نعم .. أزهرنا الشريف يسترد ويستعيد مكانته وهيبته وكلمته.. أزهرنا الشريف لا يتردد في إعلان مواقف. ولا يهادن في الحق. ولا يتردد عن مهاجمة الباطل.. ولا يضع السياسة فوق الدين. ولا يفسر الدين بالسياسة. فالبيان الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بعد اجتماعه برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والذي يرد فيه علي المغالطات الأخيرة للتقرير الأمريكي حول الحريات الدينية في مصر ليس بياناً عادياً. إنما هو درس ديني بليغ للذين يتدخلون بجهل وباستعلاء في الشأن الداخلي لمصر دون أن يكونوا علي بينة بحقيقة ما يجري في مصر. ودون ان يدركوا وينفهموا أن مصر هي دولة إسلامية دينها الاسلام. لكنها تكفل أيضا كل الحرية لاخواننا من المسيحيين ولاتسمح لأحد بالمزايدة علي ذلك. ولقد كان بيان الأزهر بيلغا حين طالب بأن تكون متابعة شئون حقوق الانسان وحرياته مسألة عالمية وشأنا دوليا يختص به المجلس الدولي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ولا يكون مقصورا علي الإدارة الأمريكية. وهو مطلب شرعي طالما أشرنا اليه في انتقاداتنا للتقارير الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية وعن المؤسسات الأمريكية في تقييمها للديمقراطية وحقوق الانسان في العالم وفي تصنيفها لدول العالم في معايير الالتزام والتطبيق بالديمقراطية وحقوق الانسان والشفافية والفساد.. وقلنا وتساءلنا عن سبب انفراد الولاياتالمتحدةالأمريكية بهذه التقارير ومن منحها السلطة لأن تصدر تقييما لدول العالم. ترفع فيه من تشاء. وتهدد من تشاء. وتدين من تشاء. وما هي القيمة التأثيرية لهذه التقارير التي ترهب بها الولاياتالمتحدة دول العالم وتضعها تحت الوصاية! إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تتصرف علي هذا النحو باعتبارها الدولة الأقوي في العالم. والأكثر تأثيراً علي منظمة الأممالمتحدة والمنظمات التابعة لها. وهي تستطيع عن طريق التقارير التي تصدرها أن توجه مسار العمل في المنظمات التابعة للأمم المتحدة لتشكل وتقود حملة ضغط منظمة ضد أي دولة تتناولها هذه التقارير بالسلب والإدانة. ولذلك تكتسب التقارير الأمريكية أهمية. وتستدعي ضرورة الرد عليها وتوضيح الكثير من الأمور والحقائق أمام الذين أعدوها والذين سيهتمون بها. والبيان الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية جاء في هذا السياق ليؤكد أولاً الثقة في الحريات الدينية في مصر. وليعكس ثانيا قوة الأزهر ومكانتيه باعتباره المؤسسة الدينية الأقوي والأقدر في الدفاع عن المسلمين وشرح وجهة نظرهم والتعبير عن أفكارهم وأفعالهم. وقيمة البيان الصادر عن الأزهر تكمن في كونه جاء يحمل ردوداً علمية واضحة بعيداً عن العبارات المبهمة التي لا تستند إلي معلومات غير كافية. فالبيان علي سبيل المثال يرد علي ما قيل حول تقييد حرية الاعتقاد والممارسات الدينية بتوضيح أن بناء دور العبادة في مصر ينظمه القانون وأن هناك تسعة شروط لبناء المساجد تفوق في الضوابط نظيرتها في بناء الكنائس. كما ان نسبة عدد الكنائس في مصر إلي عدد المواطنين المسيحيين مقاربة لنظيرتها في المساجد المخصصة للمسلمين. ولا دخل للحكومة في تعيين القيادات الدينية المسيحية علي اختلاف درجاتها. ومنذ عام 1952 فإن الحكومة ضمت الأوقاف الإسلامية بينما ظلت الأوقاف المسيحية قائمة تديرها الكنيسة وتحقق الحرية والاستقلال المالي للكنائس والأديرة والأنشطة الدينية المسيحية. وربما كانت هذه هي المرة الأولي التي يتصدي فيها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر للرد المطول علي تقرير الحريات الدينية الأمريكي. ولكن دلالات هذا الرد تكتسب هذه المرة أهمية خاصة. لأنه رد تعدي حدود المجاملات. والكلمات الطنانة واقتحم القضية بصراحة وبشجاعة حين قال ان السياسات الأمريكية تهدف إلي تفكيك النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي للمجتمع المصري وذلك تحقيقا للمخطط الأمريكي المعلن في "الفوضي الخلاقة" الرامية إلي تحويل المجتمع إلي طوائف يسهل اختراقها. وهو مخطط سبق ودعا اليه المستشرق الصهيوني الأمريكي "برنارد لويس" الذي دعا الي تحويل المجتمعات العربية والاسلامية الي "فسيفساء ورقية" ليتحقق الأمن والتفوق الإسرائيلي!! إن بيان الأزهر لم يكن بياناً عادياً.. إنه بيان للأمة وللتاريخ.