام وتتعالي أواصر الوحدة وأن يحل الاستقرار والاطمئنان لربوع الأمة الإسلامية والعربية خاصة في عالم يموج بالصراعات والخلافات وشتي النزعات.