كثيراً ما تثار الاسئلة حول علاقة السلفيين بالآخر المختلف سياسيا ودينياً ومذهبيا.. مع ما يشاع عنهم من تشدد وصرامة وانغلاق علي أنفسهم ومجتمعهم الخاص وتجنب الاختلاط مع الآخرين أيا كانوا.. لكن المؤكد أن التجربة السياسية لحزب النور السلفي نجحت في تقديم فائدة مزدوجة للتيار السلفي وللآخر المختلف معه أو مختلف عنه. لا أشك لحظة في أن هذه التجربة السياسية التي جاءت مفاجئة بعد الثورة دون استعداد ودون تمهيد أحدثت تغييرات مهمة داخل التيار السلفي.. علي مستوي القيادة والقاعدة.. فقد يسرت لهم نوافذ الانفتاح علي المجتمع مع الاحساس بالحرية والاطمئنان.. كما أحدثت- علي الجانب الآخر- تغييراً مهماً في نظرة المجتمع للسلفيين.. وقربتهم من الناس.. وأظهرت أن فيهم نماذج مستنيرة قادرة علي إدراك فقه الواقع وقادرة أيضا علي الحديث بلغة التواصل وليس لغة التقاطع مع الآخرين.. ولعل النموذج الأبرز هنا هو الأخ نادر بكار الذي يمتلك كفاءة مشهودة وقبولاً محموداً عندما يتكلم ويتحاور ويتجادل ويختلف. وقد جاءت وفاة البابا شنودة لتقدم مناسبة جديدة لاختبار انفتاح السلفيين.. خصوصا مع الحملة التي صاحبت الوفاة لتخويف اخواننا المسيحيين من المستقبل في ظل سيطرة الاسلاميين.. اخوانا وسلفيين.. علي البرلمان وفي ظل اقرار انتخاب 50% من اعضاء البرلمان في لجنة المائة لوضع الدستور. بعض الذين يكتبون في الصحف ويتحدثون في الفضائيات يهددون ويتوعدون بأنه اذا هيمن الاسلاميون علي لجنة إعداد الدستور وانتقصوا من حقوق المواطنة المتساوية لجميع المصريين وحرية العبادة والاعتقاد وأضافوا أي مواد للتمييز بين المواطنين علي أساس ديني أو طائفي فإن مصر سوف تشتعل.. خصوصا بعد وفاة البابا شنودة الذي كان يحتوي طاقات الغضب ويفض المظاهرات المسيحية ويعالج الأمور بحكمة وسعة صدر.. واذا أفلت الزمام- لا قدر الله- فان الانقسام آت آت. وربما ينسي هؤلاء أو يتناسون.. أن الدستور لن يكون ملكا للبرلمان ولا للاسلاميين وحدهم وانما هو ملك لكل المصريين بكل تنوعهم.. ومصر التي تغيرت بعد ثورة الحرية والديمقراطية والكرامة لا يمكن أبداً أن تسمح لأحد كائنا من كان بأن يمس القيم الرفيعة التي تضمن حقوق المصريين وكرامتهم جميعا دون تفرقة بين الدين أو الجنس أو اللون أو العرق. مصر لن تسمح لأحد ولا لتيار أن ينتقص من حقوق المواطنة ولا من الحريات ولا من ثوابت الوطن.. بالعكس نحن ننتظر من الذين سوف يقومون باعداد الدستور أن يخلصوه من التشوهات التي أذلت مصر والمصريين وحولتهم جميعا إلي أرقاء في وطنهم وجعلت من حكامهم فراعنة عليهم لا يعرفون غير رأيهم وكلمتهم ولا يعرفون غير مصلحتهم ومصلحة الحاشية الفاسدة المنافقة المحيطة بهم. لذلك أري أن حملة التخويف هذه سابقة لأوانها. وكان يجب أن تأتي بدلا منها حملة للتوافق والتقارب بين التيارات المختلفة تقوم علي الصدق والحوار الهاديء.. ومن هذا المنطلق شعرت بارتياح تجاه البيان الذي أصدره حزب النور ينعي فيه وفاة البابا شنودة ويوجه تعازيه إلي كافة المواطنين المسيحيين وإلي الكنيسة الأرثوذكسية.. ويعرب عن آماله لكافة المسيحيين أن يتوفقوا في اختيار قيادة جديدة ترعي مصلحة الوطن والمواطنين. قلت في نفسي هذا تحول مهم وانفتاح محمود.. ولا بأس أن يكون ذلك إحدي النتائج المرجوة من العمل السياسي.. فالسياسة ليست شراً مطلقا ولا هي لعنة وكذب وضلال كما يحاول البعض تصويرها.. وانما هي انفتاح وارتباط بالناس واحساس بالجماهير. لكن يبدو أن التغيير المرجو لم يتحقق مع كافة العناصر والرموز التي تنتمي إلي التيار السلفي.. وما حدث في جلسة مجلس الشعب أمس خير دليل علي ذلك.. وأنا انقل الآن من موقع "اليوم السابع" التفاصيل علي النحو التالي: انقسم حزب النور 3 أقسام أثناء الوقوع دقيقة حداداً علي وفاة البابا شنودة.. رفض الفريق الأول مبدأ الوقوف لسبب شرعي وخرج من القاعة لعدم الوقوع في حرج ثم عاد بعد جلوس الاعضاء.. وعدد هذا الفريق حوالي 8 نواب علي رأسهم أحمد خليل المتحدث الاعلامي باسم الهيئة البرلمانية.. والقسم الثاني فضل الجلوس في القاعة ولم يقف ولم يغادر وعدد هذا الفريق 4 نواب.. أما القسم الثالث فقد ضم بقية أعضاء حزب النور وقد شاركوا في الوقفة وعلي رأسهم النائب سيد مصطفي رئيس الهيئة البرلمانية للحزب وهو نفسه الذي قدم عزاء النور إلي الأقباط في وفاة البابا شنودة. ان كنت متفائلا مثلي فستقول هذا تطور جيد وخطوة علي الطريق.. فأغلبية ال 170 نائبا سلفيا شاركوا في وقفة الحداد ولم يجدوا في اجتهادهم حرجا من ذلك بينما الذين لم يشاركوا أقلية قليلة جدا- حوالي 12 نائبا فقط- منهم 8 آثروا الخروج- أما ان كنت متشائما فسوف تقول "مفيش فايدة". وكالعادة.. جاءت تعليقات القراء متفاوتة علي الخبر.. هنا من أيد وهناك من عارض.. وهناك من رأي أن المسألة فيها حرية دون اجبار ويكفي أن حزب النور قدم التعازي.. لكن لفت نظري تعليق القاريء رامي سمير الذي كتب "أنا مسيحي من القاهرة وأحب أن أذكر ان ما فعله النواب ليس من أخلاق رسول المحبة والاسلام سيدنا محمد فعندما كان جالسا مرت أمامه جنازة يهودي فقام واقفا احتراما للموقف ولجلال الموت فأين هذا ممن يعتبرون أنفسهم من السلف الصالح مع احترامي الكامل للاسلام والمسلمين. شكرا لك يا أخ رامي أن ذكرتنا وذكرتهم.. وما يذكر إلا أولو الألباب.