في حفل أوركسترا القاهرة السيمفوني الأخير الذي قاده المايسترو نادر عباسي كنت سأعده من الحفلات الهامة هذا الموسم وكنت سأرجع الأهمية لأن برنامجه سوف يتضمن مقطوعة موسيقية لموسيقار المقاومة "مارسيل خليفة" الذي يعزف له السيمفوني المصري لأول مرة لأن هذا يمثل خطوة جيدة من الأوركسترا لتقديم مؤلفات الموسيقيين العرب وعلي أمل ان يقدموا المؤلفات المصرية التي ظننت من طول غيابها عن البرنامج ان مكتبتها قد أصابها مكروه.. ولكن الأمل تبخر عندما فوجئت كغيري من رواد الحفل ان مقطوعة مارسيل غير واردة في البرنامج رغم انه تم الإعلان عنها وكتبنا عنها في خبر عن الحفل الأسبوع الماضي علي هذه الصفحة. الغريب انه لم يتم التنويه عن ذلك ولا الاعتذار للجمهور الذي بعضة وأنا منهم جاء خصيصاً لسماع هذه المقطوعة الصغيرة وعنوانها "تحية".. ربما ظروف فنية عاقت تقديمها والتدريب عليها خاصة انها في حاجة لآلات من خارج الفرقة مثل العود والقانون والطبلة هذا وارد ولكن ان يتم تجاهل الجمهور فهذا غير مقبول.. ولكن رغم هذا الخطأ الا ان الأداء المتميز للعازف المصري الموهوب حسن معتزضمن فقرات البرنامج جعلنا ننسي الاساءة ولا نغفرها!! شستاكوفيتش الفقرة التي أداها حسن معتز وتعد درة هذا البرنامج كانت كونشرتو التشيللو والأوركسترا رقم 1 مصنف 107 للمؤلف الروسي ديمتري شستاكوفيتش "1906 - 1975" ويعد من الأعمال المعاصرة والحديثة نوعاً ما حيث كتبه المؤلف عام 1959 لصديقه عازف التشيللو روستروبوفيتش "1927 - 2007" والذي يعد من أعلام القرن العشرين في العزف علي التشيللو ولهذا نجد المؤلف تعمد ان يكون هناك صعوبة في التكنيك مما جعل هذا العمل يحتاج لعازف ماهر أيضاً اعطي المؤلف مساحة كبيرة للعازف المنفرد والذي لا يصمت عن العزف الا فترات قليلة جداً بالقياس للكونشرتات الأخري أي ان التشيللو بطل متوج طوال العمل ولهذا يعد اختيار هذا العمل من قبل هذا الشاب قرارا جريئا يؤكد انه ينوي السير في طريق التقدم.. وهذا الكونشرتو مكون من 4 حركات الأولي تعزف منفردة والثلاث حركات تعزف متصلة والحركة الأولي سريعة ونشطة تبدأ بعزف 4 نغمات منفردة علي التشيللو وعزفها هذا الشاب المجتهد بإتقان لهذه النغمات التي تربط بين أجزاء العمل باعادتها مرة أخري في ختام العمل الذي يتميز بالثراء اللحني والتوزيع الأوركسترالي المبهر الذي يعد من أهم سمات مؤلفات القرن العشرين كما ان به توظيفا متميزا لباقي آلات الفريق مثل الكلارنيت والكورنو والأبوا والفلوت والفاجوت والتيمباني. أما الوتريات فاستمتعنا في هذا العمل بكل أنواع العزف الجماعي من ضرب شديد بالقوس من النبر بالأصابع وأيضاً من عزف للمجموعات فنجد حواراً بديعاً بين العازف المنفرد والوتريات الغليظة "الكونترباص ومجموعة التشيللو والفيولا" ونجد ايضا حواراً مع آلات الكمان وتبادلا بين الأوركسترا بأكمله والتشيللو وعزف مع كل الفريق هذا من خلال بناء محكم ونسيج موسيقي متماسك فسره المايسترو نادر عباسي تفسيراً