فاجأتنا السعوية الشقيقة بقرار إغلاق سفارتها في القاهرة وقنصلياتها وسحب سفيرها أحمد القطان للتشاور.. وهو قرار مؤسف وغير مسبوق.. فالعلاقات بين البلدين كان لها علي الدوام خصوصيتها وتميزها منذ أن أوصي الوالد المؤسس للدولة السعوية الملك عبدالعزيز آل سعود أبناءه بضرورة الحفاظ علي علاقاتهم طيبة مع مصر رغم كل الظروف والتحديات.. اعترافا وإكبارا لمكانة مصر ودورها التاريخي. من حق إخواننا في السعودية أن يغضبوا بعد تعرض سفارتهم في القاهرة لأعمال شغب غير لائقة.. وتطاول بعض الشباب بطريقة غير مسئولة علي الرموز السعودية بسبب أزمة المحامي أحمد الجيزاوي المحتجز حالياً بتهمة محاولة تهريب أقراص مخدرة إلي الأراضي السعودية أثناء رحلته لأداء العمرة مع زوجته. لكن علي الجانب الآخر كان علي الإخوة السعوديين أن يقدروا أن مصر تعيش حالة عامة من الغليان.. وهذه الحالة هي المسئولة عن التصعيد الذي حدث وأدي إلي تحويل مظاهرة احتجاجية أو تضامنية إلي أعمال شغب مبالغ فيها. وقد كان واضحاً أن أعمال الشغب هذه ليست أكثر من أحداث فردية غير منظمة ولا تعبر إلا عن رأي من قاموا بها.. وفي المقابل هناك الأغلبية الكاسحة من أبناء الشعب المصري التي تكن كل التقدير والحب للأشقاء في السعوية شعبا وحكومة وقيادة. ومما زاد الوضع احتقانا أن بعض وسائل الإعلام أخذت تنفخ في أحداث السفارة وتطلق عليها مسميات استفزازية.. وتدعي انها غزوة الحفاظ علي كرامة المواطنين المصريين وعدم قبولها أية استهانة بهذه الكرامة بعد الثورة.. وهو ما دفع الأمور إلي أن تسير في اتجاه التصعيد. ونحن نعرف.. ويعرف الإخوة السعوديون أن هناك من يسعي لتخريب العلاقات المصرية السعودية.. وقد ظهر هذا السعي واضحا جليا منذ فترة طويلة.. وخاصة من جانب من يلقون باتهامات جزافية عن تمويل سعودي لهذا التيار السياسي أو ذاك.. أو لهذا المرشح الرئاسي أو ذاك.. ومن العجيب أن الذين يطلقون هذه الشائعات لا يدققون فيما يقولون لأنهم أحياناً يطلقون الشائعة ونقيضها. وكلما زاد التقارب والتفاهم بين البلدين الشقيقين نشط هؤلاء في إحداث الفتنة لتخريب العلاقات.. وبشئ يسير من الإدراك سوف نكتشف أن التصعيد الأخير جاء في أعقاب الإعلان عن حزمة المساعدات التي قررتها الشقيقة السعودية لمصر في المرحلة الحالية. ان مصر لا يمكن أبداً أن تسمح لهذا المخطط أن يمر.. مصر تعرف قدر السعودية ومكانتها في قلب كل عربي وكل مسلم.. وتعرف انها تحتضن أكثر من مليون مصري يعملون علي أرضها دون مشاكل.. ويكسبون رزقهم حلالا طيبا.. وتعرف جيدا ان السعودية تعطي لعلاقتها مع المصريين أولوية خاصة.. سياسيا واقتصاديا وتجاريا. وقد عبرت مصر عن تقديرها للشقيقة السعودية في البيان الذي صدر بالأمس عن حكومة الدكتور كمال الجنزوري وحمل استنكاراً وإدانة للتصرفات غير المسئولة وغير المحسوبة التي تسئ إلي العلاقات بين البلدين.. وهي علاقات عميقة الجذور عبر التاريخ. كما عبرت عن هذا التقدير في البيان الذي أصدرته مجموعة الأحزاب التي اجتمعت مع المشير حسين طنطاوي لوضع معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور وعددها 20 حزبا أكدت رفضها وإدانتها بكل وضوح لأية إساءات توجه إلي السعودية قيادة وشعباً.. وأهابت بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أن يتدخل بسرعة لإنهاء الأزمة.. ورفضت كافة أساليب التصعيد وناشدت وسائل الإعلام أن تلتزم بالموضوعية. وقد كان واجباً منذ البداية أن يتم التعامل في قضية المحامي أحمد الجيزاوي في إطارها القانوني فقط.. خصوصاً أن نقابة المحامين وجهت وفداً للإطلاع علي أوراق القضية وضمان الحقوق الكاملة للمتهم وتوفير محاكمة عادلة له.. وقد قام القنصل المصري بزيارة الجيزاوي واستمع إليه. ويمكن من خلال التفاهم بروح الإخوة أن تسمح السعودية بمشاركة فريق مصري في التحقيقات التي تجري مع الجيزاوي.. وأن يتم إعلان نتيجة هذه التحقيقات علي الرأي العام بشكل شفاف ومحايد. وفي كل الأحوال.. نحن نثق في حكمة خادم الحرمين الشريفين وحرصه علي تهدئة الأوضاع حتي لا يؤثر التوتر الحالي سلباً علي المصريين الموجودين في السعودية.. كما يجب علي الحكومة المصرية أن توفر الحماية الكاملة للسفارة السعودية بالقاهرة.. مع الوضع في الاعتبار أن الإخوة السعوديين لا يحتاجون إلي حماية بيننا.. فكل بيت في مصر هو في الحقيقة سفارة للسعودية.