الأمر المؤكد ان هناك إجماعا في مصر علي عدم استمرار المجلس العسكري في الحكم وضرورة تسليم السلطة إلي مؤسسات مدنية منتخبة.. المجلس العسكري نفسه اتفق علي ذلك وتعهد به لكننا مختلفون في الكيفية التي يتحقق بها هذا الهدف. البعض يطالب بأن يتم التنفيذ اليوم وبأي شكل حتي يعود الجيش إلي ثكناته والبعض الآخر يتخوف من حدوث حالة من الفوضي والانهيار ويطالب بخروج المجلس العسكري وتسليم السلطة بشكل منظم ووفق الخطوات التي حددها الاعلان الدستوري الذي استفتي عليه الشعب وصدر في 30 مارس الماضي. ولابد أن نعترف بأن أحداث الأسبوع الماضي نجحت في زعزعة الثقة الكبيرة التي كان يتمتع بها المجلس العسكري لكنها - وفي الوقت ذاته - زعزعت ايضا الثقة الكاملة التي كان يضعها الشعب في المتظاهرين والمعتصمين. وإذا استبعدنا مسئولية اطلاق الرصاص وجرائم القتل التي يتنصل منها الطرفان ومازالت معلقة في الهواء انتظارا للطرف الثالث الذي لم يظهر بعد فإن العنف العسكري الذي انكشف في فيديوهات السيدة المسحولة ذات العباءة السوداء وضرب الشباب بالأحذية الميري يقابله عنف المتظاهرين الذي انكشف ايضا في فيديوهات حرق المجمع العلمي وإلقاء زجاجات المولوتوف علي مقر مجلس الوزراء ومجلس الشعب واستخدام الأسلحة البيضاء لاصابة جنود القوات المسلحة. وهكذا لحقت تهمة استخدام العنف بالجميع واضحة جلية.. وذهبت الثقة عن الجميع.. وعاش الناس في شكوك واتهامات متبادلة وهم يراقبون ما يحدث دون ان يصلوا إلي الحقيقة.. وفي ظل انعدام اليقين يصبح من المستحيل تكوين رأي عام ناضج ومؤثر.. فكل الأطراف متهمة والجماهير حائرة وتائهة. والمصيبة الكبري ان الإعلام يشارك بقسط كبير في تثبيت حالة الحيرة والتوهان هذه.. ولم يستطع الوصول بالناس إلي الحقائق الغائبة عنهم.. وإنما دار في فلك الشكوك والاتهامات المتبادلة.. تفتح هذه القناة أو تقرأ هذه الصحيفة فتأخذك ذات اليمين.. ثم تفتح قناة أخري أو تقرأ صحيفة أخري فتأخذك ذات الشمال وبسبب هذه التناقضات راجت مقولة ان مصر فيها الشيء وعكسه: المتعصبون والمنحلون.. السلفيون والليبراليون.. المسالمون والمخربون.. التسامح والفتنة الطائفية.. التحرير والعباسية. ووسط هذه الثنائيات ضاع الاجماع واصبح علي النخبة ان تنحاز إلي الطريق الآمن الذي يحقق الهدف الأكبر بأقل قدر من الخسائر ولا تلهث هذه النخبة ان كانت صادقة في توجهها وراء غواية الشهرة وطلب الشعبية والحصول علي تصفيق الشارع ان كانت حقا تؤمن بدورها الطليعي والرائد ورسالتها في بناء رأي عام مستنير يحفظ لمصر أمنها واستقرارها وينتقل بها من الغليان إلي الهدوء والاستقرار ومن الميدان إلي البرلمان ومن المليونيات إلي المؤسسات. ان المظاهرات الحاشدة في الميادين تسقط النظام ولكن بناء النظام الجديد يحتاج إلي خطوات مدروسة ترفع اعمدة السياسة والاقتصاد وقد بدأنا بالفعل أول خطوة ايجابية لبناء أول مؤسسة من مؤسسات الدولة الديمقراطية الجديدة وذلك من خلال انتخابات حرة ونزيهة لاختيار اعضاء برلمان الثورة الذي سوف يتسلم السلطة التشريعية من المجلس العسكري.. ثم يلي ذلك انتخاب مجلس الشوري ووضع الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية وبذلك تكتمل المنظومة الديمقراطية لنقول للمجلس العسكري: شكرا. وجاء قرار المشير طنطاوي بدعوة مجلس الشعب الجديد لعقد أولي جلساته يوم 23 يناير القادم ليرد علي المشككين الذين يراهنون علي مماطلة المجلس العسكري في تسليم السلطة ويروجون لاحتمالات انقلابه علي الشرعية التي بدأت تظهر ملامحها في الانتخابات البرلمانية وإلغاء هذه الانتخابات حتي يظل منفردا بالحكم. وتقتضي المصارحة أن نقول للجميع ان المليونيات لن تبني الدولة الديمقراطية ولن تنعش الاقتصاد المتداعي.. ولن تأتي بحقوق الشهداء والمصابين ولذلك يجب ان نذهب فورا إلي بناء المؤسسات الدستورية.. إلي البرلمان ثم إلي رئاسة الجمهورية. ان مطالب الميدان تحتاج إلي برلمان قوي يحولها إلي إجراءات تشريعية ورقابية وهو الذي يستطيع أن يسحب السلطة من الحكومة في إطار قانوني. هناك أخطاء وقعت خلال الفترة الماضية بلا شك.. والمجلس العسكري وأجهزة الدولة الأخري متهمة بالتقصير في كثير من الجوانب وأولها كشف الطرف الثالث الذي تلقي عليه مسئولية القتل والتمويل المقدم للمفسدين والمخربين والحل الوحيد لذلك أن يكون عندنا قضاء ناجز ومستقل ونيابة عامة متفرغة وقادرة علي ملاحقة من تحوم حولهم الشبهات وان تكون جهة سيادية عليا لا تخضع لأية توجهات.. وهذا يتطلب وجود سلطة تشريعية ورقابية حقيقية.. وتشريع يصنع سلطة قضائية مستقلة ومهيمنة. نحن غاضبون بسبب الدماء التي سالت في الشوارع والأبرياء الذين قتلوا ظلما وعدوانا وغاضبون بسبب جرائم الحرق والتخريب والسحل وهتك الأعراض.. وغاضبون بسبب التدهور الاقتصادي الذي تشهده بلادنا.. وغاضبون لأن حكومة د.الجنزوري لم تتمكن من العمل بجدية حتي الآن لإنقاذ ما يمكن انقاذه.. لكننا في الوقت ذاته لا يمكن أن ننكر أننا خطونا خطوة هائلة كانت حلما كبيرا للمصريين وهي إجراء أول انتخابات حرة نزيهة بدون تزوير وبلطجة وتزييف الإرادة الشعبية وخطونا خطوة سابقة بإجراء استفتاء حر علي أول مباديء دستورية تنزع عن رئيس الجمهورية القداسة وتمنعه من ان يتحول إلي فرعون وتنقل مصر إلي مصاف الدول الديمقراطية بالفعل وليس بالكلام والشعارات. وعلينا أن نواصل المسيرة حتي نستكمل البناء الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع والحوار والتوافق ونصل إلي المؤسسات وكفانا مليونيات ومظاهرات واعتصامات وعلي النخبة والمثقفين وجنرالات الفضائيات والسياسيين والمرشحين المحتملين أن يتقوا الله في هذا البلد. إشارات * قال د.البرادعي لمجدي الجلاد: أن أضع خطة لنمو الاقتصاد وتطويره أفضل الآن من الذهاب إلي ميدان التحرير. * من لم يشتهر بالقلم ولا بالبرنامج التليفزيوني يدفع سائقه ليرسل له رسالة تهديد بقتله هو وأحبابه علي الموبايل حتي تكتب الصحف عنهم وتنشر صورهم وتتحدث عنهم الفضائيات.. تفاصيل الخطة لمن أراد عند عمرو الليثي. * سيلفا كير رئيس جنوب السودان زار إسرائيل الأسبوع الماضي وقال هناك: لولا تأييدكم ودعمكم منذ الستينيات ما ظهرت دولتنا للوجود. هذا الاعتراف نهديه للأفاضل منكري نظرية المؤامرة لعلهم يتفكرون قبل أن تفاجئنا اعترافات أخري.