منذ 14 عاما تقريبا أي عام 1998. إتصل بي الفنان الموهوب حلمي التوني وسألني اذا كنت مستعدا لوضع كتاب عن الفنانة تحية حليم.. فأبديت سعادتي بقيامي بهذه المهمة بعد تحقيق نجاح نفخر به عند تعاوننا في إصدار المجلد الفاخر "متحف في كتاب" .. وعرفته أنني ازورها وأتأمل لوحاتها بعد أن أصدرت كتابا صغيرا عنها وضعه الكاتب الكبير لويس عوض. ويضم 45 صورة من لوحاتها الملونة ونشرته هيئة الاستعلامات . وبهذا الكتاب لوحة للدكتور لويس عوض كشفت فيها الباطن قبل الظاهر في شخصيته. وعلي مدي ثمانية أشهر من اللقاءات المتتالية للحوار ولتصوير ما لديها من لوحات فوتوغرافيا. انجزت كتابي عنها. الذي أتمني ان يكون موضوع عمل سينمائي يسجل جوانب من حياة المثقفين خلال منتصف القرن الماضي. وكنت قد تحدثت معها قبل اتفاقي مع الفنان حلمي التوني بهذا الشأن. وقد انتهي حديثي معها بضرورة توفير تكاليف طباعة الكتاب لأن الناشرين يرفضون الإنفاق علي كتب الفنون الجميلة بسبب ما يشاع عن بطء توزيعها. وقد بدأنا اعداد الكتاب بعد ان حصلت الفنانة علي التمويل اللازم من خلال واقعة طريفه أقرب إلي الخيال!.. ذلك أن الدكتور حسين الجبالي نقيب الفنانين التشكيليين في ذلك الوقت أبلغنا بوجود إحدي اللوحات الكبيرة من رسمها لديه. وقد وصلته من شخص مجهول اتصل به تليفونيا وعرفه انه سيدق جرس الباب صباح يوم الجمعة التالي للمكالمة. وعندما يفتح الباب لن يجده وسيجد لوحة كبيرة مغطاه ومستندة الي الحائط. عليه أن يدخلها مسكنه ويتصرف فيها باعتباره نقيبا للتشكيليين.. وعندما كشف عن اللوحة التي بلا صاحب عرف انها من اللوحات الهامة الكبيرة المساحة للفنانة تحية حليم.. ولم تذكر لي الفنانة مكانها قبل هذه الواقعة واستطاعت ان تبيعها بمبلغ 100 ألف جنيه بينما تكاليف الطباعة بلغت 15 ألف جنيه ودفعت الفارق وهو خمسة آلاف جنيه من رصيدها السابق. اما عن الفنانة فقد كانت جدتها عنيدة وقوية الشخصية عندما رفضت الزواج من وزير مالية "الخديوي اسماعيل" صاحب السطوة والسلطان "اسماعيل المفتش" الذي يعتبر أقوي شخصية في القصر الخديوي وسبب فساد الحكم وقتها.. وكانت جدتها رئيسة لفرقة الموسيقي بالقصر وعازفة الكمان. وقد استخذم اسماعيل المفتش وسائل الترغيب والأرهاب دون جدوي.. وتحكي قصة الجدة كيف أن الخديوي اسماعيل عندما أدرك انه سيتم عزله عن عرش مصر قرر عمل أفراح للعاملين في البلاط بتزويج الفتيات العازفات في فرقة الموسيقي بالقصر من الضباط الشباب في الحرس الخديوي.. وهكذا تزوجت عازفة الكمان الآنسة "اليوزباشي جولتار" من ضابط : السواري الشركسي "عبد الوهاب حلمي" الذي كانت تحبه وقد انجبا بنتا. عندما كبرت تزوجت من أحد ضباط الجيش المصري بالسودان.. وسافرت معه الي السودان. وانجبت له ثلاثة أطفال. وفي عام 1919 رزقا بابنتهما الرابعة المعروفة في الوسط الفني باسم تحية حليم. وعندما تضجت اختارت طريق الفن فالحقها والدها بمرسم الفنان السوري "يوسف طرابلس" الذي لقنها أصول الرسم الأكاديمي. لكنه بعد عامين من التحاقها بمرسمه قرر الهجرة الي كندا وغادر مصر في نهاية عام 1940 . في معرض صالون القاهرة السنوي الذي أقيم عام 1941 إلتقت الفنانة بالرسام "حامد عبد الله" وشاهدت رسومه عن الأقصر وأسوان. واتفقا حامد عبد الله مع والد الفنانة علي اتاحة الفرصة لتواصل دراستها الفنية عند الرسام اليوناني "اليكوجيرون" .. ووافق الأب علي أن يصاحب حامد عبد الله ابنته عند ذهابها الي الفنان اليوناني. بعد أن اتممنا كتابة النص الخاص بالكتاب وبيانات اللوحات التي نشرت به واخرجه الفنان حلمي التوني ليجعل منه تحفه متميزة في المكتبة العربية. والكتاب يعتبر تحفة المكتبة الفنية ويقع في 124 صفحة من القطع الكبير "23*33سم" ومطبوع باللغتين العربية والانجليزية وبه 65 صفحة بالألوان لأكثر من 195 لوحة من إخراج الفنان حلمي التوني وقد قامت بطبعه وتوزيعه دار الشروق.