جيداً كما يحسب له أنه جعل عازفي الفريق يخرجون اجمل ما لديهم ولا يفوتنا انه تضمن تشكيل الفريق العازفين الأوائل ذات المهارات العالية منهم علي سبيل المثال لا الحصر طارق مهران ووسام أحمد وتامر فهمي وعازف الكلارنيت جونج كي شوي الذي كان متألقاً خاصة انه عزف منفرداً أكثر من مرة ولهذا تعجبت ان المايسترو لم يعطه فرصة للوقوف في نهاية العمل لتحييه الجماهير.. أما العازف المنفرد فكما سبق ان ذكرت نجده حفظ العمل جيداً وسعي لتقديمه بشكل طيب وأدي الكادينزا بمهارة وأري ان هذا العمل ميلاد حقيقي له كعازف سوليست لأنه من الأعمال الصعبة والتي تعد من عيون ريبرتوار آلة التشيللو كما ان تسجيلات العازف الأصلي "روستروبوفيتش" منتشرة مما جعل هناك مقارنة مفروضة وأعتقد ان حسن معتز اطلع عليها واجتهد إلي حد كبير صحيح انه كان عصبياً في بداية العمل وضرب بالقوس بشدة مبالغ فيها ولكن هذا نابع من توتر اداء العمل لأول مرة وأيضاً من إحساسه بقيمة ما يؤديه ولكن بالتدريج اختفي التوتر وحل محله الثقة والهدوء التي جعلتنا نفخر بهذا الشاب المصري ونستبشر خيراً بمستقبله. برنامج تقليدي برنامج الحفل كله من رصيد الأوركسترا فهذا الكونشرتو الذي تناولناه سبق تقديمه في فبراير عام 1998 وعزفه العازف كامل صلاح الدين المقيم في ألمانيا وذلك في إطار خطة السيمفوني لتقديم مؤلفات القرن العشرين والتي بدأت عام 1996 علي يد المايسترو أحمد الصعيدي كما افتتح البرنامج بافتتاحية "ايجمونت" لبيتهوفن والتي يقدمها الفريق كثيراً وهي تعد مناسبة للظروف الثورية التي نعيشها فهي افتتاحية لمسرحية الأديب الألماني جوته "ايجمونت" والتي ألفها عام 1786 ويدور موضوعها في القرن السادس عشرة حول الكونت ايجمونت الذي يدافع عن حرية الشعوب وبيتهوفن كتب موسيقي مصاحبة للمسرحية مع هذه الافتتاحية الشهيرة بين 1809 - 1810 وهي الفترة التي احتلت فيها جيوش نابليون مدينة فيينا ومع الأيام انفصلت الافتتاحية عن المسرحية وصارت عملاً أوركستراليا يقدم مستقلاً في حفلات الكونسير ولكن يرمز إلي الثورية والدفاع عن الظلم.. تتضمن البرنامج أيضاً السيمفونية السادسة لتشايكوفسكي "1840 - 1893" والتي تعرف باسم "المؤثرة" والتي هي أيضاً من الرصيد الفني للسيمفوني. كلمة أخيرة وأخيراً كما نري البرنامج ليس به جديد باستثناء انه قدم لنا شاباً مصرياً في عمل جديد عليه وصعب والمايسترو عباسي الذي هو أيضاً مؤلف موسيقي وله تجربة جيدة في القيادة في مصر وخارجها وكان مديراً فنياً متميزاً لأوركسترا أوبرا القاهرة وطور مفهوم حفلات الجالا كونسرت وحالياً كسبته قطر وتستفيد منه كنت أتوقع منه ان يقدم لنا برنامجاً غير تقليدي يمثل اضافة للفريق وللجمهور ويترك البرامج التقليدية للهواة الذين يقودون هذا الفريق كثيراً!! ولكن حتي لا نحيد عن الحق الأداء في هذا الحفل بشكل عام كان متميزاً وكان الفريق في أحسن حالاته واستطاع المايسترو ان يحسن التوازن المطلوب وان يقدم الأعمال بأسلوب احتفالي جميل.