عميد كلية الفنون التطبيقية بجامعة بدر: هدفنا تأهيل الطلاب لأسواق العمل المختلفة داخل مصر وبالخارج    مستقبل وطن بالغربية يكثف جولاته لدعم المستشار مجدي البري في إعادة الشيوخ    وزير العدل يفتتح محكمة كفر الدوار .. ويتفقد أعمال رفع كفاءة مجمع محاكم دمنهور    جولة ميدانية لمدير إدارة مصر الجديدة لمتابعة الاستعدادات للعام الدراسي الجديد    محافظ سوهاج يعلن فوز كيان استثماري بحق الانتفاع للمجمع الصناعي الحرفي    «الوزير»: زيادة إنتاج الأسمنت لضمان تراجع الأسعار    النجار: التعاون مع المجالس التصديرية ساعد في تلبية متطلبات الدول المستوردة    النجار: التعاون مع المجالس التصديرية ساعد في تلبية متطلبات الدول المستوردة    النونو: مقترح بتشكيل لجنة من المستقلين لإدارة غزة فور وقف إطلاق النار    بدء توافد الضيوف على حفل PFA Awards لأفضل لاعب في إنجلترا.. صور    تشكيل بيراميدز في مواجهة المصري بالدوري الممتاز    مسار: إعادة قرعة دوري السيدات لا يغير من خططنا    بالإجماع.. محمد مطيع يفوز برئاسة الاتحاد الإفريقي للسومو    الداخلية تكشف حقيقة فيديو مفبرك عن تعدي شرطي على الأهالي بأسوان    مصرع ربة منزل صعقًا بالكهرباء في قنا    صدمات واعتذارات وانفصال مدوٍّ بالحلقة 4 من «بتوقيت 2028» | شاهد    ويجز يطرح "الأيام" أولى أغنيات ألبومه الجديد على يوتيوب    برج المملكة السعودية يحمل أفيش فيلم "درويش" لعمرو يوسف    تفاصيل فيلم «جوازة في جنازة» ل نيللي كريم وشريف سلامة    من تيمور تيمور إلى نيازي مصطفى.. حوادث مأساوية أنهت حياة نجوم الفن    ابني دفعه والده اثناء مشاجرتي معه؟.. أمين الفتوى يوضح حكم الشرع    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ أسوان يوجه بتوفير العلاج والتخفيف عن المواطنين بمركز صحة أول    تأهيل مستشفى العريش كمركز كتميز لتقديم خدمات النساء والتوليد وحديثي الولادة    جراحة ب «الجمجمة» إنقاذ مواطن من الموت بعد إصابته بنزيف بالمخ    فابريزيو رومانو يكشف موقف مانشستر سيتي من رحيل نجم الفريق    موجة حارة.. حالة الطقس غدًا الأربعاء 20 أغسطس في المنيا ومحافظات الصعيد    عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو يكذب ويضع شروطًا غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يصدر إجراءات جديدة بشأن المكالمات الترويجية الإزعاجية    ميلان يخسر خدمات رافاييل لياو في الجولة الأولى للدوري الإيطالي    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    وزير الصحة يجتمع مع مجموعة BDR الهندية وشركة المستقبل للصناعات الدوائية لدعم توطين صناعة الدواء    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بي بي سي ترصد طوابير شاحنات المساعدات عند معبر رفح بانتظار دخول غزة    كابوس في لحظات سعادة... تفاصيل مؤثرة لغرق طفل أمام عيني والدته بسوهاج    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    جهود «أمن المنافذ» في مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    وزير التعليم يوقّع برتوكول تعاون جديد لتنفيذ حزمة تدريبات لمعلمي الرياضيات بالمرحلة الإعدادية    لافروف: أجواء محادثات بوتين وترامب فى ألاسكا كانت جيدة للغاية    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    «الجيوماتكس ب 24.2 ألف جنيه».. «آداب الإسكندرية» تعلن مصروفات 2025/2026 والأعداد المقترحة للقبول العام الجديد    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    «الري»: منظومة إلكترونية لتراخيص الشواطئ لتسهيل الخدمات للمستثمرين والمواطنين    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات ..ومانشيت "الأمم المتحدة تركع"
نشر في المساء يوم 21 - 04 - 2012

اتاحت ظروف عمل المفكر والكاتب الكبير عبده مباشر في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك.. وعن الظروف والاسباب يكتب مجموعة من المقالات يكشف فيها الكثير من الاسرار والخفايا التي كانت تجري في الشارع الخلفي بعيدا عن الأضواء.. وعلي هذه الصفحة تنشر "المساء الأسبوعية" مقالات الكاتب الكبير.
