تتميز محافظة مطروح بموروث شعبي يجعلها متفردة في هذه الخصوصية الثقافية حتي عن قريناتها من المحافظات الصحراوية.. وما زال موروثها لم يلق الاهتمام الكامل والمؤسف أن حملته يتساقطون ويرحلون الواحد تلو الآخر وترحل معهم كنوز يحملونها في صدورهم ويظل الجهد لحفظ هذا الموروث جهداً فردياً. يصحبنا في فتح سجلات الموروث البدوي ببادية مطروح باحث البادية حمد خالد شعيب رئيس لجنة التراث بمطروح الذي قال إن سكان هذه المنطقة إقليم مريوط أو الساحل الشمالي أو الصحراء الغربية لمصر أو محافظة مطروح هم من أجناس وأصول عدة. الابرز أو أهل الوطن كما يطلق عليهم هم قبائل أطلق عليهم من باب الاستسهال أو الخطأ الاعلامي قبائل أولاد علي وهي كلمة حق تاريخيا وتصادق عليها قديماً لكن للأمانة البحثية نقول ان سكان محافظة مطروح هم قبائل "أولاد علي الابيض- أولاد علي الاحمر- الجمعيات- السننة- القطعان- قبائل سيوه" وتتشابه هذه القبائل في كل شئ.. عاداتهم ومعتقداتهم وفنونهم وأدبهم الشعبي ونمط سكانهم. عدا قبائل سيوة التي تختلف اختلافا يجعله بعض الباحثين اختلافاً كبيراً ويذهب بهم البعض علي أنهم أمازيغ وهذا خطأ فادح. ويضيف غايتنا هنا تسليط الضوء علي ما تملكه هذه القبائل من كنوز الموروث الشعبي بأقسامه وأجناسه وأنواعه وفنونه القولي منها والحركي والتشكيلي والدرامي والموسيقي و نبدأ بدستور هذه القبائل بمناسبة عجز كبارنا علي صياغة دستور جديد لمصر أن هذا الدستور البدوي يسمي "دربة أولاد علي" أي الطريق أو خريطة الطريق التي تسير عليها القبائل دون أن تعتدي إحداها علي الاخري وتسود قوانين ويتكون هذا الدستور من حوالي مئة مادة لم تغفل جزءاً إلا ووضحته حتي الكلب له حقوق فإذا قتل وهو كلب حراسة ولم يكن مسعوراً احضروا القاتل وأمسك بذيل الكلب الميت وارفعه في الهواء وأخذ افراد آخرون من قبيلة القاتل يعبئون الكلب بالقمح أو الشعير حتي يغطي تماماً ويحصل علي ذلك صاحب الكلب المقتول. أما الانسان فله كل المواد من ميلاده حتي وفاته وما يتعرض له خلال هذه المسيرة وذكرنا للقانون أولاً لأنه هو رمانة الميزان الذي يحفظ التوازن بين القبائل وعليه عاشت سنوات طويلة في أمن وأمان حتي وإن حدثت تجاوزات تحرك شيوخ القبائل وعواقلها لحل القضية قبل أن تتفاقم وأحكامهم لحظة واجبة النفاذ لا تأجيل ولا استئناف ولكل قبيلة حاكم هو شيخها وقد يكون للقبيلة الواحدة شيخ وعمدة والعمدة منصب رفيع شرفي وأغلب الوقت الحمل يقع علي الشيخ تماماً مثل الملك ورئيس وزرائه واجتهد النظام السابق في تهميش هذه القيادات الطبيعية وتحولوا إلي موظفين لدي الامن أكثر منهم قادة لقبائلهم أما ثقافيا فهي التي تزرع الانتماء وحب الوطن في نفوس صغارها من خلال حكاياتها الشعبية الرائعة حيث تأخذ الصغار إلي عوالم أخري من خلال رواية الاحاجي مثل قصة أبي زيد الهلالي علي صهوة جواده ويحارب معه ويعرق ويضحك ويبكي ثم تفاجئه الام بقولها "هم مشو غادي ونا جيت جاي" أي هم ذهبوا إلي حال سبيلهم وأنا عدت إليكم تماما مثل "توتا توتا فرغت الحدوتة" أما عن أفراح البدو فلهم طقوسهم الخاصة في الزيجات والافراح تبدأ بما يسمي "الطلبة" أي يذهب أهل العريس يطلبون عروساً لابنهم ومن حق أبن عم العروس أن يتمسك بها وهذا ما يسمي "مسك بنت العم. إذ ان هذه العادة أخذت في الاندثار وإن لم يكن نهائيا. ومن أجمل العادات في المجتمع البدوي ما يسمي الرغاطة وما يطلق عليه في الخليج "الفزعة" وهو نوع من التكافل الاجتماعي حيث يهب القوم لمساعدة واحد منهم لديه عمل كبير يحتاج إلي العون وذلك بدون مقابل مثل الحصاد والبناء وجز صوف الاغنام وهذه الاحتفالية تقام في هذه الايام لدخول الصيف وارتفاع درجة الحرارة فيجزون الصوف عن الغنم. ويؤمن أبناء البادية بالحسد ويذكرون دائما ما حدث لسبطي رسول الله صلي الله عليه وسلم الحسن والحسين رضوان الله عليهما ويردد أبناء البادية "العين فلقت الحجر" فنجد المرأة البدوية إذا رزقت ولداً ذكراً لا تعلن عن جنسه وتلبسه ثياب رثه وتضع علي وجهه الفحم وقد تدعي أنه مريض وضعيف خوفاً من الحسد. في الفن القولي يتربع الشعر البدوي العفيف علي ذلك تصادفه فقط بعض الصعوبات أهمها عدم فهم المتلقي غير البدوي لمفرداته وقد طبعت الثقافة العديد من الدواوين لشعراء البادية وأصبح واحداً منهم سفيراً لهم في العاصمة حيث انه عضواً باتحاد الكتاب وعضوا بالمجلس الاعلي للثقافة الشاعر قدورة طريف العجني . ولمطروح فن موسيقي تتربع آلة المقرونة علي عرش هذا القسم وهي الزمارة شجية الصوت سميت مقرونة لاقتران عوديها المصنوعان من الغاب ببعضهما بها 6 فتحات وهي من آلات النفخ ثم يأتي الفن الحركي وتتربع أيضا علي هذا القسم "الحجالة" ولا حرج فهي البطل الحقيقي لليالي السمر في البادية انقرضت الآن ولكن فرقة مطروح القومية الشعبية مازالت تحافظ علي تراثها. ويقول المؤرخ البدوي محمود عبيدة شاهين الفردي أن لبدو مطروح لباساً خاصاً يتكون من الملف والصديري والشنة الحمراء أو الخضراء أو السوداء ثم الجرد المصنوع من الصوف الخالص. ومازالت مطروح تتمتع بالصناعات الحرفية البدوية مثل الحمول والسجاد فضلا عن تفنن المرأة في زخرفة بيت الشعر "الخيمة" والعديد من المأكولات البدوية مثل الفتيتة والقراصة والمجردق الذي يصنع أولا بأول ويقدم طازجا ورغم ما صبغ الحياة من مؤثرات حضارية وتطور مازالت الحياة البدوية كما هي.