عاشت منطقة "الضبعة" المقرر أن يقام بها أول محطة نووية بمصر.. حالة حرب حقيقية. البداية كانت من الأهالي.. أو بمعني أصح "البدو" الذين يعتبرون كل المناطق الصحراوية أو الظهير الصحراوي بصفة عامة ملكاً خالصاً لهم ولو لم يكن لديهم عقود ملكية.. وهو "قانون عرفي" إن صح التعبير ليس مجاله الآن أن نحكم عليه بالصحة أو الخطأ.. والكل يعلم ذلك سواء كانوا مسئولين أو غير مسئولين. المهم.. أن هؤلاء البدو يطالبون بتعويضهم عن الأرض التي خصصتها الدولة لإقامة المحطة النووية فوقها.. ولأن القيمة التي حددتها الدولة لم تكن علي هوي البدو.. ثاروا واغلقوا الطريق الدولي وحدثت مناوشات تحولت إلي اشتباكات بينهم وبين قوات الجيش التي كانت تحمي موقع المحطة.. مما دفع الجيش إلي سحب قواته من المنطقة حتي لا تتفاقم الأمور وكلف الشرطة بحمايتها. هدأت الأمور وبدأ التفاهم علي التعويض المناسب. لكن للأسف.. فوجئنا جميعاً بهجوم علي الموقع نفذه "مجهولون" يحملون الأسلحة النارية والديناميت.. استولوا خلالها علي بعض محتويات المكاتب الإدارية وسرقوا كابلات الكهرباء وبعض أعمدة الإنارة.. بل وفجروا المباني غير الحيوية للمحطة بالديناميت!! هجوم غير مبرر.. هدفه التخريب والترويع واظهار العين الحمرا للحكومة حتي تترك الموقع.. مستغلاً حالة الاحتقان بين الأهالي والدولة. لكن ظهر جليا في هذه الموقعة معدن الإنسان المصري الأصيل الذي يأبي تخريب منشآت الدولة تحت أي ظرف.. حيث سارع أهالي الضبعة أنفسهم والذين كانوا محتجين من قبل بحماية وحدة الأرصاد ومحطة التحلية وخزانات الكلور ونقلوا ما استطاعوا من محتويات المكاتب الإدارية إلي داخل مدينة الضبعة للحفاظ عليها من النهب والتخريب. من المؤكد أن الأهالي لن يستطيعوا حماية موقع المحطة بشومة وسلاح بدائي أمام "كتيبة" من البلطجية والغوغاء وارباب السجون المسلحين بالآلي والديناميت ولابد من طريقة لمواجهة هؤلاء ولو بعودة الجيش من جديد. السؤال: من هؤلاء البلطجية الذين ليست لهم مصلحة شخصية في الموقع؟ الاجابة القاطعة والحاسمة علي السؤال هي: أن هؤلاء مرتزقة اجراء دفعهم رجال أعمال بعينهم كانوا طامعين في الموقع من قبل الثورة لتمويل المنطقة إلي مشروعات سياحية.. والكل يعرفهم. يعرفهم المجلس العسكري وأجهزته. والمجلس الأعلي للطاقة الذي كان ومازال د. حسن يونس وزير الكهرباء المحترم عضواً فيه. وحكومات نظيف وشفيق وشرف والجنزوري.. الكل يعرفهم بالاسم.. هم ومن كانوا يساندونهم. ارجعوا إلي ماقبل الاجتماع المفاجئ لمجلس الطاقة الذي تقرر فيه تخصيص "الضبعة" لإقامة أول محطة نووية. كانت هناك وقتها حوارات كثيرة وعنيفة لمنع التخصيص والسعي المستميت لإرساء المنطقة علي رجال أعمال بعينهم. ولولا أن هناك طاقة نور ظهرت وسط هذا الظلام الدامس.. لضاعت الضبعة في لمح البصر. ففي ضربة استباقية سريعة وساحقة وماحقة.. ضغط بعض المخلصين للوطن خلال هذا الاجتماع التاريخي ونجحوا في أن ينتزعوا إعلاناً مدوياً بتخصيص الموقع للمحطة من وراء ظهر رجال الأعمال إياهم ومن كانوا يساندونهم والذين هاجوا وماجوا وهددوا وتوعدوا.. ونفذوا تهديدهم ووعيدهم.. علي مدي عام لإقرار الفوضي وجعلها دستور حياة. يقيني أن مثل هذه الاجتماعات إذا كانت لا تسجل في مضبطة لدواعي بروتوكولية.. فمن المؤكد أن لها محاضر جلسات تدون فيها كل كبيرة وصغيرة.. راجعوها لتقرأوا ما بين سطورها.. واسألوا من حضروها. أعلنوا أسماء "زعماء البلطجة" وحاسبوهم بالقانون.. بعد القبض علي البلطجية الذين كانوا مجرد ادواتهم والاعتراف عليهم. رجال الأعمال الذين أعنيهم.. هم الطامعون في الضبعة مثلما طمعوا من قبل في شرم الشيخ ونويبع وطابا ودهب والبحر الأحمر وأسوان.. وهم الذين فجروا موقع الضبعة وفضحوا بذلك أنفسهم. وهم الذين كانوا وراء الانفلات الأمني واقتحام وحرق السجون وأقسام الشرطة والمولات والفنادق منذ 28 يناير الماضي. وهم الجناة الحقيقيون الذين مولوا ونفذوا موقعة الجمل وأحداث البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الشعب وغيرها من الأحداث المؤسفة.. مع آخرين. وهم الذين كانوا وراء عمليات البلطجة في كافة ربوع مصر. ومن المؤكد أنهم هم الذين ستدافع عنهم بعض الأقلام والفضائيات تصريحاً أو تلميحاً غداً.. وستفرد لهم مساحات تجميلية مدفوعة ومفضوحة. يا من تسألون عن الطرف الثالث أو اللهو الخفي.. رجال الأعمال هؤلاء هم هذا الطرف وذاك اللهو الذي لم يعد خافياً بعد تفجير الضبعة بالذات.. أنهم أصحاب المصلحة الحقيقية.