في هذه الأيام الذهبية. كان مصطفي أمين صاحب الدار يعقد اجتماعا أسبوعيا صباح كل يوم جمعة بقاعة الاجتماعات بالدور التاسع حيث يوجد مكتبه ومكتب توأمه علي أمين. وفي هذا الاجتماع الذي يستمر لأكثر من سبع أو ثماني ساعات تجري مناقشة كل القضايا المطروحة. الكل يتحدث ويشارك في المناقشات. ومصطفي أمين يقود الحوار ويشجع عليه ويمسك الخيط دائما ليحكي ويرشد ويعلم ويرعي ويصقل.
وخلال الاجتماع تتناثر الأسرار.
ولأنه صاحب "الأخبار" هو وتوأمه. فإنه يسعي لزيادة التوزيع ولا تتحقق زيادة التوزيع إلا بتقديم مادة صحفية تجذب القراء وتربطهم بالجريدة. وهذه المادة لا يمكن أن يقدمها إلا صحفيون متميزون وكتاب لهم باع في الكتابة ولهم من النجومية ما يؤهلهم لإقبال القراء علي قراءتهم.
وقد عملت الأخبار كمدرسة لتفريخ الموهوبين وفتح الأبواب أمامهم.
وكانت سبل صناعة النجوم كثيرة ومن بينها السفر إلي الخارج سواء للعمل أو للدراسة أو التدريب. ولقد أوفدت الأخبار الأستاذ محمد حسنين هيكل إلي اليابان وكوريا وفلسطين والولايات المتحدة حيث تابع معارك 1948 في فلسطين واليابان بعد استسلامها. وكوريا أثناء انفجار الموقف بين الكوريتين. كما أتاحت لأنيس منصور السفر حول العالم وجاء كتابه حول العالم في 200 يوم. ليكون في مقدمة الكتب الأكثر مبيعا باللغة العربية. وبجانب هيكل وأنيس هناك المئات من الزملاء ولكن قبل الانطلاق هناك عمليات انتقاء للمواهب وكان اجتماع الجمعة مجالا لاكتشاف البعض. كما كانت ولائم العشاء التي يقيمها مصطفي أمين مساء أيام الأحد والأربعاء إذا ما كانت ظروفه تسمح بذلك ميدانا آخر وقد دأب علي دعوة اثنين من الصحفيين الجدد كل مرة.
خلال هذه الدعوات يلتقي الزميلان بنجوم المجتمع في السياسة والصحافة والفن والأدب. وتتقارب المسافات وفي مثل هذا المناخ المتميز تجري إزاحة الستار عن كثير من الأسرار وكان المجال الثالث لمعرفة المزيد منها خلال سهرات كامل الشناوي سواء في كافيتريا "نايت" آند داي" بفندق سميراميس أو بكافيتريا "ابيس" بفندق هيلتون.
وكنت قد بدأت طريقي إلي هذه السهرات بصحبة صديق العمر اسماعيل النقيب. ولأن هذه السهرات كانت تستمر حتي ساعات الصباح الأولي كان الوقت المتاح لي للنوم محدودا جدا. فقد كان مطلوبا أن أحضر اجتماع قسم الأخبار بجريدة الأخبار في الساعة التاسعة صباحا.
