فطر الله النفس البشرية علي حب كل جميل. والنفور من كل قبيح. فللجمال شرف فاق كل شرف. الا تري من شرف الجمال ان يدعيه من هو ليس بأهله. كما انه من حقارة القبح أن ينكره من هو أهله. وكما جعل الله ذلك الشرف والميل للجمال امرا طبيعيا في الفطرة السليمة. كذلك جعله أمرا محثوثا عليه في الشرع والدين.. ففي الجمال اجتماع للأمر الكوني والأمر الشرعي في انسجام باهر. وفي الحديث عن ر سول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله جميل يحب الجمال" رواه مسلم وهو دعوة صريحة من سيدنا رسول الله لأمته للاهتمام بالجمال المظهري. وقد علل هذه الدعوة بأن الله جميل. فالله عز وجل متصف بكل صفات الجمال ونعوت الكمال والجلال سبحانه وتعالي. ويؤكد هذا المعني ما رواه معاذ بن جبل أنه قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يارسول الله: اني أحب الجمال. واني أحب أن أحمد. كأنه يخاف علي نفسه. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "وما يمنعك أن تحب ان تعيش حميدا وتموت سعيدا؟ وانما بعثت علي تمام محاسن الأخلاق" "ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد". فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم حب الجمال. وحب الذكر الحسن. من سعادة الدنيا. بل جعله من مكارم الأخلاق التي بعث صلي الله عليه وسلم ليتممها. ولقد شاءت قدرة الله أن يجعل من الجمال في شتي صوره مناط رضي وسعادة لدي الانسان. كما ان استساغة الجمال حق مشاع. وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد. ومن عصر لعصر. لكنه اختلاف محدود قد يمس جانبا من الجوانب. أو عنصراً من العناصر التي تشكل القيمة الجمالية. والجمال في فطرة الانسان يميل اليه بطبعه. وهذا لا يحتاج الي تدليل. اذ هو محسوس مشاهد في كل زمان ومكان. وأما ما ورد في نصوص الشرع الحنيف من دعوة للتأمل في الجمال. فهي كثيرة نذكر منها قوله تعالي: "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" "النحل: 5" ومثله ما ورد في ذكر جمال منطر البسماء. والحث علي النظر اليه بقوله سبحانه وتعالي: "ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين" "الحجر: 16". ويشبه ذلك أيضا ما ذكره الله سبحانه وتعالي في معرض منه علي الانسان بالمخلوقات التي تبعث البهجة في النفوس. كما في قوله تعالي: "أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون" "النمل: 60". ففي هذه الآيات دلالة واضحة. علي عظم قيمة الجمال. حيث امتن الله علي الانسان بكل مظهر جميل. وحث المؤمنين علي النظر في كل جميل. حتي تسمو نفوسهم وترتقي لفهم المعاني الجميلة. والجمال ليس قيمة سلبية لمجرد الزينة. كما انه ليس تشكلا ماديا فحسب ولكنه بالمعني الصحيح. حقيقة مركبة في مداخلها وعناصرها وتأثيراتها المادية والروحية. وموجاتها الظاهرة والخفية. وكذلك في انعكاساته علي الكائن الحي. وذلك لأن أثره يخالط الروح والنفس والعقل. فتنطلق ردود أفعال متباينة. بعضها يبدو جليا وبعضها الآخر يفعل فعله داخليا لكن محصلة ذلك كله ما يتحقق للانسان من سعادة ومتعة. وما ينبثق عن ذلك من منفعة. تتجلي فيما يأتي أو يدع من أفعال وأقوال وفيما يحتدم داخله من انفعالات ومشاعر. واذا كان الاستمتاع بالجمال مباحا في الشرع الحنيف فانه مدخل الي ارتقاء الروح والذوق. وسمو النفس وخلاصها من التردي والسقوط. ومحرك للفكر كي يجول إلي ما هو أبعد من المظاهر الحسية التي قد كتب عليها الزوال. فالجمال سبب من أسباب الايمان. وعناصر من عناصره. والقيم الجمالية الفنية تحمل علي جناحيها ما يعمق هذا الايمان ويقويه. ويجعله وسيلة للسعادة والخير في هذه الحياة. ولذلك حث الاسلام علي جمال المنظر. وجمال الأخلاق. والأصوات. والرائحة. بل كان طبع الانسان ينفر من كل منظر وخلق وصوت قبيح والمسلم بدينه الجميل. وبعبادته لرب جميل. وبالتزامه بشرع جميل يشيع منه الجمال والراحة والطمأنينة في المكان الذي يحل فيه كما أخبر بذلك المصطفي صلي الله عليه وسلم حين قال: "المسلم كالغيث أينما حل نفع".. فنسأل الله سبحانه أن يرزقنا جمال الأخلاق. وجمال الممر والمستقر. إنه نعم المولي ونعم النصير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.