أوبرا "مانوه" التي عرضت مؤخرا علي مسرح المتروبليتان وشاهدناها في القاهرة علي شاشة سينمائية بالمسرح الصغير من خلال البث المباشر تعد من الاحداث الفنية الهامة لانها تقدم لاول مرة بمصر كما انها من روائع الاوبرات الفرنسية التي نادرا ما نقدمها لانه كما سبق ان ذكرت في مقالات سابقة الفرقة المصرية مازالت تدور في فلك المدرسة الايطالية كما ان هذه الاوبرا من الاوبرات الناجحة من الناحية الجماهيرية والفنية لانها لايغلب عليها طابع واحد بل تجمع بين الملهاة والمأساة كما انها تمتاز بثراء فني في عناصرها حيث تتضمن الموسيقي ذات الالحان العذبة ورقص الباليه واغاني للكورال وثنائيات وثلاثيات ورباعيات غنائية كما ان الاحداث تدور حول شخصيات كثيرة محورية ومعظمها لها ادوار غنائية فردية تدخل في صميم الدراما. أوبرا فرنسية اوبرا "مانوه" من مؤلفات المؤلف الموسيقي الفرنسي جول ماسينيه "19121842" وكتب النص الاوبرالي "الليبرتو" هنري ميلاك وفيليب جيل ومأخوذة عن رواية "قصة الفارس دي جلايو ومانون ليسكو" من تأليف القس بريفو وعرضت لاول مرة في اوبرا كوميك بباريس عام 1884 ومنذ هذا الوقت تعد من الاعمال الرئيسية في ريبرتوار معظم الفرق العالمية. تتكون من خمسة فصول واستراحتين وتدور حول الفتاة الجميلة مانوه التي لديها تطلعات وارسلتها عائلتها الي الدير وفي اثناء سفرها قابلت الشاب النبيل دي جريو الذي يقع في حبها من اول نظرة ويقرر انقاذها من المصير المحتوم ويطلب منها الفرار الي باريس وتذهب معه ويعرف والده ويسعي لتفريقهما وهناك دي تيرينتي احد الاثرياء يغريها فتترك الشاب وتعيش في رغد من العيش فيصدم دي جريو ويدخل سلك الكهنوت وعندما تعلم مانوه تذهب اليه في الكنيسة وتقنعه بحبها مرة اخري ولايستطيع ان يقاوم حبها وينقاد الي رغباتها ويذهب معها الي صالة القمار ويقبض عليهما ولكن والده بنفوذه يستطيع اطلاق سراحه ولكن دي جريو يسعي لتحرير مانوه عن طريق ابن عمها الذي يدفع رشوة للحراس ولكن كان المرض والوهن تمكن منها وتموت بين يديه. الغناء والموسيقي الأوبرا كما نري تسمي باسم البطلة والتي ادت بدورها السبرانو الروسية "انا نتريبكو" والتي سبق ان ادت هذا الدور عدة مرات ورغم ان صوتها لا يتمتع بالخفة والبريق اللذين يتطلبان هذا الدور الا ان قدرتها الكبيرة علي التعبير في الاداء وحضورها المسرحي الطاغي اعطي كثافة وعمقاً عاطفياً للاحداث ولاحظنا انها حاولت استجلاب الخفة الي صوتها في بعض المشاهد ونجحت في ذلك خاصة في الفصل الاول حيث استطاعت ان تحد من استخدام القوة الغنائية الكاملة لصوتها وحافظت علي اداء بسيط في المقاطع الغنائية لتدل ايضا علي سنها الصغيرة في بداية الاوبرا وان كان هناك اغنية "ارية" مطلعها "فتاة صغيرة كالزهرة" ظهر فيها بعض القوة. في حين انها قد تركت لصوتها العنان في العديد من المشاهد مثل مشهد الكنيسة حينما حاولت اإغرائه وكذلك في مشهد الحديقة حينما اختارت ان تعيش مع دي برينتي وتتمتع بمباهج الحياة واصبحت محور الاهتمام ولكن