وبعد ما يقرب من عامين من هذه الحياة الليلية الجميلة والمخملية وهذه الصحبة التي لا نظير لها في ظرفها وثقافتها وكرمها وإنسانيتها كنت أعلم أنني سأخسر فرصة للاقتراب من الأسرار التي تدور في الشارع الخلفي للحكم. ولكني كنت في شوق للعودة إلي مقعد الدراسة بحثا عن معارف جديدة وأكثر عمقا وشمولا وتخصصا.
أما الميدان الرابع للمعلومات والأسرار وهو الأهم. فكان من خلال صداقاتي وعلاقاتي التي توطدت بعدد كبيرمن قادة القوات المسلحة بحكم مسئوليتي عن القطاع العسكري.
وكان من بين المعلومات التي كشفت عنها الأحداث المرتبطة بليلة 23 يوليو 1952 والتي جري ترديدها وتقييم أبطالها أكثر من مرة ما فعله جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأنور السادات.
فقد ركب ناصر وعامر سيارة ناصر الاوستن السوداء وهما يرتديان زيهما المدني. وظلا يجوبان الشوارع حتي بدأت القوات المشاركة في الانفلات تتحرك وتصل إلي مصر الجديدة. وهناك ألقت قوات كتيبة المقدم يوسف صديق القبض عليهما. وتوالت الأحداث.
أما أنور السادات. فقد اصطحب زوجته الي سينما صيفي بشارع المقبل. وبداخل السينما تشاجر مع أحد المتفرجين وتوجه معه إلي نقطة المنيل لتسجيل الواقعة في محضر.
وكانت هناك معلومات يجري تداولها همسا وكلها تدور حول أنور السادات وأسلوبه في التعامل مع الرئيس عبدالناصر فقد قرأ السادات شخصية الرجل. وتأكد أنه يحب الانفراد بالأمر ولا يقبل شريكا تحت أي مسمي. فاختار الابتعاد والتظاهر بعدم الرغبة في السلطة ومن أجل حبك مناوراته. صادق صحفية بيضاء شقراء عيونها خضراء اللون طويلة وممتلئة نوعا ما. ووفق علاقته بها بعد أن عرف أنها تعمل لحساب جهاز أمني. وهكذا أصبح واثقا أن أخبار هذه العلاقة ستصل أولا بأول إلي الرئيس عبدالناصر.
وظل يلتقي بها لفترة إلي أن اقترح عليها أن تترك زوجها. وتهرب معه. وحاول اقناعها بالهرب بكل السبل. وقال لها إنه لن يستطيع الزواج منها طالما استمر يقيم بمصر خشية من العواصف التي ستثيرها زوجته. كما أنه يخشي من تدخل الرئيس للحفاظ علي تماسك أسرته إذا ما وصلته شكاوي من زوجته.. وبمثل هذا السيناريو المحبوك بعناية. أكد للرئيس انه بعيد تماما عن المسرح السياسي بكل ما يشهده من أحداث وصراعات وأن له عالمه الخاص الذي لا علاقة له بهذا المسرح.
ولاستكمال هذه الصورة كان يتردد دائما علي النادي الأهلي ليلتقي بمجموعة من الأصدقاء في مقدمتهم صديقه الدكتور رشاد رشدي.
