من المؤكد ان الصديق والزميل والابن العزيز محمد عيداروس لم يخطر علي باله ابدا وهو يكتب هذا العمل "العشرة المبشرون بحكم مصر" ان الرقم "عشرة" سوف يقفز إلي فوق الخمسمائة حتي كتابة هذه السطور وربما اقترب من الألف عند قفل باب الترشيح "!!" فالطامعون في حكم مصر حسب الصورة السيريالية التي تظهر أمامنا الآن تجاوزت اعدادهم حدود الفنتازيا ودخلت إلي عالم العبث واللامعقول. "البورتريهات" التي ضمها كتاب عيداروس خلاصة تحقيق جيد وجهد جاد من حيث المادة الموضوعية وفي مجموعها شكلت الموجة الأولي من الطامحين إلي الجلوس علي كرسي الرياسة وهذه الموجة تنوعت ملامح أشخاصها وتباينت بشدة اتجاهاتهم السياسية فمنهم من ينتمي قلبا وقالبا لنظام المخلوع وان تبرأ منه ومنهم من هجر الجماعة المحظورة بعد أن أصبحت محظوظة رافضا سيكولوجية القطيع ومنهم من رفع راية الناصرية ومنهم من راهن علي سنوات السجن والاضطهاد التي دفعها ثمن معارضته للنظام.. الخ.. إلخ. هذه الموجة الأولي من المرشحين المحتملين للرياسة أيا كان رأينا فيهم سواء بالسلب أو الايجاب هي في نهاية المطاف تعبر عن تضاريس ثقافية وسياسية وايديولوجية لخريطة مصر بعد أن ذهبت "سكرة" ثورة 25 يناير وأفقنا علي طوفان ما بعدها أي بعد انتزاع غطاء المجرور السحيق الذي قفز منه كل هذا الطفح والخليط العجيب الزاحف علي كل مظاهر الحياة دونما اعتبار إلي أن ما حدث ثورة علي نظام خلف لنا ما كان مكتوما وخافيا تحت غطاء حديدي رهيب. كتاب "المبشرون بحكم مصر" يضع القارئ أمام تساؤلات قد لا ننجح في الاجابة عليها كلها. ذلك اذا كان القارئ محايدا وخالي البال ازاء هؤلاء الذين رسمهم المؤلف بين دفتي الكتاب "324 صفحة" معتمدا علي ارشيف المعلومات المتاحة وعلي اجتهاداته في الوصول الي تفاصيل كثيرة حول نشاط كل منهم في ميادين العمل العام. ووسط هذه الوفرة من المعلومات هناك من القراء من يستطيع أن يحلل مضمون النصوص مستعينا بمعلوماته أو انطباعاته التي تجمعت حول شخصية كل منهم حتي يصل الي قناعة لمن سيعطي صوته أو يحجبه. لقد انسحب البرادعي من سباق المنافسة علي الكرسي مبتعدا عن السيرك السياسي المنصوب الذي يتضمن "نمرا" ظاهرة وخفية لا تنبيء بشفافية ولا ايمان فعلي بالثورة.. وهناك من بين "المبشرون" من تراجعت شعبيته ومن انزوي في "الخص" وعينه علي المشهد ومن أظهرت المواقف العفوية التي عبر عنها أثناء الهرولة أملا في الكرسي ما وراء القناع الذي ظل محكما لفترة. فسقوط الأقنعة وارد وبعضها شفاف. علي أي حال سيظل هذا الكتاب بما يحتويه من معلومات لخصها المؤلف في عناوين ذات دلالة مثل "مبعوث التغيير" و"دبلوماسي الشعب" و"الثائر البرتقالي" و"مهاتير مصر" و"المستشار الذي قال لا" و"المقاتل الصلب" و"مرشح عاصفة الصحراء".. إلخ. * المفارقة الهزلية ان الطوابير الطامحة إلي حكم مصر كما تدل عليهم "الصورة" تشير إلي أن العرض القادم سيكون مزيجا من الميلودراما الزاعقة والكوميديا السوداء.