حضر إلي مكتبي من إحدي قري الصعيد. ومعه اثنان من أقاربه أو معارفه.. قالوا: نقرأ مقالاتك في "المساء" ونشعر بصدق كل كلمة تقولها.. لذلك وقع اختيارنا عليك لتساعدنا في مشكلة كبيرة. إنه طالب في العشرين من عمره تقريبا. ويدرس بإحدي جامعات الصعيد. في الصف الثالث بإحدي الكليات.. وقعت أسرته في مأزق مع الجيران الذين تهجموا علي بيتهم بسبب خلافات لا ترقي إلي هذا العنف. حيث حاولوا كسر الباب والاعتداء علي أصحاب البيت. جاءوا بقطع حديد وجنازير وسيوف.. وخاف أصحاب البيت علي أنفسهم فتصدوا لهم ودارت معركة استخدمت فيها هذه الأسلحة والسكاكين نتج عنها قتل واحد من الجيران المعتدين. تربص هؤلاء الجيران بأهل البيت للأخذ بالثأر وحاول الحكماء الصلح بين الطرفين دون جدوي. وأصر الجيران علي أن يهجر أهل البيت بيتهم ولا يعودوا إليه أبداً. تشرد أهل البيت بالفعل ومعهم ابنهم الطالب الجامعي الذي امتنع عن الذهاب إلي الكلية التي يدرس بها خوفا من أن يلاحقه الجيران للثأر منه وقتله رغم أن أحد أفراد أسرته المتهم بالقتل تم الحكم عليه بعشر سنوات سجنا. طلبوا مني البحث معهم عن حل لمشكلتهم وإنقاذ الطالب من مصير لا يعلمه إلا الله.. إنقاذ حياته وإنقاذ مستقبله التعليمي. أمسكت القلم وكتبت رسالة بالمأساة إلي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور هاني هلال شرحت فيها الموقف بصدق وطلبت أن يساعد أسرته في البحث عن مخرج لإنقاذه وعدم ضياع مستقبله التعليمي بتحويله إلي كلية مماثلة بإحدي الجامعات في القاهرة وإلحاقه أو إدخاله المدينة الجامعية.. وقلت للوزير: أثق أن حنان الأبوة عندك سوف يتغلب علي أي روتين لإنقاذ مستقبل الطالب. لم يكد الخطاب يصل إلي مكتب الوزير الدكتور هاني هلال حتي اتصل بي تليفونيا وأخبرني أنه تأثر للموقف الحرج الذي يحيط بالطالب.. ووعد بعرض أمره علي المجلس الأعلي للجامعات لاستثنائه وتحويله إلي إحدي الجامعات بالقاهرة وإلحاقه بالمدينة الجامعية. لا أستطيع أن أصف مدي سعادتي وتأثري بالموقف الإنساني النبيل للدكتور هاني هلال الذي تغلبت إنسانيته علي أية عراقيل كان يمكن أن تهدم مستقبل الطالب بل تهدد حياته. وعندما أظهرت مدي امتناني له قال إنه واجبنا ولا يمكن في مثل هذه الحالات أن نتخلي عن مسئوليتنا تجاه أبنائنا. بقي أن أقول إنني سبق أن التقيت مع الدكتور هاني هلال أكثر من مرة في باريس عندما كان يشغل منصب المستشار الثقافي لمصر في عاصمة النور. ولمست فيه بحق دماثة الخلق وطيب المعشر وسعة الأفق وقوة الاقناع. ورغم كل هذه المودة التي تجمعنا إلا أن ذلك لم يمنعني أبدا أن اختلف معه في بعض سياساته لكني دائما أتناقش معه كعادتي مع كل المسئولين بالاسلوب الذي يليق بمكانتهم.. والرجل في الحقيقة من الوزراء القلائل الذين يحترمون الآراء الموضوعية التي تنشر في الصحف حتي لو اختلف مع كتابها. ويسارع بالرد وشرح وجهة نظره بالاسلوب الذي يليق به كمثقف وأستاذ جامعي قبل أن يكون وزيراً. شكراً.. للوزير الإنسان الدكتور هاني هلال.