اثار هدوء النيابة في بداية مرافعتها في قضية "القرن" تعليقات استياء من بعض دفاع المدعين مدنيا بعدم وجود حماس وحرارة المرافعات خاصة في مثل هذه القضية الفريدة رغم أن النيابة لم تدخل في مرافعتها التي استغرقت ساعة كاملة في أدلة الاتهام والتي ستتناولها اليوم بالتفصيل بينما استعرضت فقط وقائع الدعوي بكلمات دقيقة شاملة معبرة عن نبض الشارع والأحداث السابقة واللاحقة التي أدت إلي ثورة 25 يناير. أما دفاع المتهمين فكانت أغلب تعليقاتهم علي المرافعة بأنها لم تتناول أي شيء جدي في الدعوي ومن المؤكد أن الموقف سيتغير بعد ان تستعرض النيابة الأدلة الفنية والقولية علي جريمتي القتل والاشتراك في القتل الموجهة إلي "مبارك" وللعادلي ولمساعديه الستة الكبار في استكمال مرافعتها بجلسة اليوم وغدا. كانت المحكمة قد عقدت جلستها برئاسة المستشار أحمد رفعت وعضوية المستشارين محمد عاصم بسيوني وهاني برهام بحضور المستشارين مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابة استئناف القاهرة ومصطفي خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة وتبين حضور المتهمين العشرة "مبارك" ونجلاه علاء وجمال والعادلي و"رمزي وفايد وعبدالرحمن والشاعر والمراسي والفرماوي" بينما لم يحضر المتهم الثاني الهارب "حسين سالم" وكان رد مبارك علي المحكمة بكلمة "موجود" تشير إلي صحته الجيدة. بعدها فوجئ دفاع المدعين بالحق المدني بأحد المحامين يشير بعلامة النصر لجمال مبارك في قفص الاتهام مما أثار استياءهم وقالوا له أنت لسه عايش أيام النظام السابق وأنت نسيت دم الشهداء!! قال المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة إنه وردت إليه بعض المستندات التي سبق وصرحت باستخراجها للدفاع وأمر باطلاعهم عليها وتصويرها. طلب سامح عاشور نقيب المحامين وأحد المدعين مدنيا من المحكمة تحديد موعد لمرافعات المدعين مشيرا إلي أنهم مستعدون للمرافعة ووعدتهم المحكمة بذلك. بينما اعترض دفاع العادلي علي قيام النيابة بالمرافعة وتساءل كيف تترافع النيابة في قضية بعض أوراقها لم يطلع عليها الدفاع.. فردت المحكمة أن القضية برمتها كانت بين يدي الدفاع طوال اكثر من 3 أشهر اثناء توقف الدعوي واستمع الدفاع للشهود وسجلوا كل ما قالوه. وبدأ المستشار مصطفي سليمان المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة في استعراض المرافعة علي مدي ساعة كاملة بعد أن اوضح للمحكمة أنه سيتناول وقائع قضية قتل المتظاهرين أولا وأدلتها الفنية والقولية وبعدها واقعة الاستيلاء علي المال العام واستغلال النفوذ ووافقته المحكمة. استهل المستشار "سليمان" مرافعته بقوله تعالي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير" واتبعها بقوله عز وجل "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون" صدق الله العظيم في هذه اللحظة ازداد وجه جمال مبارك شحوبا وذهولا بدرجة ملحوظة جدا بينما ظهر الاهتزاز والقلق الشديد علي علاء منذ بداية الجلسة ونظر إلي جمال في القفض نظرة تنم عن حوار بالنظرات. أكدت النيابة في مرافعتها أن في مصر الزمان أياما وشهورا وسنين خالدة لا يمحوها الدهر ومنها الايام من 25 يناير وحتي 11 فبراير من العام الماضي وهي من الأيام الخالدة التي ستظل في ذاكرة الشعب المصري والعربي والعالم بأسره لأن اثارها ونتائجها فريدة ومؤثرة علي العالم كله. وصفت النيابة القضية بأنها فريدة وغير مسبوقة وهي ليست قضية القرن كما يطلقون عليها ولكنها هي القصة الأولي والأهم والأخطر في تاريخ مصر القضائي والعربي لأنها المرة الأولي في التاريخ المصري والعربي التي يقبع فيها رأس النظام لسلطان القانون وتأكيدا لمبدأ سيادة القانون علي الحاكم والمحكوم. استطردت النيابة أن المرة الأولي التي يحاكم فيها المصريون رئيسهم في مشهد غير مسبوق لم يحدث من قبل وربما لن يتكرر ونهاية لحكم الفرد ونهاية لعقود طويلة من الحكم الاستبدادي وسيذكر كل حاكم بأنه مسئول عن صحة قراراته وأنه في دولة قانون يتساوي فيها كل المواطنين ويكون فيها القانون فوق الجميع. قال إن القضية درس في أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وحسابها قادم لا محالة وأن هناك قيدا يكبح جماح ارادته يتمثل في الدستور والقانون وأن العائد سيأتي عليه يوم يتجرد فيها من زهو السلطان ويعود إلي صفوف المواطنين كمواطن عادي. اضافت النيابة أن الثورة المجيدة ستفتح آفاقاً جديدة يتحول فيها الحاكم من فرعون مستبد غاشم إلي مجرد إنسان يتم محاسبته إذا أخطأ أو أفسد وستدخل مصر إلي آفاق الدول المتقدمة التي تقوم علي القانون وليس علي الغش والنفاق والتدليس بعد