يبدو ان وثائق مصر التاريخية وتراثها القديم قد كُتب عليه الإهمال والتدمير.. سواء في عصرنا الحالي أو في العصور القديمة وعلي وجه الخصوص في عهد محمد علي باشا الكبير الذي حكم البلاد بكل عنف وبطش وجعل الناس في ذعر دائم ولكن هذا الأسلوب الذي اتبعه الباشا لم يمنع حدوث حريق هائل دمر وثائق قرنين من الزمان.. كانت محفوظة في بيت الوثائق ودار الارشيف المصري وهو ديوان كتخدا بك. ذكر العلامة عبدالرحمن الجبرتي في تاريخ عجائب الآثار انه خلال حكم محمد علي باشا وفي شهر يونيه سنة 1820 وقع هذا الحريق.. وصفه الجبرتي بقوله "وقع حريق في سراية القلعة.. واهتموا باطفاء النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتي شح الماء ولا يكاد يوجد!! وكان ذلك في شدة الحر.. وظلوا في إطفاء النيران يومين.. وقد تلفت أشياء وأمتعة ودفاتر حرقاً ونهباً وقد تلف في هذا الحريق أكثر من 25 ألف كيس حرقاً ونهباً" وقد تم في هذا الحريق تدمير كثير من الوثائق الهامة الخاصة بالوالي خلال الفترة من 1805 إلي .1820 ورغم قوة جنود "العسس" أو مباحث الباشا في البحث عن المتسبب في هذا الحريق.. إلا أنهم لم يعثروا علي الفاعل.. وظل مجهولاً. ولهذا فقد اهتم محمد علي باشا بإنشاء دار للمحفوظات العمومية "الدفترخانة" وذلك في عام 1829 لتجميع سجلات جميع الدواوين والاقاليم في مكان واحد.. بدلاً من حفظها في عدة أماكن وتكون بيد النظار والباشكاتب حتي تصان من التلف ويُرجع إليها عند الحاجة وقد وُضعت لها لائحة في يناير 1830 كما ذكر الدكتور عبدالخالق لاشين في كتابه "مصريات". وتم منذ ذلك التاريخ تتابع صدور اللوائح المنظمة للحفظ لتتمشي مع مفهوم الدولة الحديثة وتتنوع مجالات عملها وتعدد أجهزتها ومؤسساتها ولكن كل هذه اللوائح التي صدرت في أعوام 1846. ونوفمبر 1965 وما بعدها.. لم تراع القيمة التاريخية للوثائق. كان هذا الحريق كارثة تاريخية..إذ اختفت وثائق مصر التي كانت محفوظة في هذه الدار إما بالحريق أو بالتدمير أو بالسرقة.. ولم يكن هناك في ذلك الوقت وسائل اطفاء حديثة فقد كانت الوسيلة الوحيدة هي المياه التي كان يحضرها السقاكون.. ولهذا استمرت الحرائق مشتعلة يومين كاملين. وهكذا كانت الحرب ضد الوثائق.. لم تكن فقط في سنة 1820 بل حدث حرائق أخري أكثر خطراً وأهمية من حريق الدفترخانة.. فقد احترق المجمع العلمي علي يد البلطجية الذين اندسوا بين المتظاهرين في إطار ثورة 25 يناير.. واحترقت معه وثائق هامة وكتب ومراجع قيمة.. كان في هذا المجمع تاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية.. وفي أوقات كثيرة يلجأ رجال السياسة والباحثون إلي هذه الدار للبحث في قضية معينة أو معلومة تاريخية.. ولم يتم انقاذ الا عدد محدود من الكتب والمراجع بعضها سليم والآخر في حاجة إلي ترميم يتكلف ملايين الجنيهات. ومن بين المراجع التي كانت محفوظة في المجمع العلمي.. مرجع أعده المستشرق الفرنسي "حيين دني" تم اعداده سنة 1930 وخاص بالوثائق التركية التي كانت موجودة في القلعة في الدفترخانة أو في مقر عابدين أو في المحاكم. وقد صدر هذا المرجع بناء علي طلب الملك فؤاد الأول.