خروجاً علي كل القواعد والآداب الدبلوماسية المرعية بين الدول شن رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي هجوماً شديداً علي مصر واتهمها بدعم المتمردين المناوئين لحكومته انتقاماً منه لموقفه المتشدد في الدفاع عما اسماه حق أثيوبيا في مياه النيل. وأكد أن مصر لا تستطيع كسب أي حرب عسكرية تخوضها ضد بلاده علي هذه الخلفية مهدداً بأنها ستخسر خسراناً مبيناً إذا أقدمت علي ذلك..!! في المقابل احتفظت مصر بأقصي درجات ضبط النفس وردت علي هذا الهجوم بمنتهي الدبلوماسية حيث أكدت علي لسان مسئوليها أن الحرب ليست خياراً لها في التعامل مع دول حوض النيل علي خلفية الأزمة المفتعلة حول حصص كل من هذه الدول من مياه النهر الخالد بل تعتمد كلياً علي الحوار الدبلوماسي والاتصالات السياسية عالية المستوي. المؤسسة علي حقوق تاريخية لا يمكن التشكيك فيها من وجهة نظر القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة بين مصر وهذه الدول خاصة أثيوبياً بالذات. أشار المسئولون المصريون إلي أن الاتهامات المتعلقة بدعم المتمردين عارية تماماً من الصحة ولا أساس لها بالمرة مؤكدين أن القاهرة ملتزمة التزاماً ذاتياً بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة وطالبوا رئيس الوزراء الأثيوبي بتقديم الدليل علي صحة اتهاماته إن استطاع. لا شك أن رد مصر علي هجوم رئيس الوزراء الأثيوبي جاء متوافقاً تماماً مع سياسات مصر الخارجية ولكن يبقي أن هذا الهجوم من قبل زيناوي يحتاج إلي توضيح أبعاده وخفاياه. في هذا الإطار نشير أولاً إلي أن مصر لم تبدأ الأزمة ولكن التي بدأتها هي أثيوبيا وبعض الدول الأخري المتأثرة بها ونشير ثانياً إلي أن موقف مصر الحالي ليس جديداً علي الإطلاق لأنه يعتمد أساساً علي اتفاقيات قديمة أولها الاتفاقية الموقعة مع امبراطور أثيوبيا "منليك" عام 1902 ثم مع دول الهضبة عام 1929 ومع أوغندة عام 1949 والرئيس "موسفيني" عام 1991 ونشير ثالثاً إلي أن الموقف الذي تتخذه أثيوبيا منذ سنوات مضت ليس موقفاً أصيلاً يعبر عن مصالحها المزعومة ولكنه موقف مصطنع يخدم مصالح دول أخري ليس لها علاقة مباشرة بحوض النيل مثل إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية التي تلعب أثيوبيا دور الوكيل المعتمد لها في منطقة القرن الأفريقي. ونشير رابعاً إلي أن من حق مصر الدفاع عن حقوقها بكافة الطرق المشروعة. ونشير أخيراً إلي أن مصر ليست الصومال التي تحتل أثيوبيا جزءاً منها وتعيث فيها فساداً منذ سنتين بدعم من التحالف الصهيوني الصليبي الذي يستهدف هذه المنطقة منذ زمن طويل. إن مصر حتي الآن تتعامل مع المسألة التي تمثل بالنسبة لها مسألة حياة أو موت بمسئولية شديدة التزاماً بدورها الذي يفرضه عليها حجمها وتاريخها وهذا لا يعني أبدأ أنها غير قادرة علي حماية مصالحها في شريان حياتها أو أنها عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لوضع كل طرف في حجمه الطبيعي الذي لن يعدوه مهما فعل حتي لو كان مدعوماً من إسرائيل أو أمريكا. مع الاحترام الشديد لهذا الموقف المسئول من قبل مصر إلا أنه قد يتعين علي مصر- الآن وليس بعداً - أن تعيد حساباتها مع كل الأطراف العابثة في حوض النيل بعدما أسفرت هذه الأطراف أو بعضها عن هذا التوجه الصفيق بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة التي لا تزال تتخيل أنها قادرة علي إعادة رسم خارطة العالم ونوع وحجم علاقات دول رغم فشلها الذريع في كل المناطق التي تدخلت فيها حتي الآن. إن لدي مصر أوراقاً كثيرة جداً تستطيع من خلالها دفع كل الأطراف لمراجعة موقفه بدءاً بأثيوبيا وانتهاءً بأمريكاً مروراً بإسرائيل فمصر ليست كما يظنون فهي قادرة علي الدفاع عن حقوقها الدبلوماسية والسياسية بكافة الوسائل المشروعة حرصاً منها علي السلام الذي يسعي آخرون لتدميره والقضاء عليه.