كتبت في الأسبوع الماضي وقبل صدور الأحكام في القضايا المتهم فيها مبارك والعادلي ومساعدوه أن القاضي الجليل أحمد رفعت هو القاضي المظلوم لأنه سيواجه بانتقادات حادة أياً كانت الأحكام التي سيصدرها وقد حدث ما توقعت حيث كيلت الاتهامات للمحكمة وتفجرت المظاهرات. والهجوم علي أحمد رفعت يأتي ضمن الحملة المنظمة أو الممنهجة التي تبناها البرلمان منذ عدة أسابيع لمحاولة التدخل في قانون المحكمة الدستورية لكنه فوجئ بصد مجتمعي وسياسي ضد البرلمان فتوقفت الحملة ولأن التصعيد مازال مستمراً فقد انتقد نفس البرلمان القضاء والقضاة بصورة سافرة الأمر الذي دعا المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة أن يرد علي الاتهامات بعنف قد يكون مقبولاً باعتباره رد فعل طبيعي علي هجوم البرلمان. وأياً كان الفائز أو الخاسر في تلك المعركة فإن الخسارة الحقيقية هي للشعب المصري وللديمقراطية التي ننشدها الآن.. لأن التجاوز في حق القضاء المصري أمر يعني ضياع هيبته التي هي عصمة مصر أرضاً وشعباً من محاولات الاستيلاء عليها أو التكويش بالمعني الصحيح. ورغم أنني أرفض تجاوز أي من السلطتين التشريعية والقضائية إلا أنني اتفق مع المستشار أحمد الزند في أن هؤلاء القضاة هم أنفسهم من أشرفوا علي الانتخابات البرلمانية التي جاءت بأكثرية من الإخوان وأغلبية إسلامية. لكنني أرفض تلويح المستشار الزند بأن القضاة سيمارسون السياسة أو بأن القضاة لن يطبقوا القوانين التي ستصدر عن البرلمان أو التلويح باللجوء إلي جهات قضائية دولية للشكوي إليها من تصرفات البرلمان المصري مع القضاء. اذن المعركة انتقلت من الشوارع إلي أروقة البرلمان والقضاء وهو أمر من وجهة نظري أشد خطراً وفتكاً بالمجتمع من الانفلات الأمني أو توقف الإنتاج بالمصانع لأن امتناع القضاة عن العمل يعني شللاً تاماً لكل أوجه الحياة في مصر فلا تستقيم أو تستقر حياة الشعوب بدون خلفاء لله في الأرض وهم القضاة. وكما سبق وذكرت أن محاولة النيل من مؤسسات الدولة التي جرت علي مدار الشهور الماضية هي محاولة لهدم معالمها وتدشين شكل جديد لتلك المؤسسات هذا الشكل لابد أن يحدث توافق شعبي عليه وليس من وجهة نظر فصيل سياسي معين قد لا تأتي الانتخابات القادمة به وبالتالي سنفاجأ أن تلك المؤسسات تحتاج إلي اعادة صياغة وهيكلة جديدة وفق الدستور الجديد. اذن نحن أمام ضبابية للمشهد ومحاولة للسيطرة علي القضاء وتحجيم دوره وإرهابه نفس الشيء تم ممارسته مع الشرطة وفشل الأمر وصدر قانون الشرطة الجديد وفق ما يحتاجه العمل الأمني في المرحلة الوطنية الجديدة وليس علي هوي الفصيل إياه. نفس الأمر يمارس ضد المؤسسات الصحفية القومية التي يحاول الإخوان فرض الأمر الواقع عليها بأحداث تغييرات أخشي أن تكون في نفس الاتجاه الذي يرغبونه لأنه يعني صحافة قومية موجهة مرة أخري الأمر الذي يؤدي إلي إجهاض أهم أهداف الثورة وهي حرية الرأي. خلاصة القول نحن أمام عبث حقيقي بمقدرات الأمة وأياً كان الفائز في الانتخابات الرئاسية فإن تركته ثقيلة جداً وعليه الاستعداد لمواجهات صعبة قد تعصف بقوي علي الأرض وقد تمتد إلي مؤسسات الدولة العميقة التي قد يراها تحتاج إلي تفكيك ووقتها سيزداد المستقبل غموضاً.