أسباب ثلاثة حالت بين البنك المركزي المصري وبين هدف السيطرة علي الأسعار بالأدوات التقليدية فيما يعرف بسياسة "استهداف التضخم" والتي بدأ المركزي العمل بها منذ سنوات دون أن يعلن رسميا "استهداف" رقم معين للتضخم لعدم توافر المتطلبات الخاصة به. الأسباب الثلاثة هي التشوهات السعرية الناتجة عن الممارسات الاحتكارية وعجز المعروض من السلع نتيجة نقص في الانتاج أو زيادة الصادرات علي حساب السوق المحلي وأخيراً الاختناقات في المعروض من السلع بسبب قصور قنوات التوزيع. بحسب الدراسة الاقتصادية الهامة التي أعدتها د.رانيا المشاط وكيل محافظ البنك المركزي حول أولويات السياسة النقدية وإطار استهداف التضخم. فإن ارتفاع العديد من السلع التي تمثل عناصر هامة في سلة استهلاك المواطن مثل الخضراوات والفواكه واللحوم والدواجن ساهمت في ارتفاع معدل التضخم نسب كبيرة وقد كانت هذه السلع مسئولة عن 50% من التضخم في العامين الأخيرين في حين اقتصرت تلك النسبة علي 25% في الفترة من 2005 و2008 ووفقا للدراسة فقط ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء والدواجن بحوالي 70% بين يناير 2008 ومارس 2012 لتفوق بحد كبير الزيادات المسجلة في الأسواق العالمية مشيرا إلي عدم تعويض النقص في المعروض المحلي بالاستيراد وبالتالي فإن التقديرات المستقبلية للإنتاج المحلي ستساعد بدرجة كبيرة علي التعرف علي العجز بين العرض والطلب. مهمة الدولة استهداف التضخم والذي يعني إعلان رقم محدد للتضخم "ارتفاع الأسعار" ليست مهمة البنك المركزي وحده بحسب ما تؤكد الدراسة ولكن مسئولية أجهزة الدولة مجتمعة وهو ما يتطلب من القائمين علي إدارة الاقتصاد تعظيم التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية للتأكد من توحيد الهدف والعمل علي تحقيقه بشفافية من خلال التواصل الدوري المعلن والتفاف السياسات المالية والتغذية والتجارية حول الهدف المحدد وهو "استهداف التضخم" بحيث يكون خفض عجز الموازنة أهم الأولويات باعتباره أحد أهم متطلبات استهداف التضخم والتي تشمل بناء قطاع مصرفي قوي وفعال واستغلال البنك المركزي خاصة ما يتعلق بالاستقلال التشغيلي فضلا عن الشفافية والتواصل مع كافة الأطراف المعنية خاصة البنوك والمستثمرين والجمهور والمراكز البحثية والصحافة وتسهم سياسة "استهداف التضخم" في الوصول إلي معدلات تضخم منخفضة فضلا عن الحد من درجة التغلب في معدلات التضخم. وهو ما يؤدي بالأساس إلي ارتفاع معدلات الاستثمار حيث يستطيع المستثمر المحلي أو الأجنبي اتخاذ قراره بالاستثمار والتنبؤ بالسياسات النقدية المستقبلية مسبقا بالتقدير الدوري للسياسة النقدية الذي يصدره البنك المركزي. وينطبق ذلك علي قرارات المستهلكين من حيث الاختيار بين الإدخار والاستهلاك. ولكي ينجح إطار "استهداف التضخم" تؤكد الدكتورة رانيا المشاط وكيل محافظ البنك المركزي علي ضرورة معالجة التشوهات السعرية والعمل علي الحد من الممارسات الاحتكارية وتلبية متطلبات السوق المحلي أولا والتنسيق بين الجهات المعنية لكي تستطيع التعامل الفعال مع هذه الأزمات والتنبؤ بها قبل حدوثها. يقترح البنك المركزي وفقا للدراسة تشكيل "مجلس متابعة الأسعار" ويضم ممثلين عن وزارات المالية والزراعة والصناعة والتجارة الخارجية والتموين والبنك المركزي والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. ويكون المجلس مسئولا عن تحديد أسباب ارتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية وتقييم ما إذا كانت الارتفاعات ناجمة عن نقص حقيقي في المعروض أو مشاكل في قنوات التوزيع أو ممارسات احتكارية وبناء عليه يقوم المجلس بدراسة الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه العوامل ومتابعة الخطوات التنفيذية مع الجهات المختصة. تؤكد الدراسة أن معركة السيطرة علي التضخم لا تبدأ وتنتهي عند البنك المركزي ويجب أن تكون هدفا قومياً.