لم تشهد مصر علي مدي تاريخها أزمة مثل التي تمر بها هذه الأيام. لقد استشرت فصول هذه المأساة واستحكمت حلقاتها. بصورة غير مسبوقة. ولم تبد في الأفق أي بارقة أمل في إنهاء هذه الاعتصامات وتلك المظاهرات التي لم تسلم منها أي مدينة بالمحافظات القريبة أو البعيدة. ميدان التحرير بقلب مصر يموج بالكثير من الائتلافات والوقفات في كل أركانه أصبحت علامة فارقة وموئلا لكل الفضائيات وكل الأنظار تتطلع إلي ما يجري في هذه المساحة. الضحايا يتساقطون. والدماء الطاهرة تغرق الأرض الطيبة. الإصابات تجاوزت كل الخطوط حتي الأطفال سقطوا ضحايا مع الشباب. هذه المشاهد تبدو أمام أعين أهل مصر دون أن نري سوي محاولات لوقف الاقتتال في بعض الأماكن مثل منطقة شارع محمد محمود كما حدث من رجال الأزهر والأوقاف وقد أسهم هذا الحائط البشري من هؤلاء الدعاة في وقف مؤقت لم يلبث حتي انفرط عقده ولم ينج هؤلاء الشيوخ من قذائف الطوب والحجارة. كما أصابهم الاختناق من آثار القنابل المسيلة للدموع. وباءت المحاولة المشكورة للدعاة بالفشل. وتحولت الساحة إلي القتال مرة أخري. السؤال الذي يدق الرءوس بعنف ما هو السبب الذي يدفع المتظاهرين لاقتحام وزارة الداخلية أو مديريات الأمن بالمحافظات وما هو الهدف من وراء هذه الاقتحامات.. هل بدافع التشفي والانتقام أو النيل من هيبة الدولة؟ وهل هناك أيد خفية تتلاعب بمشاعر الجماهير واستغلال الحماس في تدمير بعضنا البعض وتشويه أرض الحضارة النهضة؟ وهل نظل جميعاً في موقف المتفرجين ونكتفي بمتابعة الفضائيات والحوارات التي أصابتنا بالملل واليأس ولم نشاهد أي اتفاق بين أي فريق من هؤلاء المتحاورين؟ للأسف الشديد الفرقة أصابتنا وهان علينا الوطن الذي ينهار اقتصاده وتتعرض منشآته للدمار والخراب. وأصبح التشرذم هو السمة الغالية لكل ما يدور في الساحة.. الأمر جد خطير والانفلات الأمني حول حياة المواطنين إلي رعب وفزع. الشوارع تغلق في أي وقت سواء بأعمال البناء والسير عكس الاتجاه بلا ضوابط ودون تنفيذ لقواعد المرور وبلا مراعاة للأمان في مختلف الطرق والاتجاهات وأصبحت الصورة لا ترضي أحدًا وبالتالي تعددت حوادث التصادم وتجاوز الضحايا الأعداد التي تقع خلال الحروب. خطف الفتيات والسلاسل الذهبية حطم الأرقام القياسية. والكل تحول إلي متحدث في السياسة وإدارة شئون الأمة. وتركنا المواطن البسيط يغرق في دوامة المناقشات والحوارات عبر شاشات التليفزيون. الأكثر حزناً أن الأمور تجري بعشوائية وكل فريق من المتظاهرين في واد مختلف عن الآخر وهتاف مجموعة يختلف عن جيرانهم في نفس المكان. ومن المبكي أن سيدة من حلوان اتصلت صباح أمس وجاء صوتها عبر الهاتف يحمل رنة أسي وحزن علي الحالة التي تردينا فيها جميعاً قالت: إن احدي السيدات كانت تقوم بمساعدتي في أعمال المنزل لكنها رفضت الاستمرار في هذه المهمة لأن هناك مجموعة استطاعت اقناعها بالتوجه إلي ميدان التحرير للاشتراك في هذا التظاهر. وأدي ذلك إلي تساؤل ربة المنزل حيث قالت: ومن سيدبر لك الأموال التي تحصلين عليها من مساعدتي؟ لكن تلك المرأة لم تقدم إجابة واضحة وتركت ربة المنزل وخرجت لتنهض بالركب المشارك في المظاهرات. ابنة حلوان قالت في حسرة: من أقنع هؤلاء بترك مشاغلهم واستطاع امتلاك مشاعرهم دون تقدير لحال الوطن والمأساة التي يعيشها. هذه السيدة ليست وحدها التي تتباكي علي ما يجري لكن يشاركها الكثير من أبناء وبنات وطننا ويتردد علي الألسنة ان المتواجدين في ميدان التحرير وغيره من المواقع لا يمثلون شعب مصر الذي اقترب عدده من 90 مليونا؟ الكل يطالب بوقفة حازمة تشارك فيها كل القوي الوطنية والسياسية للخروج من هذه الأزمة الطاحنة وضرورة النزول إلي أرض الواقع وإجراء حوارات ومناقشات بحكمة وهدوء مع هؤلاء الشباب للتراجع عن اقتحام وزارة الداخلية وغيرها من مديريات الأمن علي مستوي المحافظات. والاستماع إلي كل وجهات النظر بسعة صدر وأفق يرحب بكل الآراء أياً كانت حدتها. إن الوطن ينتظر من رؤساء الأحزاب والائتلافات والقوي السياسية التحرك بسرعة وتحديد برامج للحفاظ علي الشباب الطاهر وحرمان المتلاعبين من الوقيعة بين الطوائف والفئات المتواجدة في هذه المواقع وذلك في ضوء مقترحات محددة كالتالي: * إجراء اتصالات مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة وكافة الأجهزة المعنية لإعداد تحقيقات سريعة حول كل الملابسات التي جرت في ميدان التحرير وفحص محتويات القنابل التي انتهي عمرها الافتراضي واعلان نتائج التحقيقات فور الانتهاء منها وإحالة المتهمين أياً كانت مواقعهم للمحاكمة حتي تطمئن قلوب الأمهات الثكلي وان دماء أبنائهم لا تذهب هدرًا وضرورة اتخاذ التدابير لعلاج المصابين فورًا سواء بالداخل أو الخارج. * الاتفاق علي خطوات محددة وفق رؤية واحدة لتشكيل حكومة تدير شئون البلاد ومنحها كل الصلاحيات التي تكفل النهوض بمهمتها في هذه الفترة العصيبة والحرص علي اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة والخبرة مع مراعاة أن من يقبل هذه المهمة قليل من أهل الخبرة. وعدم فرض أي رأي من الآراء لاختيار أعضاء الحكومة. * منح الفرصة كاملة لتأمين عملية الانتخابات البرلمانية التي تنطلق بعد غد واتاحة الفرصة للإدلاء بالأصوات في مناخ يتمتع بالأمن والأمان مع السماح للمواطنين بأداء واجبهم الوطني حتي لو امتد الوقت لمنتصف الليل. * تشكيل مجموعات عمل للمساعدة في أداء هذه المهمة الوطنية بالتنسيق مع الهيئة القضائية التي تتولي الإشراف علي الانتخابات. في النهاية ليتنا ندرك أن تشكيل البرلمان بمجلسيه الشعب والشوري هو الوسيلة للانتقال من هذه الفترة العصيبة لأنها الوسيلة الوحيدة لكي يعود رجال القوات المسلحة لمواقعهم بعد تسليم السلطة لبرلمان منتخب. يا أبناء مصر الشرفاء تحركوا قبل فوات الأوان هذا هو الطريق بلا بديل. دعونا ننتظر ونترقب!!