وتعلم من رشاد رشدي وضع مناديل حريرية في أكمام السترات التي يرتديها. وبما يوحي أنه غارق في الحياة الناعمة فمثل هذه المعلومات والتي فتحت الباب لكي يستنتج البعض من الأصدقاء أن الرجل يعمل بكل همة ليظل بجوار عبدالناصر علي القمة راضيا بالظل ومبتعدا عن بؤرة الضوء إلي أن تحين اللحظة التي برث فيها موقعه. كما أنه عمل بلا كلل للوقيعة بين عبدالناصر ومعظم أعضاء المجموعة اليوليوية بما فيهم عبدالحكيم عامر. ووقف بجواره مساندا كل الخطوات التي اتخذها للتخلص من الرفاق والزملاء رفيقا بعد رفيق وزميلا بعد زميل وفقا للقاعدة التي تؤكد أن الثورات تأكل بنيها. لقد ساعده بكل قوته علي وضع هذه القاعدة موضع التنفيذ. وحرص دائما علي أن يكون هو الاستثناء.
وقد نجح في ذلك بامتياز.. وأضاف إلي ذلك كرم الضيافة.. وكثيرا ما كان يدعو الرئيس عبدالناصر لتناول الطعام في بيته بحضور زوجته وابنه وبناته. وبذل جهودا طيبة هو وزوجته من أجل أن يقضي الرئيس وقتا طيبا دائما.
ومثل هذه الأوقات. وافقت هوي الضيف الكبير. حيث وجد في زوجة السادات الصحبة الجميلة. فهي حكاءة جيدة. وتجيد الحديث دائما. وتعرف كيف تختار الموضوعات وتنتقي الكلمات المناسبة والأهم تعرف كيف تتكلم أمام عبدالناصر وكيف تستحوذ علي أذنه واهتماماه.
هذه السيدة البارعة الجميلة. تمكنت بحسن الضيافة والحديث أن تجعل من بيتها واحة بالنسبة لعبدالناصر المرهق بالعمل وبالمسئوليات وبالأزمات والصراعات التي لا تنتهي في بيتها كان ينسي كل ذلك ويسعد بقضاء وقت طيب ولأن بعض أعضاء المجموعة كانوا ضيوفا في بعض الأحيان مع عبدالناصر فقد أتيحت لهم الفرصة ليدركوا مدي إحساس عبدالناصر بالراحة والاستمتاع بالوقت وبصورة أخري كان يرتاح من القضايا السياسية وضغوط الصراعات والأزمات علي شاطئها وعلي أمواج صوتها وأحاديثها وكان آخر من تحدثت معه حول هذا الأمر عبداللطيف بغدادي العضو البارز بالمجموعة اليوليوية أثناء وجوده بمستشفي بمدينة فيسبادن الألمانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي حينما كنت أزوره. وفي مرات كثيرة كنت بصحبة العميد بحري شيرين حسن الملحق الحربي المصري بألمانيا والدكتور أحمد السجاعي أحد أشهر جراحي التجميل في العالم وعميد الجالية المصرية بألمانيا. كان الحوار يدور دائما حول 23 يوليو ومصر. وعندما يتطرق الحديث عن أنور السادات وتردد جمال عبدالناصر علي منزله. كان يشيد بالسيدة جيهان وقدراتها وبراعتها. ويؤكد أن عبدالناصر كان يحب أن يقضي الكثير من الوقت هناك وقال إن عبدالناصر كان يصف الضيافة بقوله إنها تفعل كل شيء بشياكة ويردد دائما "إن قعدتها طرية".
وهذه "القعدة الطرية" أسهمت بصوة فعالة في إعادة السادات إلي موقعه كنائب لرئيس الجمهورية بعد أن أمره عبدالناصر أن يلزم منزله وتبدأ القصة وعندما نال قصر يطل علي شارع الهرم في مواجهة البوابة الرئيسية لأكاديمية الفنون اعجابه وكان اللواء المهندس الموجي قد اشتراه من ملاكه وبدأ في إعداده للانتقال إليه.. ولأن عبدالناصر كان في الاتحاد السوفيتي للعلاج في مصحة تسخا لطويو. فقد استغل السادات الظروف وأصدر قرارا للاستحواذ علي القصر.
