اهتم الإسلام بالوالدين اهتماماً بالغاً وجعل طاعتهما والبر بهما من أفضل القربات. ونهي عن عقوقهما وشدد في ذلك غاية التشديد. ومن معاني البر في اللغة: الخير والفضل والصدق والطاعة والصلاح. ولا يخفي علي كل عاقل. ما للوالدين من مقام وشأن يعجز الإنسان عن دركه. ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنه يبقي قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما وحقهما علي الأبناء. وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم وعماد حياتهم وركن البقاء لهم؟ لقد بذل الوالدان كل ما أمكنهما علي المستويين المادي والمعنوي لرعاية أبنائهما وتربيتهم. وتحملا في سبيل ذلك أشد المتاعب والصعاب والإرهاق النفسي والجسدي. وهذا البذل لا يمكن لشخص أن يعطيه بالمستوي الذي يعطيه الوالدان. ولهذا اعتبر الإسلام عطاءهما عملاً جليلاً مقدساً استوجبا عليه الشكر وعرفان الجميل. وأوجب لهما حقوقاً علي الأبناء لم يوجبها لأحد غيرهما. حتي إن الله تعالي قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال عز من قائل: "وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً" "سورة الإسراء: الآية 23". لهذا ولغيره الكثير جعل الله برهما وطاعتهما من أفضل القربات بعد توحيده سبحانه وتعالي. وجعل عقوقهما والإساءة إليهما من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله. يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث. ولا تقبل واحدة بغير قرينتها.. "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول" "سورة التغابن: الآية 12". فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" "سورة البقرة: الآية 43". فمن صلي ولم يزك لم يقبل منه. "أن أشكر لي ولوالديك" "سورة لقمان: الآية 14". فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالي والإلزام ببرهما والإحسان إليهما. والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما. بأي أسلوب كان. قال الله تعالي: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" "سورة النساء الآية 36". وقال تعالي: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" "سورة العنكبوت الآية 8". وقال تعالي: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً علي وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير" "سورة لقمان الآية 14". وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم جاء التأكيد علي وجوب بر الوالدين والترغيب فيه. والترهيب من عقوقهما. ومن ذلك: ما صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "رضا الرب في رضا الوالدين. وسخطه في سخطهما" "رواه الطبراني في الكبير". ويكون بر الوالدين بالإحسان إليهما بالقول اللين الدال علي الرفق بهما والمحبة لهما. وتجنب غليظ القول الموجب لنفرتهما. وبمناداتهما بأحب الألفاظ إليهما. كيا أمي ويا أبي. وليقل لهما المرء ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما. ويعلمهما ما يحتاجان إليه من أمور دينهما. وليعاشرهما بالمعروف: أي بكل ما عرف من الشرع جوازه. فيعطيهما في فعل جميع ما يأمرانه به. من واجب أو مندوب أو مباح. وفي ترك ما لا ضرر عليه في تركه. ولا يحاذيهما في المشي. فضلاً عن التقدم عليهما. إلا لضرورة نحو ظلام. وإذا دخل عليهما لا يجلس إلا بإذنهما. وإذا قعد لا يقوم إلا بإذنهما. ولا يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما لما في ذلك من أذيتهما. ونحن عندما نكرر الوصية بطلب معرفة قدر الوالدين والإحسان إليهما والإقرار بحقهما في البر والصلة. إنما نفعل ذلك ليعود بالخير علي المجتمع المسلم كله. إذ لا تتحقق سعادة فرد أو أمة دون احترام صغارها لكبارها ممن أسدوا إلينا معروفاً وبذلوا لنا عطاء وفاضوا علينا من بحور المودة والرحمة والحب. ويأتي في مقدمة هؤلاء الرحماء الوالدان بكل ما لهما أو عليهما. نسأل الله العظيم أن يهدينا الطريق المستقيم وأن يتوب علينا وعلي المسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.