قضية تحلية مياه البحر التي أثارها الرئيس مبارك مؤخرا وكلف الحكومة بدراستها ووضع الخطط والبدء في الخطوات العملية لإقامة المشروعات الخاصة بها أصبحت قضية ملحة للغاية وذلك لتلبية الاحتياجات المستقبلية للدولة وضمان استدامة عمليات التنمية الشاملة للتغلب علي محدودية المياه التي تعاني منها مصر في ظل الانخفاض المستمر في نصيب المواطن فقد تضاءلت حصة الفرد الي حوالي 700 متر مكعب من المياه سنويا مما يؤكد اننا دخلنا حزام الفقر المائي منذ عدة سنوات. د. مغاوري شحاتة استاذ جيولوجيا المياه ورئيس جامعة المنوفية السابق قال: انه في ظل زيادة سكانية قد تصل الي 2 مليون نسمة سنويا وحصتنا المحدودة التي لا تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب من المياه الواردة من النيل فقد أصبحت المنظومة المائية في حاجة الي إعادة تأهيل لتأمين الاحتياجات المستقبلية من المياه. أضاف ان البدائل مثل المياه الجوفية ومياه الصرف الزراعي والصرف الصحي المعالج والأمطار وتحلية مياه البحر موضوعة علي الأجندة. أشار إلي ان القري السياحية المطلة علي البحر الأحمر تعتمد علي مياه البحر المحلاة علي الرغم من كونها مكلفة لكن لو تم مقارنتها بالبدائل ستكون أكثر اقتصادية نظرا لأن العائد يتم من خلال الأنشطة السياحية والاستثمارية المتعددة في هذه المناطق. قال: ان تحلية المياه هي باختصار عملية إزالة الأملاح الزائدة من المياه لتصبح صالحة للشرب أو الزراعة ويهتم بهذا العلم الآن عدد كبير من الدول التي تعاني من نقص المياه ومن المتوقع أن ينمو هذا العلم بشكل كبير خلال ال 10 سنوات القادمة. أما عن الطرق المستخدمة فهي بواسطة التقطير أو استخدام الأغشية أو البلورة أو التجميد. ومن المعروف ان التبخير لا يحتاج إلي تكنولوجيا معقدة أو صعبة فهو يعتمد علي الطاقة الشمسية.. لكن استخدام الأغشية بواسطة الضغط الاسموزي أو التناطح العكسي فهو عملية معقدة ومكلفة لأن الأغشية عبارة عن مجموعة من المواد المشابهة للبورسلين. ومن المعروف انها تنتج كميات كبيرة من المياه وفي وقت قياسي مقارنة بالتبخير ولكن شركات عالمية قليلة هي التي تقوم بانتاجها. أشار الي ان عملية التحليل الكهربائي بواسطة فصل الهيدروجين عن الأوكسجين تحتاج لتكنولوجيا متقدمة للغاية وتكلفتها الاقتصادية مرتفعة. لكن لابد من متابعة أحدث التطورات العالمية في مجال التحلية وتوليد الطاقة للوصول الي أفضل الطرق من الناحية الاقتصادية من حيث التكلفة المالية وكذلك تكاليف التشغيل والصيانة. أضاف انه يجب أيضا مراعاة درجة حرارة مياه البحر والعوامل الطبيعية المؤثرة فيه عند تصميم المحطات حيث ان المحطة تعطي الانتاج المطلوب عند درجة الحرارة المختارة للتصميم بحيث لو زادت أو نقصت عن هذا المعدل أيضا سوف تتأثر كمية المياه المنتجة. أما عن العوامل الطبيعية فتشمل ظواهر المد والجزر وعمق البحر وتلوث البيئة. * د. ضياء القوصي خبير الري والموارد المائية يري ان اقامة مشاريع لتحلية مياه البحر في ظل الظروف المائية الصعبة أمر لابد منه لتلبية الاحتياجات المائية في المستقبل لضمان استمرارية التنمية الشاملة. قال: ان الزيادة السكانية في مصر تشكل تحديا كبيرا في توفير المياه سواء بالنسبة للشرب أو الزراعة بالاضافة الي تلبية احتياجات الصناعة وكافة الأغراض الأخري التي تحتاجها التنمية في ظل ثبات حصة مصر من