ولم يهدأ المالك. واشتكي لكل الأطراف حتي وصلت شكواه إلي الرئيس في الاتحاد السوفيتي. وتقررت عودة الرئيس وبعد أن هبط سلم الطائرة في مطار القاهرة وجد السادات في مقدمة المستقبلين باعتباره نائبا لرئيس الجمهورية. فقال له بصوت مرتفع. "أنت باين عليك عيان قوي. روح استريح في ميت أبوالكوم". وأمر بإعادة القصر إلي صاحبه ونفذ السادات أمر الابعاد في صمت ودون مناقشة. وكل ما قاله "حاضر يا فندم" وبعد فترة. تلقي الرئيس اتصالا تليفونيا من بيت السادات لدعوته لتناول طعام الغداء أثناء توجهه بالسيارة إلي الاسكندرية ولبي عبدالناصر الدعوة وقبل أن يغادر. قال للسادات "تقدر ترجع مكتبك" وكان أول واجب رسمي له. استقبال لي كوان يو رئيس سنغافورة وبهذا أكد للجميع أنه يمارس مسئولياته كنائب لرئيس الجمهورية.
وبعد أسابيع رحل عبدالناصر عن عالمنا. ومن قلب الصراع علي السلطة وقتذاك. انتصر معسكر الشرعية. أي أن يحل النائب محل الرئيس. وأصبح السادات رئيسا للجمهورية. وفقا للقواعد التي نص عليها الدستور.
وأثناء تحمله لمسئولياته كرئيس لمجلس الأمة. تلقيت دعوة من الدكتور رشاد رشدي لتناول قدح من الشاي معه بالنادي الأهلي. وأخبرني أن السادات سيكون موجودا. وكان يسيرا أن أستنتج أن السادات هو صاحب الدعوة وبدأت أستعيد ما سمعته وعرفته عن الرجل وما يتمتع به من ذكاء ومكر بالإضافة إلي دوره في الحركة الوطنية المصرية واشتراكه في عملية اغتيال أمين عثمان وزير المالية المصري عقابا له علي وصفه معاهدة 1936 بأنها كالزواج الكاثوليكي بين مصر وبريطانيا.
وانخراط الرجل في العمل السري لسنوات طويلة بجانب نشاطه في التعاون مع شبكة ابلر الألمانية المعروفة بقضية "العوامة" يضاعف من حالة التحسب في التعامل معه. وكان هناك موقفان أو واقعتان. فقد كنت موجودا خلف عبدالناصر والمشير عامر في تلك المناورة التي تمت بمدينة العريش. وعرف أنني سمعت ما قاله عامر و الثانية. عندما رآني ضيفا علي المشير عامر باستراحة الهرم. وعندما وصل السادات واشترك في الحوار مع كل من عباس رضوان وصلاح نصر. رأيت أن الوقت قد حان للمغادرة.
لقد طلب المشير حضوري ليسر إلي بخبر طلب أن أنشره دون أن أنسبه إليه ودون أن أخبر أحدا أنه مصدره. فوعدته. ونشرت الخبر فعلا وسألني الدكتور رشاد رشدي عن زياراتي لليمن وانطباعاتي. فبدأت أكي وأنا أضع في اعتباري أن السادات كان له دور رئيسي في الأحداث.
وبعد فترة تدخل السادات لأول مرة في الحديث مستغربا ما قلته. إنني شربت مع غيري الماء بالدود بعيدا عن صنعاء العاصمة. وأن البسكويت الذي يصرف للقوات مسكون بالسوس.
وطلب أن يسمع المزيد عن تجربتي وبصورة تبدو وكأنها في سياق الحديث سألني عما إذا كنت قد أخبرت عبدالحكيم عامر بما رأيت. فأجبته بأنه لم يسألني أبدا عن اليمن. وبالتالي لم تكن هناك فرصة لكي أحكي له. ثم أنني أعرف تماما أن أجهزة جمع المعلومات تطلعه أولا بأول عن حقائق الأوضاع هناك.
