سبحان مغير الأحوال.. لو أن ثورة 25 يناير لم تفعل سوي أنها نقلت جماعة الإخوان من جماعة محظورة لحقب طويلة. إلي جماعة محظوظة تحتل مقاعد الأغلبية في البرلمان ويجلس واحد من أعضائها البارزين علي مقعد "سيد قراره" المحبوس في طرة الآن. لو أنها ما فعلت غير ذلك. لاستحقت أن تخلد وأن يكافأ الشعب المصري الذي صنعها ومنح ثقته لها. يكافأ بإعلان الجهاد المقدس من قبل جميع الأعضاء الذين ينتمون إليها ضد الفقر والجهل والمرض والقمع الذي عاني منه هذا الشعب طوال حقب عديدة وثار عليه حتي أسقط النظام وتبدلت الأحوال. لقد أبكانا النائب الإخواني أكرم الشاعر فعلاً. وأبكي معه أعضاء البرلمان وأبكي رئيسه الدكتور الكتاتني حين تحدث الرجل بالدموع وبصوت متهدج عن الشهداء والمصابين ومن فقدوا نور العيون وعن لوعة الآباء والأمهات وحرقة قلوبهم وطالب بالقصاص لهم حتي تبرد قلوب أهاليهم. فقد تحولت أولي جلسات هذا المنبر الجليل بعد تحريره من براثن الحزب الوطني إلي جلسة تاريخية. عاطفية عاصفة. ومشهد في فيلم يعبر عن عودة الروح إلي الوطن بفضل ثورة يناير. صفحة جديدة بدأت مع هذه الجلسة ولكن الثورة لم تهدأ ولم تحقق بعد أهدافها. ولم يتم القصاص من قتلة الثوار ولا من القناصة ولم تحقق الحرية ولا العدالة ولا الديمقراطية بمعناها الأعمق والأشمل. هدأت نفوس "الجماعة" و"حزب الحرية والعدالة" ومعهم نفوس السلفيين والجماعة الإسلامية واستكانت. ولم يهدأ الناس في الشوارع ولم تسكن قلوب الأمهات الطمأنينة.. والمشوار مازال في بدايته. والطريق وعر.. صحيح أن أول الغيث قطرة ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. والأهم أن تتحول القطرة إلي تيار عذب ويستمر المشوار في طريق الصواب. إن أهم الخطوات لم نقطعها بعد: الدستور.. وانتخاب الرئيس والانتقال عملياً وموضوعياً إلي الدولة المدنية. صورة الميدان في الذكري الأولي للثورة مهيبة. الأطفال الصغار دخلوا إطار الصورة. صاروا جزءاً من المشهد. حناجرهم الغضة علت بأصوات ترفض القمع وترفض حكم العسكر.. جلسوا فوق أكتاف الآباء ولوحوا بقبضة اليد وبالاعلام.. تضاعف الإحساس بالمسئولية.. بثقل المهمة الملقاة علي نواب الشعب.. فلا تفرحوا بما جاءكم. الفرح والفرج هو ما ينتظره الشعب منكم. لا تضيقوا بالمليونيات والاعتصامات والاحتجاجات فلولاها ما تبدلت الأحوال. وما سقط نظام. وما فرضت محاكمات وما أصبحت "المحظورة" "محظوظة". لا تتعالوا ولا تستعلوا وإياكم أن تستأثروا بكل المشهد. أو تطمئنوا وتنتشوا فالامتحان جد صعب والتحدي كبير والعيون مفتوحة والتوقعات عالية والأمانة مسئولية ثقيلة والشعب المسلوبة حقوقه حملكم إياها وقد طال صبره.. فاحذروا ثورة اليأس وغضب المحبطين. مليونيات ما بعد ظهور النتيجة بانتهاء هذه الدورة ومن دون أن يتغير الحال إلي حال أفضل ومن دون أن تصل ثمار الثورة إلي صانعيها. أشد وأقوي والله وحده يعلم إلي أي مدي ستصل ثورات الغضب. وفق الله "الجماعة" وأنعم علي أعضاء "الحرية والعدالة" بالمزيد من الحظ.