مشهد الساحة علي أرض المحروسة يصيب المرء بالاكتئاب والاحباط. ويدفع اليأس إلي النفوس. ويثير الأسي والاستياء علي الأحوال التي وصلنا إليها في مسيرة الحياة منذ أحداث الثورة الشعبية في 25 يناير 2011. الاضطراب يضرب ربوع الوطن والتظاهر أصبح ظاهرة أساسية تقض مضاجعنا. الهلع أصاب الجميع. إذا لا أحد يأمن علي نفسه من الانفلات الأمني. الجرائم ترتكب قهراً. الخوف يبدو في وجوه الفتيات والسيدات خشية من بعض الجناة واللصوص. أما الوقفات الاحتجاجية فحدث عنها ولا حرج. الأكثر غرابة أن هذه الصور السيئة وتلك الحالة التي أصبحت غصة في حلق كل مصري لا تحرك ساكنا ولا بارقة أمل بأننا سوف نخرج من هذه الأزمات وتلك الكوارث حتي لو انتهت الفترة الانتقالية المحددة لتسليم القوات المسلحة السلطة لرئيس مدني منتخب في آخر يونيو القادم. ومن يتأمل المظاهر والوقفات وما يدور في البرلمان وكل الأجهزة يدرك أن الصورة الضبابية سوف تستمر وليس لها من دون الله كاشفة. الحوارات في البرلمان يسودها الانقسام.. الأغلبية من حزب الحرية والعدالة من أعضاء البرلمان يصرون علي استقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري وأعضاء آخرون من نفس البرلمان ينتمون إلي أحزاب أخري ومعهم الأعضاء المستقلون يطالبون باستمرار الحكومة التي يرأسها الجنزوري حتي تنتهي الفترة الانتقالية ولم تفلح جهود هذه الاقلية في اقناع الأغلبية بمنح حكومة الجنزوري فرصة خاصة ان الأيام المتبقية من الفترة الانتقالية قصيرة جدا ولن تستطيع أي حكومة تأتي أداء أي مهمة تساهم في تغيير الصورة وبالتالي أدي ذلك إلي إعلان رئيس مجلس الشعب تعليق جلسات المجلس لمدة أسبوع وهكذا انشغلت الساحة الإعلامية بالأخبار حول تعديل الوزارة بالاضافة إلي ما يدور في الكواليس من أخبار فيما يتعلق بين الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب والدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء. وفي خضم هذا الخلاف رفضت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب الاقتراح الذي وافق عليه المجلس الأعلي للقوات المسلحة في لقائه برؤساء الأحزاب ومختلف أعضاء القوي السياسية بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ولاتزال الصورة غامضة حول تشكيل هذه اللجنة رغم أن الزمن يلاحق الجميع حيث ان الفترة الانتقالية لا تحتمل المماطلة والتسويف وعدم الوصول إلي توافق بين الجميع. الأزمات يطارد بعضها البعض. معركة انتخاب رئيس الجمهورية شغلت الساحة بأخبارها التي أثارت أتباع كل مرشح خاصة بعد أن طبقت لجنة انتخابات الرئاسة ضوابط دخول انتخابات الرئاسة فمنذ أعلنت اللجنة رفض ترشيح الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل لعدم تحقيق الضوابط في جانبه خرج أعوانه إلي ميدان التحرير ونصبوا الخيام واعتصموا وأخذوا يرددون العبارات التي تؤكد انهم لن يتركوا أماكنهم حتي تتحقق مطالبهم بحل لجنة الانتخابات وسرعة تسليم السلطة من العسكريين ولم يكتف هؤلاء بالتظاهر في ميدان التحرير وإنما نقلوا التظاهر إلي موقع وزارة الدفاع بالعباسية وتحولت المنطقة إلي ساحة امتلأت بالمتظاهرين وعطلت المواصلات وحالت دون أداء طلاب جامعة عين شمس لامتحاناتهم وشئونهم الدراسية كما تضرر سكان المنطقة من هذا التظاهر وذلك الشلل الذي أصاب المنطقة وبالتالي دارت المعارك وسقط قتلي ومصابون والمعارك مستمرة. إن ما يجري تدمير لهيبة الدولة وانهيار للاقتصاد. التظاهر والتضامن مع أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل مستمر علاوة علي ما يجري في مختلف الأماكن من وقفات احتجاجية فهاهم أمناء الشرطة يعلنون امتناعهم عن العمل وتنظيم المظاهرات وهناك وقفات من عمال وموظفي بعض الأجهزة والجهات. الكل مشغول بالتظاهر والوقوف بالشارع دون أي اعتبار لما تتعرض له مصر من أزمات اقتصادية تتهدد الجميع بأخطارها. المثير للاستياء والتعجب أننا لم نر أي بادرة من جانب المحامي الذي نكن له كل التقدير والاحترام الشيخ حازم أبوإسماعيل تتضمن قيامه بالتوجه إلي هؤلاء المتظاهرين ومطالبتهم بفض هذا التظاهر والاعتصام حرصا علي سلامة الوطن والاكتفاء بالإجراءات القانونية التي أعلن عنها وكذلك لم نر أي بادرة من جانب أعضاء مجلسي الشعب والشوري لمخاطبة هؤلاء المتظاهرين واقناعهم بانهاء التظاهر وتوعيتهم بالمخاطر التي تحيط بالوطن من كل جانب. الكل للأسف مشغول بمطالبه حتي مرشحو الرئاسة لم نر أي بادرة من جانبهم ولم نشاهد أي واحد منهم قد وقف في وسط هؤلاء المتظاهرين المعتصمين محاولا توعيتهم واقناعهم بفض هذا الاعتصام الذي أصاب المنطقة بالشلل. مع شديد الأسف كل مرشح انشغل بالترويج لنفسه وترك هؤلاء وتلك المأساة دون أي مبادرة لكي تنتهي هذه الوقفات التي لا تبني وطنا ولا تقيم نظاما. إن الضمير الوطني يستصرخ الشيخ حازم أبوإسماعيل ويناديه بكل حب وتقدير "كفاية وقفات" توجه إلي هؤلاء لكي ينفض هذا الاعتصام. كما أن مصر تنادي أعضاء البرلمان وكل وطني غيور يحب أهله ووطنه انه حان الوقت لتدارك الأخطاء وتضافر الجهود لكي تخرج بسرعة من هذه الأزمات المتلاحقة. وليت الجميع يدرك ان البسطاء من أبناء شعبنا يحترقون من غلاء الأسعار ووقف الحال. فهل نري استجابة تجعلنا نتلفت إلي جني ثمار هذه الثورة الشعبية قبل فوات الأوان؟!