وبدا ان إجابتي لم تكن علي هواه. فانتقل بالحديث عن الصحافة. فسألته باعتباره مسئولا كبيرا سبق أن مارس المهنة وارتبط بعلاقات وثيقة بعدد كبير من كبار الصحفيين والكتاب. كيف ينظر للقيادات التي تحملت المسئولية في دور الصحف بعد التأميم؟
فسألني من أقصد بالتحديد. فأجبته بأنني سأحكي واقعة واحدة عاصرتها مع جيلي وهو الجيل الأحدث بالصحافة من باقي الأجيال. وقلت له. بعد الانتهاء من كتابة المانشيت والعناوين الرئيسية. كان علي الأستاذ أحمد لطفي حسونة نائب رئيس التحرير المسئول أن يتوجه لمكتب كمال رفعت رئيس مجلس الادارة. وكالمعتاد لم يكن الرجل موجودا لأنه كان يتحمل مسئولية وزير العمل في نفس الوقت بجانب مسئولياته الأخري. ولم يكن مدير مكتبه الرائد علي اسماعيل الامبابي موجودا أيضا. لأنه حريص علي أن يكون بصحبة الوزير. وكان الموجود هو"الصول" أحمد زكي.
كانت كلمات المانشيت "الأمم المتحدة تركع" فقرأ الصول المانشيت وسأل الأستاذ حسونة. يعني إيه تركع؟
ولم يفهم نائب رئيس التحرير السؤال. وبالتالي لم يعرف ماذا يقول؟
وسأل نفسه. ألا يعرف الصول معني كلمة تركع؟ أم أنه لا يعرف ما هي الأمم المتحدة؟ فأعاد الرجل الجالس علي مقعد المسئولية. الصول أحمد زكي السؤال. يعني إيه تركع يا أستاذ أحمد؟
فقال له. أرجو من سيادتك الاتصال بكمال بك رفعت وإبلاغه بالمانشيت وسؤاله عما إذا كان سيوافق أم سيطلب اختيار مانشيت أخر؟.
فقال له الصول. يا أستاذ أحمد أنا الرجل المسئول هنا بمجلس رئيس مجلس الإدارة. وأنا المفوض بالموافقة علي كل ما ينشر بالجريدة. ثم واصل قائلا "أنا عايز أفهم. يعني إيه تركع"؟
فلم يجد الأستاذ حسونة مفرا من أن يقوم بالركوع بلا صلاة. وقال له. الركوع هكذا يا أحمد بك.
فضحك أحمد بك كثيرا. ووصل إلي حد القهقهة. وطلب منه أن يشاهد الركوع مرة أخري وكرر الأستاذ حسونة الركوع. فقال له الصول هايل "أنا دلوقتي فهمت".
فسأله الأستاذ حسونة. من بين الدموع التي سالت من عينيه. يعني سيادتك موافق علي المانشيت. فقال له نعم. فطلب منه التوقيع بالموافقة فوقع وعاد الرجل إلينا في صالة التحرير. وكل مظاهر التعاسة بادية عليه. فسألناه. فحكي لنا ماجري.
وأصيب الحاضرون بالوجوم. ولم أستطع أن أمنع دموعي. وفشلت في السيطرة علي الانفعال الذي اعتراني. وسألني السادات بجدية. هل هذه القصة حقيقية. وليست فيها مبالغات؟ فأكدت له إنها حقيقية. وقلت سيادتك تستطيع أن تستوثق منها من مصادرك. فقال. سأطلع الرئيس عبدالناصر. وأعتقد أنه لا يمكن أن يرضي أو يقبل بما تعرض له الأستاذ حسونة. ثم سألني عما إذا كنت علي استعداد لأن أحكيها مرة أخري أمام سيادة الرئيس. فقلت بتلقائية. إنني علي استعداد لأن أحكيها أمام محكمة العدل الدولية. لو طلب مني ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.