مرحلة تاريخية طويلة غابت فيها المساءلة واصبحت نقطة فارقة في الحكم في مصر. تابعت النيابة أن الواقعتين وهي قضية قتل المتظاهرين والاستيلاء هي قضية واحدة ولكن ليست كغيرها من قضايا القتل لكنها فريدة في اطرافها فلأول مرة المتهمين هم رأس النظام ووزير داخلية وكبار مساعديه والمجني عليهم من الشعب عدة مئات من الشهداء والمصابين يفوق الألف بكثير من خيرة ابناء هذا الوطن تصدوا مع غيرهم من جيل شجاع من الشباب الثورة الشعبية التي بدأت أحداثها يوم 25 يناير وانضم اليها كافة الطوائف بكل انتماءاتها السياسية والحزبية علي قلب رجل واحد وهؤلاء جاءوا بأنفسهم وضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل تحرير الكرامة والعدالة الاجتماعية واصلاح الاقتصاد المتردي. أما المتهمون فيها وعلي رأسهم الرئيس السابق قد شاءت الاقدار أن يتولي حكم مصر إلا أنه رفض أن يترك الحكم دون ارادته حتي نزع منه نزعا حاكم اقسم اليمين علي رعاية مصالح الشعب إلا أنه حنث باليمين وشرع في رعاية مصالحه الشخصية ومصالح أسرته وبطانته لاسيما في العقد الأخير من عهده الفاسد وسن سنه لم يسبقه فيها احد من الرؤساء من قبل إلا وهي توريث الحكم بعد ان افسد الحياة السياسية وزور إرادة واختيارات الشعب في البرلمان وعصف بكل شخص اكتسب شعبية وأطاح بها من مواقعها وترك منصب نائب الرئيس خاليا طوال مدة ولايته حتي تخلو الساحة لابنه المتهم الرابع ليتولي الرئاسة. أعطاه الشعب فرصة 3 عقود وهي فترة مجتمعة تزيد علي مدة حكم الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر والسادات وهي مدة أحداث نصف عمر الشيوخ واغلب عمر الشباب وكانت مدة كافية لتحقيق النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لو انتهجت سياسات صحيحة لكانت البلاد في مصاف البلاد الحديثة ولكنه خذل الشعب وفضل مصالحه الشخصية ومصالح أسرته وبطانته ورفض تسليم السلطة رغم تقدمه في العمر وفضل البقاء علي كرسي الحكم لآخر يوم في حياته وانسته شهوة السلطة رغبات شعبه حتي قام الشعب ونزعها منه. أكدت النيابة أن مبارك لم يأخذ العظة والعبرة باغتيال السادات امام عينيه وهو بجواره ورضخ لاسرته وارادتهم وإرادة قرينته التي ارادت أن تكون أم رئيس بعد ان كانت زوجة رئيس وتناسي أن الشعب ليس عقاراً أو عزبة خاصة يمكن أن تورث ولم يستمع إلي صوت الشعب وزور إرادته ليكون جواز المرور للتوريث وأدار ظهره لصوت الشارع الذي طالبه بالعدالة الاجتماعية والحرية وبلغت استهانته بالشعب ذورتها بالتزوير المفضوح لارادة المواطنين لتثبيت التوريث فتعالت صيحات الملايين ضده. قالت النيابة إن "مبارك" اهان نفسه ولوث بعضا من كان البعض يفخر به في تاريخه وأهال التراب علي حكمه الذي كساها بالاستبداد حتي كانت نهايته الذل والانكسار ليخرج من قصر الرئاسة إلي قفص الاتهام. ذكرت النيابة في مرافعتها ان الرئيس السابق انتهك سياسات خاطئة اصابت حكمه بالترهل بعد أن عمل علي استئثار الحزب الوطني بأغلب المقاعد بالتزوير واحتكر السلطة التشريعية والتنفيذية وابقي علي العديد من الوزراء والمسئولين في مواقعهم لتحقيق أهدافه لتوريث الحكم لنجله.. مما أدي إلي تفشي الفساد وعدم محاسبة الفاسدين ومزج بين النظام والسلطة وتبني نظاما اقتصاديا أدي لارتفاع الأسعار لخدمة الاغنياء علي حساب الفقراء مما أدي إلي انحسار دور مصر وتراجع مكانتها الاقليمية والدولية التي كانت تتمتع بها بين الأمم. انتقلت النيابة إلي المتهم الثاني حسين سالم صديق مبارك وأسرته.. والعلاقة الوطيدة التي يعرفها الجميع بدأت منذ السبعينيات عندما كان "مبارك" نائبا للرئيس وكان علي علم أنه يتاجر في السلاح ورغم ذلك اتي به بعد توليه الرئاسة وأحاطه بالنفوذ والرعاية وبأحلي المواقع بشرم الشيخ ومنحه الفرصة في الاستثمار والسياحة والغاز والبترول ومنحه أي قروض يطلبها مهما بلغت قيمتها. حبيب العادلي أما المتهم الخامس حبيب العادلي فهو اطول وزراء الداخلية عمراً في الوزارة تولي مسئولية الداخلية لمدة تزيد علي 13 عاماً وهي مدة غير مسبوقة أهله لها براعته في اقامة نظام قمعي مستبد وخروجه بجهاز الشرطة عن دوره في خدمة الشعب إلي خدمة النظام الحاكم واستخدام كافة السبل للحفاظ عليه بحجب الرأي وقمع الحريات ووأد الفكر واتبع سياسات أمنية خاطئة وبسط سلطان الأمن علي كافة أجهزة الدولة كرس كل أجهزة الشرطة لانجاح مشروع التوريث.. لم يعبأ بالأرواح التي ازهقت حتي يبقي المتهم الاول في سدة الحكم حتي لو علي جثث ابناء الشعب الذي كان كل جريمته حبه لوطنه وانساه همه بمصر سياسة البطش التي اتبعها الوزير الأسبق حتي نتج عنها فقدان أب وأم لفلذة كبدهما.