الأعياد في مصر لها مذاق مختلف.. زينات وألعاب نارية.. تجمعات عائلية وولائم اجتماعية. وأمهات وآباء يتبارون في تصوير أولادهم بملابس ضابط الشرطة. ولم لا وحلم فئات كثيرة في المجتمع أن يفوز أحد أبنائها بمكان في كلية الشرطة, حتي يصبح الوالدان وسط الجيران (أم أو أب الباشا). منذ عشرات السنين والطقوس نفسها تكاد لم تتغير. بالاضافة إلي لعبة عسكر وحرامية التي تعزز أيضا فكرة الضابط ونفوذه. أظن أن عددا كبيرا من الفتيان كان يفضل القيام بدور الضابط, حيث القوة والبطولة, خاصة أن النهاية المتوقعة هي انتصار الضابط وتأكيد شجاعته. وعلي مر العصور والضابط في مصر له مكانته بين أقرانه, بصلابته وشهامته وقدرته علي التحمل وصفات أخري كثيرة, كانت دائما تؤهله لمجال الصدارة في جميع المحافل والمناسبات. ودائما (الباشا) كما يناديه الجميع يتمتع بسطوة بين كل المحيطين. ولسان حالهم (الباشا قال..) و(الباشا قرر). جاءت ثورة يناير وتغيرت أحوال كثيرة. في مقدمتها الموقف من رجل الشرطة واختل ميزان الأمور بالنسبة له. وجري عن عمد أو بدونه حجب الرؤية عن غالبية المواطنين. ونتيجة لتصرفات غير مدروسة, انتقل إلي رحمة الله جهاز الشرطة بأكمله, كما قال اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية علي شاشات التليفزيون منذ عدة أيام, وتبدلت المواقع. فضابط الأمس أصبح في لمح البصر مجرما وقاتلا اليوم, ولابد من القصاص منه بكل قوة دون رأفة أو حتي محاكمة. ليس من حقه الدفاع عن نفسه أو حماية عائلته. وسط غضب الجماهير والثوار, التي قررت وحكمت بضرورة أن يلقي الباشا السابق العقاب المشدد والسريع جدا. ولسان حال الكثيرين القصاص القصاص. وهو الشعار الذي أصبح أكثر انتشارا هذه الأيام وسط وعيد وتهديد بالنيل من المتباطئين في تحقيق رغبات أسر الشهداء. ولهم الحق فمن الصعوبة تحمل فقد الأحباب دون ذنب أو جريرة ارتكبوها, سوي الدفاع عن وطنهم. لكن من الانصاف, إذا كان الوطن لكل المصريين, بصرف النظر عن ألوانهم وعقائدهم وأعمالهم, ألا يتساوي شهيد الميدان الذي راح ضحية مؤامرة غادرة وبين آخر قتل نتيجة محاولته الدفاع عن نفسه وزملائه من الضباط والأفراد أو حتي عن مقر عملهم, وهل يعقل أن يجرد الانسان من ملابسه كي يصبح عبرة؟ وهل يكون التمثيل بجثث ضباط الشرطة فضيلة؟. أليس من حق شهيد الشرطة أن يعامل كشهيد واجب, كغيره من الثوار. ويتم الاقتصاص له من الغادرين الذين تسببوا في وفاته. فمنهم من ترك أولاده في عمر الزهور. ومنهم من تيتم أطفاله ولا يزالون علي أكتاف أمهاتهم. حزنت كغيري ممن لهم أب أو زوج أو إبن, يعمل في جهاز الشرطة علي الوضع الذي وصلنا إليه. فليس من العدل أن نفرق بين شهيد وشهيد؟ ومن الانصاف أن ندرك أننا نتعامل مع مواطن مصري له كل الحقوق عليه جميع الواجبات. مواطن يخطئ ويصيب, يكافأ أو يعاقب بالقانون, الذي يكفل لكل مواطن محاكمة عادلة ويمنع إقالته من وظيفته دون صدور حكم نهائي بالادانة, من هنا أناشد الشرفاء في هذا الوطن أن يتكاتفوا ويحموا رجال الشرطة ويعاقبوا كل مخطئ بالقانون وليس بالعواطف الجياشة. وهم ليسوا بالبشاعة التي يحاول البعض أن يصورهم بها. صحيح فيهم الطالح, لكن أيضا منهم كثير من الصالحين. فهم جزء من نسيج ذلك الوطن بحلوه ومره.