هل تدرك الزميلة "المصري اليوم" أنها تسعي جاهدة إلي حرق الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية شعبيا من خلال القصة التي تخوض فيها علي مدي اليومين الماضيين؟.. ولماذا تفعل ذلك؟ القصة تنشرها "المصري اليوم" علي لسان "مصادر مطلعة".. وقراء الصحف يعرفون جيدا مغزي هذا التعبير الفصفاض الذي يحمل من الفبركة والكذب أكثر مما يحمل من الحقيقة.. وتقول القصة باختصار إن أمريكا تضغط علي الدول العربية وعلي حلفائها الغربيين لمنع تقديم مساعدات مالية لمصر ووقف وتأجيل المساعدات المقررة من قبل لأن البيت الأبيض يعاقب بذلك المجلس العسكري علي عدم استجابته للطلب الأمريكي باختيار د. البرادعي رئيسا للوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة إنقاذ وطني لعرقلة صعود الاسلاميين بالاضافة إلي مشاركة مصر في مناورات بحرية مع تركيا أثارت قلق إسرائيل. وطبقا لما قالته المصادر المطلعة إياها فان حملة تفتيش مقرات منظمات ومراكز المجتمع المدني جاءت ردا من المجلس العسكري علي الضغوط الاقتصادية الامريكية.. وان المداهمات تتضمن رسالة للولايات المتحدة بالكف عن ممارسة ألعابها مع مصر لأن المجلس العسكري يمتلك هو الآخر ما يمكنه من الضغط علي الولاياتالمتحدة ويمنع النشطاء السياسيين من ممارسة مهامهم المدعومة بأموال أمريكية. هذا هو ملخص القصة التي نشرتها "المصري اليوم" أمس الأول منفردة ولم تشاركها في هذا السبق الخطير مطبوعة أخري.. وهي علي هذا النحو تحرق د. البرادعي وتحرق الثوار في ميدان التحرير وتحرق منظمات المجتمع المدني كما سأوضح لاحقا.. وترفع من أسهم الاسلاميين والمجلس العسكري ربما علي عكس ما تريد "المصري اليوم". وفي عدد الأمس أجرت الصحيفة اتصالات بأطراف عديدة لاستطلاع رأيها فيما تضمنته القصة التي ليس لها مؤلف معروف يمكن التثبت منه ومراجعته.. وقد شككت هذه الأطراف في التفاصيل لكنها اتفقت علي رفض الضغوط الأمريكية من حيث المبدأ.. وقالت ان ما رددته المصادر المطلعة اياها يهدف لكسب التعاطف مع الاسلاميين وضرب البرادعي. وقال خبراء سياسيون ودبلوماسيون ان "تسريبات ضغط واشنطن علي المجلس العسكري هدفها تشويه البرادعي والرجل ليس عميلا للأمريكان".. بينما أكد مصدر رفيع المستوي في الحكومة لم نعرف من هو وجود ضغوط أمريكية علي الدول العربية لوقف المساعدات لمصر. واختتم الدكتور وحيد عبدالمجيد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هذا الاستطلاع قائلا: "هذا الكلام استنتاجات وتكهنات أكثر من كونه واقعا ولا توجد وسيلة للتحقق منه". شخصيا.. لا ادري كيف وقعت "المصري اليوم" في هذا المطب.. وماذا كان هدفها من ورائه.. وكيف تنشر قصة بهذه الاثارة استناداً فقط إلي مصادر مطلعة؟! لا أظن أن حرق البرادعي شعبيا من أهداف "المصري اليوم" لكن القصة تحرقه تماما وهذا لا يجوز بصرف النظر عن رأينا في الرجل.. وعما كنا نؤيده أم نعارضه. ماذا يعني أنه كان هو المطلوب أمريكيا بالتحديد لرئاسة حكومة الإنقاذ الوطني بعد استقالة حكومة عصام شرف؟!.. وماذا يعني أن مجيئه كان بهدف عرقلة صعود الاسلاميين؟! هل كان مطروحا أن تتدخل الحكومة في الانتخابات وتتخذ اجراءات ضد فيصل سياسي لا يعجبها كما كان يفعل مبارك؟! هل كنا سنعود علي يد البرادعي إلي الاستبداد والإقصاء والتلاعب السياسي مرة أخري ومصادرة ارادة الناخبين التي ليست علي هوي الحكومة وأمريكا واسرائيل؟! ماذا كان ينتظر مصر علي يد البرادعي لو جاء رئيسا للوزارة حسبما تقول قصة "المصري اليوم"؟! واذا كان الثوار في ميدان التحرير قد هتفوا مطالبين بتولي البرادعي رئاسة حكومة الإنقاذ فهل كانوا في ذلك يعبرون عن المطلب الأمريكي والارادة الامريكية؟!.. والذين صعدوا الهتافات إلي اعتصام أمام مجلس الوزراء ضد تولي الجنزوري رئاسة الحكومة بدلا من البرادعي وأحدثوا جلبة وضجيجا هائلا هل كانوا ينتقمون من المجلس العسكري لأنه لم يستجب للارادة الامريكية؟! وهل رد المجلس العسكري بالتفتيش علي منظمات المجتمع المدني يعني ان هذه المنظمات تلعب بأموال أمريكا لصالح أمريكا والمجلس العسكري يعرف ذلك ويسكت عليه حتي يستخدم تلك المنظمات التي تعمل لغير صالح الوطن ورقة للضغط علي أمريكا ليس إلا؟! عفواً.. لا تؤاخذوني اذا تكاثرت الاسئلة.. فالقصة في غاية الخطورة.. ومغزاها وما بين السطور أشد خطرا مما تقوله الكلمات.. فهل تفاجئنا "المصري اليوم" مشكورة بالكشف عن "المصادر المطلعة" التي سربت لها الحكاية أم تتركنا نضرب أخماسا في أسداس.. وتتحول هذه المصادر الغامضة إلي ما يشبه "اللهو الخفي".