هناك بعض النغمات العالية لم تؤدها بالاتقان المطلوب ولكن كل هذا عوضه قدراتها التمثيلية والتعبيرية العالية. اما بطل العرض التينور البولندي "بيوتر بيكزالا" فهو مغن متميز يمتلك قدرة تعبيرية كبيرة في الاداء الصوتي ولديه اتقان واضح في اداء النغمات واستخدم تقنية الخفوت الصوتي التدريجي في عدد من النغمات العالية وكل هذا مع اداء تمثيلي جيد جدا وظهر هذا في كثير من المشاهد منها في الفصل الاول عندما كان يعبر لمانوه عن حبه وفي الدويتو بالكنيسة والذي يعد من الثنائيات الشهيرة وكذلك في مشهد النهاية.. اما شخصية ابن عمها ليسكو والذي اداها الباريتون البرازيلي "باولو سزوت" جاء صوته ممتازاً واداؤه التمثيلي متميزاً ولديه ايضا تعبيرية في الاداء كانت واضحة في الفصل الخامس وفي الفصل الرابع الذي دار في صالة القمار.. امام المغني الامريكي ديفيد بيتشيلجر "باص" الذي قام بدور الاب نجده قام بالدور بطريقة جيدة وان كان صوته قد افتقد الي عمق بعض الدرجات الصوتية التي تتميز بها طبقة الباص في بعض المقاطع مثل المشهد الثاني من الفصل الثالث عندما ذهب الي الكنيسة يطلب من ابنه ترك سلك الكهنوت.. اما التينور الفرنسي "كريستوف مورتان" والذي قام بدور السيد "جيوه" كان ممتازاً في ادائه حيث ان هذه الشخصية ثرية دراميا حيث جمعت بين الشر والخبث والكوميديا والحب والتودد وهذا استوجب تنوعاً درامياً اجاده واداه بشكل متميز غنائي وتمثيليا وعلي فكرة هو الشخصية الوحيدة الفرنسية في هذا العرض الناطق بالفرنسية. المايسترو الايطالي "فابيو لويزي" استطاع ان يتناول العمل بشكل جيد الي حد ما ولكن كان هناك بعض الهنات مثل غناء الكوراتيت "الرباعي" في الفصل الثاني الذي افتقد الي التناسق بين الاوركسترا والمجموعة الغنائية وايضا الفصل الثالث كان فيه قدر من الاضطراب في الاداء الاوركسترالي. فشل البالية السلبية الملحوظة والتي تثير التعجب فقرة البالية التي يتميز بها هذا العمل والتي كتبها ماسينيه في صميم الاحداث حيث تم تقديمها بشكل متواضع وفقير وهامشي مع ان في النص ان "جيوه" الرجل الذي يتنافس علي حبها احضر لها فرقة باليه اوبرا باريس المحترفة ودائما ما يكون هذا الفصل فرصة للمخرج ليعطي لمحة استعراضية مبهرة مثل مشهد النصر في اوبرا عايدة ولكن وهذا للاسف لم يحدث فمن ناحية استعان بالمصمم ليونال اوش الذي يعد من اعمدة الرقص المسرحي الحديث وله مفرداته الخاصة التي لاتتناسب مع العمل ولا الزمن الذي اختاره لها المخرج وهو القرن التاسع عشر علاوة علي ان الديكور في مشهد الباليه قلص ساحة الرقص الي حد كبير فقد احتشد بمطالع ومنازل غير مبررة كما جاء يميل الي التجريد مما جعله لايتناسب مع ملابس هذا العصر والتي تمسك بها لورنت بيلي وكانت من ايجابيات العرض.. ولكن بشكل عام موسيقي ماسينيه التعبيرية واختيار المغنيين المناسب والتحرك الجميل والمبتكر للكورال علي المسرح ايجابيات هامة جعلت مشاهدة العرض متعة وهدية جميلة للجمهور المصرِي في موسم غابت فيه فرقة الاوبرا المصرية.