بعيداً عن مليونية أمس التي سميت مليونية المطلب الواحد وهو تسليم السلطة في 30 ابريل القادم.. ثم تحولت إلي مليونية المطلبين وهما تسليم السلطة واسقاط ما يسمونها "وثيقة السلمي".. بعيداً عن هذه المليونية وإن كانت تقف علي خط التماس مع كل عمل يستهدف اسقاط الدولة.. فقد استوقفني الأسبوع الماضي حدثان خطيران يضافان إلي أحداث مثيلة أو مشابهة سابقة تنذر بعواقب أخطر علي حاضر ومستقبل هذا البلد. * الحدث الأول: قيام السلفي عبدالمنعم الشحات باجبار مذيعة برنامج "شباب كافيه" علي القناة الخامسة بأن تغطي شعرها كشرط للظهور معها في البرنامج. * الحدث الثاني: محاولة السلفي د. حازم رشدان منع اقامة حفل للمطرب هشام عباس في أكاديمية النيل الخاصة بالمنصورة. واقعة الشحات لا ألومه فيها.. فمن حقه ألا يظهر في برنامج تليفزيوني أمام مذيعة متبرجة.. هو حر.. لكني ألوم المذيعة التي استجابت لشرطه ووضعت طرحة علي رأسها وكان عليها أن ترفض وتعلن ما حدث علي الهواء مباشرة.. فوجوده في البرنامج لن يفيده. وعدم وجوده لن يضره. اقول ترفض.. ليس لأنني ضد الحجاب.. بالعكس.. أنا مع الحجاب قلباً وقالباً.. وكل نساء أسرتي محجبات وأتمني أن تكون كل نساء مصر المسلمات محجبات.. لكني اؤمن أيضاً بأن الحجاب لا يكون بأوامر صادرة من غير ذي صفة.. فالذين لهم صفة في رأيي ووفق قناعتي هم الأب والأخ والابن والزوج وذلك للأنثي البالغة.. أما إذا لم تكن بالغة ومازالت في سن الطفولة فإن اجبارها علي ارتداء الحجاب يعتبر تزيداً وتطرفاً مرفوضين. ان الشرط والاستجابة.. لهما معني خطير الآن وغداً. الشرط كان الزامياً وهو هنا مثل تغيير المنكر باليد.. وهذا خطأ جسيم.. كما أن خطورته علي المستقبل أنه يكشف بجلاء ما سيفعله هؤلاء بالمجتمع إذا تولوا حكم البلاد لا قدر الله. وواقعة شومان.. وإن كان الرجل للحق لم يقتحم المسرح كما نشرت بعض المواقع بل تحدث خارج القاعة بأدب اساتذة الجامعة انطلاقاً من مبدأ الدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.. فإن ما آخذه عليه فتواه بأن الغناء حرام شرعاً وأن مثل هذه الحفلات غير شرعية.. إنها فتاوي ممن لا يملك حق الافتاء.. كما أنه أمر شرحه يطول ولم يكن مجاله باب المسرح.. بل من خلال ندوة أو محاضرة أو ما شابه ذلك. الخطورة الأكبر ليست في الحدثين مجردين.. لكن تأتي إذا أضفناهما إلي ما سبق وقوعه علي مدي الشهور العشرة الماضية.. ساعتها سنجد أنفسنا أمام "غول" يريد أن ينهش المجتمع ويقطع أوصاله ويهدم بنيته الاجتماعية الأساسية. هل نسيتم قيام سلفي بلا صفة رسمية بقطع أذن أحد الأقباط في قنا حيث أعطي لنفسه اختصاصات الحاكم والقاضي والجلاد في نفس الوقت؟! .. أم نسيتم قيام السلفيين بهدم العديد من الأضرحة بحجة أن الصلاة فيها حرام؟! .. أم نسيتم تغطية تمثال "الحوريات" بالإسكندرية بدعوي أنها اصنام؟.. وتصريحاتهم العديدة بمنع السياحة الشاطئية والأثرية باعتبار الأولي تندرج تحت بند العري والانحلال والثانية تعود بنا إلي عهد الوثنية؟ .. أم نسيتم فتاواهم الكارثية مثل تحريم تزويج بنات المسلمين ممن اسموهم فلول الحزب الوطني المنحل وتحريم التصويت لصالح هؤلاء الفلول دون سند شرعي؟! كل هذه الأحداث السابقة والحالية "تخض" فعلاً علي مستقبل هذا البلد. أيها السلفيون وكذلك الإخوان ومن يدورون في فلككم خوفاً أو طمعاً.. نحن لا نخشاكم.. فالله أولي بأن نخشي. لسنا في حاجة إلي أن يعلمنا أحد أصول ديننا.. فمصر دولة وسطية ولم تكن في يوم من الأيام دينية متطرفة.. دولة قوامها 86 مليون نسمة.. تسعة أعشارهم مسلمون. ومعظمهم متدينون ويعرفون جيداً أصول دينهم وواجباتهم تجاه المولي عز وجل.. وأقول عن علم ويقين ان الكثيرين جداً جداً لا ينتمون إلي السلفية أو الإخوان ولا إلي أي تيار ديني ولديهم القدرة علي تدريس علوم الدين الصحيح لمن ينتمون لهذا التيار أو ذاك. أما "العُشر" الباقي من السكان.. فهم اقباط ومعظمهم كذلك متدينون.. لهم شريعتهم ولهم انجيلهم ومن حقهم أن يحكموا به كما نص المولي سبحانه وتعالي في دستورنا الأعظم.. القرآن الكريم.. فبأي حق يفرض عليهم هذا أو ذاك أن يتحجبوا أو يتخمروا أو ما شابه ذلك؟! ولسنا في حاجة إلي وسيط بيننا وبين المولي عز وجل.. فعصر الكهنوت لن يعود ثانية.. وكلنا يعلم جيداً ما حل بأوروبا بسببه حيث تحولت إلي بحور من الدم باسم الإله.. ولا ادري أي إله كانوا يقتلون ويسفكون دماء الأبرياء باسمه.. فالله محبة ورحمة وخير. السؤال الأهم: يا من تتخذون الدين مطية أين كنتم طوال العهود السابقة؟ ولماذا الآن تخرجون من الجحور والسراديب والكهوف لتزيدوا جراح الوطن؟ هل جرأكم أن مصر الآن ليست دولة بالمعني العلمي.. فهي بلا مؤسسات.. لا رئيس ولا شرطة ولا برلمان ولم يعد سوي الجيش الذي تريدون هدمه والقضاء الذي اشعلتم نار الفتنة بين جناحيه الجالس والواقف؟.. اكيد. هل استمرأتم اللعبة طمعاً في الحكم ووجدتموها فرصة لن تتكرر رغم تأكيدكم غير المقنع بأنكم لا تريدون منصباً أو جاهاً في حين انكم أحرص ما تكونون علي المنصب والجاه والسلطان والصولجان؟.. أكيد أيضاً. هل دفعكم إلي كل ذلك انكم سقطتم دون وعي منكم في شراك المؤامرة المدبرة ضد مصر لإضعافها تمهيداً للتفتيت والتقسيم وهو السقوط المخزي الذي لا تشعرون به حتي الآن؟.. أكيد كذلك. يا رجال مصر ونساءها.. دافعوا عن مدنية دولتكم وعضوا عليها بالنواجز وطهروا مصر من الرايات السوداء والزرقاء والخضراء وانهضوا بها.. كفانا عشرة شهور من البهدلة والانتحار. وإلا.. انتظروا يوماً سوف يهان فيه الرجل وهو بجوار زوجته.. ولا يندهش عندما يأتيه مجموعة ممن يرتدون "الجلاليب والعقال" وفي يد كل واحد منهم عصا أو جلدة يضربه بها علي ذراعه أو ظهره أو مؤخرته ويقول له: "غطي وش الحرمة"!! هل تريدون هذا أم ذاك؟.. لكم الخيار.