مياه النيل ومشاكل دول الحوض اضافة الي قضايا التغيرات المناخية. أشار الي ان محطات التحلية تنتج الواحدة منها عدة ملايين من الأمتار المكعبة من المياه يوميا وتكلفة المتر تتراوح الآن بين 75 50 سنتا نظرا لأن التكنولوجيا المستخدمة يتم استيرادها من الخارج لعدم توافر المكونات والمستلزمات والمواد التي تحتاجها المحطات لاتمام خطوات التحلية وهو ما يطلق عليه "الأغشية" ومن المعروف احتكار بعض الشركات العالمية الكبري لانتاجها. أضاف انه علي الرغم من ارتفاع تكاليف المحطات لكن هذا لا يمنع من اقامة محطات صغيرة خاصة ونحن نمتلك الطاقة الشمسية التي بواسطتها يمكننا الدخول في عمليات تحلية مياه البحر أو تحلية المياه الجوفية لأن نسبة تركيز الأملاح فيها أقل من ماء البحر. وبالتالي فإن تكلفة الاعذاب ستكون أقل ولن تحتاج الي تكنولوجيات عالية. أيضا لدينا مصادر الطاقة والغاز متوفرة بشكل يسمح لنا باستخدامها في عمليات التحلية كما فعلت بعض الدول العربية فعلي سبيل المثال وصلت البحرين الي المركز 15 في الترتيب العالمي في تحلية مياه البحر وبلغت طاقتها الانتاجية أكثر من مليون متر مكعب في اليوم. كذلك السعودية لديها محطتان تصل طاقتهما الي 2 مليار متر مكعب. اضافة الي بقية دول الخليج التي تستثمر مئات الملايين من الدولارات في تحلية مياه البحر لتلبية الاحتياجات المطلوبة من المياه. أكد انه لا يوجد ما يمنع من التعاون والاتفاق بين مصر والبلدان العربية في هذا المجال خاصة ان هناك العديد من الخبرات والكوادر المصرية المتخصصة تقوم بالعمل في المنطقة العربية. د. أحمد عبدالمنعم استاذ المياه بالجامعة المصرية اليابانية يشير الي ان الأبحاث في مجال تحلية مياه البحر موجودة وتم العمل فيها منذ عدة سنوات وجميع النتائج التي توصل اليها الباحثون مبشرة وايجابية وبالتالي نحن لسنا في حاجة الي مزيد من الأبحاث النظرية لكننا بحاجة ماسة الي التطبيق العملي فلا قيمة للبحث العلمي بدون الدخول في مجالات الحياة خاصة ونحن علي أعتاب مرحلة جديدة تستلزم مواكبة التطورات والتحديات التي تواجهنا. أضاف ان التكنولوجيا المستخدمة في مجال تحلية مياه البحر عالية ومكلفة للغاية لكن لابد ألا تشكل عقبة إذا كنا نتحدث عن قضية مثل المياه. تساءل: ما قيمة وجدوي الأبحاث العلمية إذا لم تستخدم في التطبيقات الحياتية.. فهناك مطالب بأن يتجه البحث الي المجالات الحديثة في الطاقة النووية وتوفير المياه للشرب والزراعة وسائر مجالات التنمية. أوضح ان معظم دول العالم لديها الخبرات والتكنولوجيا المتطورة وعلينا أن نستفيد منها مع الوضع في الاعتبار ان بعض العلماء المصريين الذين يعملون في الخارج في مجال تحلية المياه لديهم خبرة طويلة ويديرون المحطات بكفاءة عالية. أشار إلي ان البداية من الممكن أن تكون بواسطة اقامة محطات نصف صناعية وهي أقل تكلفة مقارنة بالتكنولوجيات التي تستخدم الأغشية "R.O" ومن الممكن أن تتم التحلية عن طريق التسخين أو استرجاع المياه بواسطة استخدام وحدات من الطاقة مثل المازوت أو الغاز الطبيعي أو الطاقة الشمسية. طالب بضرورة إنشاء هيئة مستقلة تتولي مهمة التطبيقات العملية لتحلية المياه حتي لا تصطدم بالمشاكل أو الاجراءات الروتينية ولابد أيضا أن تتبني الدولة هذه المشروعات نظرا لأنها استثمار طويل الأجل والقطاع الخاص لا يرغب في الدخول في هذه المشروعات.